في تأبين رجل بحجم اللواء الشهيد عصام زهر الدين، أبا يعرب يصعب تماماً اختيار الكلمات، يصعب على أيِّ كاتبٍ أن يختار ماذا يقول في حضرة الدم المقدّس، صعبٌ أن تقول بأن هذا كان وهذا لم يكن، فابن قرية "الصورة" في جبل العرب كان يعرف أي طريقٍ اختياره منذ البداية. لم يكن طرياً ناعم العود جالساً متنعماً فيما جنوده يقاتلون على الجبهات. كان منغمساً في الصراع، كان قلباً له إذ يكفي أن تستذكر جملته الشهيرة إبان كل عمليةٍ تقودها مجموعته "نافذ أسد الله" التي اختارها ودرّبها بنفسه وبعناية: إلى كافة الجبهات قتال حتى الشهادة. هو قتالٌ حتى الشهادة. الشهادة التي تحصّل عليها اللواء البطل مؤخراً إثر لغمٍ أرضي في قرية "حويجة صقر"، شهادةٌ لم يكن هذا الرجل إلا جديراً بها. تقرأ الأحداث أكثر: تكتشف حجم الخسارة الكبرى برحيل القائد المهيب ذو الشاربين واللحية الكثّة والإبتسامة الصلبة الدائمة. لكن ما تكتشفه أكثر هو حجم إخافته للأعداء، إذ يكفيك مدى "احتفال" و"شماتة" الكثيرين بشهادته كي تفهم حجم تأثيره ومدى قوّة حضوره حتى في شهادته. لم يكن قائد اللواء 104 في الحرس الجمهوري، بطل معركة بابا عمرو الشهيرة، والذي فك الطوق عن مدينة دير الزور مؤخراً (قبل شهرٍ فحسب) رأس حربة بمواجهة المشروع التكفيري فحسب، بل كان الجلاد الذي قطع رأسه الأوّل في سوريا الحبيبة. أسر لصحافي صديق قبل مدّة "داعش كذبة، لقد احتل هؤلاء دير الزور بالتكبير"؛ ما قاله الرجل حقيقي، الخوف الذي غرسته داعش في قلوب كثيرين، كسره اللواء الشهيد بصموده وصلابته وإصراره على البقاء وخوض المعركة من الخطوط الأمامية. يذكر كثيرون كيف أنه كان يزور الخنادق المواجهة لجحافل القتلة والتكفيريين وهم كانوا يعرفون أنّه هناك، وأنّ "قاهرهم" هناك ولم يفعلوا أي شيء بمواجهته. كان للرجل حضورٌ نفسي كبير. كان اللواء شخصيةً عامة. كان يعرف اللعبة الإعلامية كذلك، كان يجيدها أيضاً. كان يعرف أن ظهوره الإعلامي مهم في المعركة، كان يدرك ماهية أن يظهر قائدٌ حقيقي من هذا الجيش، من جيش هذه البلاد وهذه الأرض أمام الناس لا ليحدّثهم فحسب عن إنجازاته، بل ليطهر الأرض أمامهم بجسده وبحضوره قبل خطابه. كان شاعراً، ولطالما سمع كثيرون تسجيلاتٍ وحتى شاهدوا مقاطع فيديو للرجل قارضاً الشعر و"العتابا" الجبلية. كان عصام زهر الدين حقيقياً من بلادٍ حقيقية على أرضٍ حقيقية. لم يكن يدّع شيئاً هو ليس به، لم يكن يمثّل، كما لم يكن لديه نيةٌ بذلك. قاوم الفساد على طريقته، قاوم وزجر من حاولوا "تشليح" الشعب زرقه في مناطق عدّة، حارب مدّعي الوطنية واللصوص الذين اجتمعوا على لقمة عيش المواطن في لحظاتٍ كثيرة. لامه كثيرون على كونه "هو" على كونه حقيقياً إلى هذا الحد، البعض أراده أن يحارب "بقفازاتٍ حريرية" وأن يمثّل أمام وسائل الإعلام، لم يفعل ذلك، ولم يقدّم نفسه إلا كما هو وبصورته الحقيقية. لاشك أن خسارتنا بأبي يعرب كبيرة للغاية، ذلك أمرٌ لا نقاش فيه، لكن المعركة ستستمر. ولن تكون خسارتنا بزهر الدين الأخيرة، إذ سنخسر العديد من أحبتنا والأعزاء على قلوبنا، فهذا شأن المعارك والحروب أن تأخذ أعز ما نملك، لكن ليس أمامنا إلا هذا الخيار، أن نبقى في هذه الأرض، أن ندافع عنها بكل ما نملك: هل كان هذا إلا خيار اللواء الشهيد؟ ألا نتعلّم من أحبتنا الشهداء إلا هذا؟