لا شك أن الاستفادة من تجارب تعليمية جديدة لتحسين أوضاع التعليم المصري المزرية مسألة ضرورية من أجل النهوض باستراتيجية تعليمية متطورة تتماشى مع خطة التنمية المستدامة لمصر 2030، ولكن كالعادة هناك تعثر يواجه الحكومة في تنفيذ تعليمات الرئيس منذ سفره لليابان فبراير 2016 لنقل التجربة، وبناء المدارس، وتخبط في القرارات والتصريحات، لنصل إلى يومنا هذا دون ان تبدأ الدراسة في المدارس اليابانية، ولم تستقبل تلميذًا واحدًا حتى الآن، ليفاجئنا الوزير بغلق باب التقديم للمدارس عبر الموقع الإلكتروني وفحص الطلبات، وبدء الدراسة 15 أكتوبر الجاري، بطاقة عمل ثماني مدارس فقط. رحلة المدارس اليابانية من فبراير 2016 حتى الآن حبر على ورق قرر الرئيس عبد الفتاح السيسي أثناء زيارته لدولة اليابان في فبراير 2016 تطبيق تجربتها في التعليم المصري، وأعطى إشارة البدء، مع توفير كل الدعم من مؤسسة الرئاسة للوزارات المعنية وعلى رأسها وزارة التربية والتعليم بالتنفيذ. بدأت تصريحات المسؤولين تنطلق يوميًّا على صفحات الميديا منذ ذلك التاريخ بأنهم يعملون على قدم وساق لتنفيذ تعليمات الرئيس، على أن تفتح المدارس أبوابها في العام الدراسي 2016 – 2017 وأن تبدأ التجربة في 100 مدرسة العام المقبل لتعليمات الرئيس، وهو ما صرح به اللواء يسرى عبد الله، مدير هيئة الأبنية التعليمية، ثم أعلن مرة أخرى أنه جارٍ تنفيذ 45 مدرسة على غرار المدارس اليابانية؛ لتدخل الخدمة العام الدراسي 2017 – 2018. في التاسع من إبريل الماضي أعلن الدكتور طارق شوقي وزير التعليم أن الوزارة ستقوم ببناء 100 مدرسة على النموذج الياباني، و100 مدرسة أخرى لمدارس النيل، و100 أخرى للمتفوقين مع بداية العام الدراسي الجديد. وفي أول أغسطس تقلص عدد المدارس اليابانية المعلن ليصل إلى 28 مدرسة يابانية، مؤكدًا أنه سوف يتم استلامها في منتصف أغسطس. مع بداية سبتمبر تقلص العدد مرة أخرى، وأعلنت البيانات الإعلامية أن المدارس اليابانية التى ستدخل الخدمة هذا العام 16 مدرسة، على أن يتم استكمال باقي المدارس لاحقًا، وقتها بدأ اللواء يسرى عبد الله رئيس هيئة الأبنية التعليمية يلقي المسؤولية على الهيئة الهندسية للقوات المسلحة. وقبل ايام من الدراسة تقلص عدد مدارس اليابانية مرة ثالثة، حيث أعلنت الوزارة أن المدارس التي ستدخل الخدمة 3 فقط في السويس والتجمع الخامس والشروق 2، على أن يتم قبول ملفات التلاميذ منتصف نوفمبر، والدراسة تبدأ مع انطلاق الترم الثاني الدراسي، في مرحلة رياض الأطفال فقط، على أن تعمل في الدور الأول من هذه المدارس الثلاثة فقط. المتحدث باسم التربية والتعليم: الدراسه يوم 15 أكتوبر ومن جانبه قال أحمد خيري، المتحدث باسم وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني، فى تصريحات صحفية، إن موعد بدء الدراسة بالمدارس المصرية اليابانية 15 أكتوبر الجاري، ومن المقرر أن تبدأ الدراسة في ال 8 مدارس التي تم الإعلان عنها من قِبل الوزارة في محافظات "الإسكندريةوالقاهرة والمنوفية والسويس وبني سويف والمنيا وأسيوط"، كمرحلةٍ أولى. وأضاف أن إجمالي عدد المتقدمين للمدارس المصرية اليابانية بلغ 29 ألفًا و703 طلاب وطالبات، وبلغ عدد المتقدمين لمرحلة رياض الأطفال 11791 لمرحلة KG1، و7259 لمرحلة KG2، وبلغ عدد المتقدمين للصف الأول الابتدائي 5407 تلاميذ وتلميذات، والمتقدمين للصف الثاني الابتدائي 2357، وللصف الثالث الابتدائي 2889 تلميذًا وتلميذة. وأردف المتحدث باسم وزارة التربية والتعليم أنه سيتم الإعلان عن موعد المرحلة الثانية للقبول بالمدارس اليابانية فور الانتهاء من إنشاء عدد آخر من المدارس وتسليمها للأبنية التعليمية لتجهيزها، مشيرًا إلى أنه من المتوقع أن يتم الانتهاء من تسليم المرحلة الثانية من الأبنية نهاية الشهر المقبل. وقال خيري إنه من المقرر أن يتم الانتهاء من 45 مدرسة أخرى خلال العام الجاري، على أن يتم بدء العمل بها على مراحل وفق الأبنية التي يتم الانتهاء منها. وطالبت الوزارة أولياء أمور الطلاب المتقدمين بالاطلاع على نتيجة القبول عبر موقع الوزارة؛ للبدء في تقديم الأوراق بالمديريات التعليمية، بعد ترتيب الطلاب وفقًا للسن الأكبر والمربع السكني. جدير بالذكر أن المصروفات الدراسية تبدأ من 2000 حتى 4000 جنيه. الوزارة تبيع الوهم للمواطنين بالمدارس اليابانية يقول الدكتور كمال مغيث، رئيس مجلس أمناء المركز المصرى للحق في التعليم، في تصريحات خاصة ل"البديل"، إن وزارة التربية والتعليم تبيع الوهم للمصريين بخصوص المدارس اليابانية، وأكبر دليل هذا الحديث اللامع والترويج الدعائي لإنشاء 100 مدرسة، والذي انتهى ب8 مدارس، لا نعلم هل ستبدأ الدراسة بها يوم 15 أكتوبر أم لا. وأضاف أن الوزير الدكتور طارق شوقي يروج للمدارس اليابانية كما لو كانت طوق النجاة للتعليم المصري، رغم كونها لا تزيد على مدارس خاصة بشعار ياباني فارغ، حيث تضم فقط مجموعة أنشطة يابانية مستلهمة من النظام التعليمي الياباني، ولكن الوزارة تروج لها بشو اعلامي على أنها مدارس يابانية؛ لتحصيل على أكبر قدر من المصاريف من أولياء الأمور. ولفت مغيث إلى أن هذه المدارس اليابانية لن تعامل مثل أي مدرسة دولية بعدم خضوعها للوزارة، حيث ينظم عمل المدارس الدولية القرار الوزاري 306 لسنة 1993 بشأن التعليم الخاص، ولكن العكس ما يحدث، حيث تتولى الوزارة الإعلان عن استمارات الالتحاق، وهي التي ستنظر في اختيار الملتحقين، وهي التي ستحصل المصروفات. وأوضح أن أي نظام تعليمي مستورد لن ينجح طالما الأساس غير معد جيدًا، ونحتاج قبل تطبيق التجربة اليابانية أن نوفر مناخًا تعليميًّا صحيًّا يضم معلمًا كفئًا قويًّا قادرًا على توصيل المعلومة للطلاب، ومناهج تعليمية متطورة وأنشطة تكسب الطلاب مهارات فعالة منذ السنة الأولى ومناخًا مدرسيًّا كاملاً صالحًا للتعليم. وتساءل: ماذا تفعل 8 مدارس لعدد طلاب قبل التعليم الجامعي يصل ل20 مليون؟ وهل تستوعب 8 مدارس الأعداد المتقدمة للالتحاق بها والتي بلغت 29 ألف طلب عبر الموقع الإلكتروني؟! مدارس يابانية بتوقيت القاهرة عن مميزات المدارس اليابانية يقول طارق نور الدين، الخبير التربوي ومعاون وزير التربية والتعليم سابقًا ل"البديل": "لا شيء، هي مدارس يابانية بتوقيت القاهرة، لا تدرس المناهج ولا حتى اللغة اليابانية التي أعلنت عنها الوزارة، وكل ما هو جديد أنشطة التوكاستو، التي تتعلق بمهارات الطلاب وتدريبهم على الاعتماد على النفس وغيرها، ولكن سوف تدرس هذه المدارس نفس مناهج المدارس التجريبية. أما عن إمكانيات المعلمين المطلوبة للتدريس بالمدارس اليابانية يكشف نور الدين مفاجأة أن الوزارة أرسلت للتدريب باليابان 40 فردًا، نصفهم يعملون في ديوان الوزارة!! وتم اختيار الأغلبية بطريقة مركزية من العاصمة، ومن ثم لن يؤدي الرقم الضعيف للمتدربين لتقديم كفاءة وجودة في التدريس بهذه المدارس، وحتى لم يتم اختيار معلمين من الأقاليم البعيدة التي قررت الوزارة إنشاء مدارس يابانية بها، مثل قنا وبورسيعد والإسماعيلية، وبالتالي سوف يدرس بهذه المدارس معلمون غير مدربين بالقدر الكافي. تطوير التعليم المصري أولى من إهدار الملايين يرى أيمن البيلي، الخبير التربوي والأمين العام لنقابة المعلمين المستقلة، في تصريحات خاصة ل"البديل"، أنه بدلاً من التورط في تجارب غير كاملة من بيئات مختلفة وبموارد مالية ضخمة، علينا تصويب النظام التعليمي المصري، لأن النظام التعليمي الياباني تم بناؤه على مستهدفات ومعايير السوق اليابانية والتوجه الاقتصادي لدولة تريد تعليمًا يؤهل أيدٍ عاملة لسوق الاستثمار، ولكن في مصر الوضع مختلف تمامًا. وأضاف "ما يحدث هو اقتطاع جزء من التجربة ومحاولة تطبيقه عبر مشروع استثماري حكومي، تديره وزارة التربية والتعليم، لا يخدم إلا قلة محدودة، بينما الأغلبية العظمى ملتحقة بالتعليم الحكومي، وتعاني من مشكلات جمة، وهو ما يعكس تخبط هذه السياسات وعدم وجود أهداف واضحة وحقيقية للتعليم المصري، ولكن نحن أمام دولة تقوم بالترقيع التعليمي، في ظل غياب خطة استراتيجية محددة ومنهج علمي ورؤية واضحة المعالم وأهداف للدولة المصرية من منظومة التعليم. خطورة التجارب المستوردة على التعليم الحكومى تساءل البيلي "لماذا تتجه الوزارة في عهد الدكتور طارق شوقى والوزير السابق الهلالي الشربيبني إلى تجنيس التعليم المصري بجنسيات متعددة دون الاهتمام ببناء منظومة تعليم وطنية مصرية حقيقية مستقلة؟ وهو ما يشكل خطورة كبيرة على الأمن القومي المصري، حيث ادى الإهمال المتعمد للمدارس الحكومية إلى تحويلها لبؤرة خصبة لنمو الأفكار المتطرفة والسلوكيات المنحرفة داخل المجتمع. وأعرب البيلي أن الوزارة تتحجج بارتفاع تكلفة التعليم المصري في ظل أزمة الموارد المالية، لتلجأ إلى الخصخصة ومشاركة القطاع الخاص في الاستثمار، رغم أن هذا منهج لا تتبعه أعتى الدول الرأسمالية، حيث إن التعليم والصحة خط أحمر لديها، ويخضعان لرقابة وإشراف الدولة المباشرة، حفاظًا على الأمن القومي ومستقبل الدولة. جدير بالذكر أن نسبة الأمية بين التلاميذ في الصف الثاني إلى الخامس الابتدائي بلغت حوالي 2 مليون و300 ألف طالب، وفقًا لإحصائيات وزارة التربية والتعليم الرسمية لعام 2016. الأهالي: لا نفهم كيف يبدأ أبناؤنا بعد شهر كامل من ميعاد الدراسة تقول نهى سيد، مهندسة "تحمست لفكرة المدارس اليابانية منذ إعلان الرئيس السيسي عنها وسفره إلى اليابان، في ظل ضعف مستوى المدارس الحكومية وضعف إمكانياتي المادية كموظفة في أحد الأحياء عن دفع مصاريف مدارس دولية لابني الأول وعمره 4 سنوات". وتضيف "انتظرت الإعلان عن ميعاد التقديم شهرًا بعد آخر، حتى اقترب ميعاد العام الدراسي الجديد 23 سبتمبر الماضي، وكان لا بد من التقديم لابني بإحدى المدارس، واخترت التجريبي لغات بالعمرانية، فهي أفضل حالاً من الحكومية ومصاريفها متوسطة، ومع ذلك قدمت له مع فتح الوزارة لاستمارات المدارس اليابانية على الموقع، وحال قبوله سوف أضطر لسحب أوراقه من التجريبي، رغم دفع المصاريف، من أجل التجربة اليابانية. وتقاطعها هدى أحمد، ربة منزل: رغم تأخر الوزارة وتخبطها في الإعلان عن ميعاد عمل المدارس اليابانية وتقلص عدد المدارس إلى 8 فقط، أتمنى أن ينجح ابني في الاختبارات، ويتم قبول ورقه، من أجل دراسة جديدة ومتطورة. وتضيف "محمد ابني 5 سنوات، في كي جي بإحدى المدارس الخاصة، ولكن سأكون سعيدة لو التحق بمدرسة يابانية تحت إشراف الدولة، فالمدارس الخاصة لا تقدم خدمة تعليمية بقدر تسهيلها نجاح الطلاب؛ نظرًا لإنفاق الأهالي.