يبدو أن الأزمة الخليجية المشتعلة بين السعودية والإمارات والبحرين من جانب وقطر من جانب آخر، والمستمرة منذ 5 يونيو الماضي بدأت تأخذ منحنيات جديدة وتداعيات أكثر قوة، حيث باتت تلقي بظلالها، وتطال بأذرعها دول القارة الإفريقية أيضًا، في مشهد تطغى عليه محاولات نقل الحرب السياسية إلى مناطق جديدة بالوكالة، وخلق تحالفات جديدة على وقع الأزمة القديمة. تحركات تركية شهدت الأيام القليلة الماضية تحركات تركية سريعة، حملت في طياتها رسائل مبطنة للسعودية بشكل فج، حيث برزت الزيارة التي قام بها الرئيس التركي، رجب طيب اردوغان، للسودان لأول مرة منذ استقلاله عام 1956، على أنها محاولة لجر أزمة مع المملكة، خاصة أنها جاءت في الوقت الذي تشتعل فيه أزمة بين السودان والسعودية، فاحت رائحتها بعد اعتراض السودان على اتفاقية ترسيم الحدود بين السعودية ومصر في الأممالمتحدة، الموقعة في الثامن من إبريل عام 2016، والتي تضمنت تبعية مثلث حلايب لمصر، وقد فاقم هذا الخلاف زيارة الرئيس السوداني، عمر البشير، لروسيا في نوفمبر الماضي، مرحبًا خلال الزيارة بإقامة قاعدة عسكرية روسية في البحر الأحمر، ومطالبًا روسيا بحماية السودان من الممارسات العدائية الأمريكية. في ذات الإطار طار الرئيس التركي إلى السودان برفقة وفد سياسي واقتصادي مُكون من 200 فرد، الأمر الذي أعطى مؤشرات حول خطط أردوغان لاستثمار الخلاف السعودي السوداني لصالحه، وبالفعل تمكن الرئيس التركي من توقيع عشرات الاتفاقيات بين الطرفين، شملت كافة المجالات تقريبًا، حيث وقع رجال أعمال أتراك وسودانيون تسع اتفاقيات لإقامة مشاريع زراعية وصناعية، تشمل إنشاء مسالخ لتصدير اللحوم ومصانع للحديد والصلب ومستحضرات التجميل، إضافة إلى بناء مطار في العاصمة السودانية الخرطوم، وإنشاء مجلس للتعاون الاستراتيجي. الضربة الكبرى جاءت في موافقة السودان على تخصيص جزيرة "سواكن" الواقعة في البحر الأحمرلتركيا؛ كي تتولى إعادة تأهيلها وإدارتها لفترة زمنية، حيث يُعد ميناء "سواكن" الأقدم في السودان، ويُستخدم في الغالب لنقل المسافرين والبضائع إلى ميناء جدة في السعودية، وهو الميناء الثاني للسودان بعد بور سودان، الذي يبعد 60 كلم إلى الشمال منه، وقد سبق أن استخدمت الدولة العثمانية هذه الجزيرة كمركز لبحريتها في البحر الأحمر، وضم الميناء مقر الحاكم العثماني لمنطقة جنوبالبحر الأحمر بين عامي 1821 و1885، وبذلك ارتفعت الاتفاقيات الموقعة بين البلدين خلال زيارة الرئيس التركي إلى 21 اتفاقية، بعد أن وقع الجانبان 12 اتفاقية خلال الزيارة فقط، وبلغت قيمة جملة الاتفاقيات التسعة 650 مليون دولار. بعيدًا عن زيارة أردوغان للسودان وما تمخضت عنه من رسائل معادية للسعودية، اتخذت تركيا خطوة تقاريبة جديدة مع قطر، مظهرة دعمها من جديد للدوحة على حساب نزاعها مع السعودية المستمر منذ 5 يونيو الماضي، حيث برز ذلك في تصريحات السفير التركي لدى قطر، فكرت أوزر، مع صحيفة "العرب" القطرية، قبل أيام، إذ أعلن أنه سيتم خلال شهرين أو ثلاثة من الآن الإعلان عن تدشين أول مصنع قطري للعتاد العسكري في الدوحة بدعم تركي، ما سيسمح بتوفير ما تحتاجه دولة قطر في مجال الدفاع الوطني، وتأمين احتياجاتها العسكرية. وأشار السفير إلى أن هناك محادثات لتزويد قطر بقاذفات تركية، ومشروعًا مشتركًا حاليًّا في مدينة إزمير، يتمثل في مصنع لإنتاج الشاحنات الضخمة والمدرعات العسكرية، ولفت "أوزر" إلى أن بلاده تطمح إلى أن تستوعب القاعدة التركية في الدوحة 3 آلاف جندي تركي، حسبما تنص عليه اتفاقية التعاون العسكري التي صدَّق عليها البرلمان التركي، مؤكدًا أن "القوات التركية ستجري مناورات مشتركة مع القوات المسلحة القطرية، إلى جانب المهام المنوطة بها القاعدة العسكرية"، وقد تناسقت تصريحات السفير التركي لدى قطر مع الإعلان عن وصول ثالث دفعة من القوات التركية إلى قاعدة العديد الجوية في قطر، تمهيدًا للانضمام إلى الدفعات السابقة الموجودة حاليًّا في قاعدة الريان بالدوحة، وهو الإعلان الذي حمل رسالة دعم تركية جديدة لقطر. هذه التطورات الأخيرة تأتي في ظل وجود خلافات صامتة بين الطرفين منذ فترة، استعرت بعد إعلان السعودية مقاطعتها لقطر الحليفة الأقرب لتركيا وفرض حصار بري وجوي وبحري عليها، الأمر الذي دفع أنقرة إلى تسريع خطواتها المؤيدة للدوحة وتعزيز التقارب الاقتصادي والسياسي معها، فتركيا لم تُخفِ يومًا دعمها لقطر على حساب السعودية، بل وصل الأمر إلى التقارب مع المحور الروسي السوري الإيراني، الذي تكنُّ له المملكة الكثير من المشاعر العدائية، وهو ما فاقم الأزمة بين السعودية وتركيا التي باتت تلعب على المكشوف. بعد أن أغضبتها.. تركيا تغازل السعودية في الوقت الذي كان فيه الرئيس التركي يقود حراكًا سياسيًّا في اتجاه مُعادٍ تمامًا للسعودية، ويبعث برسائل سياسية علنية أثارت غضب المملكة، كان رئيس وزرائه، بن علي يلدريم، قد وصل إلى العاصمة السعودية الرياض، في زيارة أثارت العديد من التساؤلات حول تناقض السياسة الخارجية التركية في التعامل مع السعودية، فحسب العديد من المراقبين فإن مباحثات "يلدريم" مع الملك "سلمان بن عبد العزيز" وولي عهده تخللها توصيل رسائل سياسية لاذعه إلى المملكة بشأن العديد من الملفات الشائكة بين الطرفين، وعلى رأسها الأزمة الخليجية واليمنية، لكن في الوقت نفسه سعى رئيس الوزراء التركي إلى إظهار أن الزيارة وسمت بالإيجابية، وأكد المسؤول التركي أنها "كانت مثمرة للغاية"، حيث تحدث "يلدريم" عن "تطابق وجهات نظرنا بشأن العديد من الأزمات وسبل حلها بنسبة 90%"، مستدركًا بأنه "توجد تباينات بسيطة فيما يتعلق بكيفية حل القضايا". إثيوبيا.. بوابة قطر لتعظيم نفوذها الإفريقي لم يعد الحديث عن التقارب القطري الإثيوبي جديدًا، فالعلاقات بين الطرفين أخذت في التصاعد منذ سنوات، حتى باتت إثيوبيا تمثل بوابة لتعاظم النفوذ القطري التركي في القارة الإفريقية، وهو النفوذ الذي يهدد العديد من دول القرن الإفريقي، وعلى رأسها مصر، وكعادة الطرفين الإثيوبي والتركي بعد فشل كل جولة محادثات مصرية إثيوبية بشأن سد النهضة، يظهر تقارب أكثر في العلاقات بين الطرفين، وهو ما تكرر خلال الأيام القليلة الماضية، فبعد أقل من أربعة أيام على زيارة وزير الخارجية، سامح شكري، للعاصمة الإثيوبية، أديس أبابا، لبحث ملف سد النهضة؛ في محاولة لكسر الجمود الحالي في المفاوضات حول السد، بعد تعثّرها الشهر الماضي، استقبل رئيس الوزراء الإثيوبي، هيلماريام دسالنج، رئيس أركان القوات القطرية، الفريق الركن طيار غانم بن شاهين الغانم، في أديس أبابا، واتفق الجانبان على تعزيز التعاون الأمني بينهما. وانطوت هذه الزيارة على توقيع عدد جديد من اتفاقيات التعاون الأمني بين البلدين، التي تظهر وكأنها ثمرة نجاح إثيوبيا في عرقلة ملف سد النهضة، الذي يثير قلق القاهرة، حيث قال رئيس الوزراء الإثيوبي للوفد القطري إن "الزيارة تعكس تحرّك التعاون الثنائي بين البلدين إلى مستوى جديد من الصداقة"، داعيًا إلى المضي قُدمًا نحو تنفيذ مختلف الاتفاقيات بين الدوحةوأديس أبابا، كما أعرب عن تقديره لحكومة قطر والمستثمرين القائمين بالأنشطة الاستثمارية في إثيوبيا. هذه الزيارة وتزامنها مع استمرار وجود عراقيل في محادثات سد النهضة بين مصر وإثيوبيا تُعيد إلى الأذهان زيارة رئيس الوزراء الإثيوبي للعاصمة القطريةالدوحة، وإشادته بدور الجالية الإثيوبية بقطر في بناء سد النهضة، وذلك بعد أيام من اجتماع تم بين مندوبين من مصر والسودان وإثيوبيا في القاهرة، في 12 نوفمبر الماضي، للموافقة على دراسة أعدتها شركة فرنسية لتقييم الآثار البيئية والاقتصادية للسد، لكن المحادثات حينها تعثرت بعد فشلهم في الاتفاق على تقرير أولي، وألقى كل طرف باللوم على الآخر في تعطيل إحراز تقدم.