حوَّل الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، بلاده من بلد متقدم وواعد إلى معسكر مغلق، حيث يتبع استراتيجية تصنيف من يخالفه بالإرهابي، وهذه التهمة لا علاقة لها بأي عمل إرهابي حقيقي، وقد هدم الطقوس السياسية، ووصف الملايين بالمنبوذين بحجة مكافحة الإرهاب، ووصل اتهامه بالإرهاب إلى المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، والبنتاجون الأمريكي وحتى منظمة العفو الدولية. يركز أردوغان على حركتين ليلقي بتهمة الإرهاب عليهما، وهما حركة جولن وحزب العمال الكردستاني، رغم مطالبة كلتا المجموعتين بحقوق مدنية، وكان أردوغان حليفًا مع منظمة جولن في بداية عام 2000، وشكل جبهة موحدة مع الجماعات المؤيدة للإسلام لتحدي العلمانية. اعترض وزير الخارجية البريطاني، بوريس جونسون، على إلقاء تركيا القبض على رئيس ومدير منظمة العفو الدولية، إيديل إيسير، ووتانر كيليتش، في يوليو الماضي، حيث يرى أردوغان أن الدفاع عن حقوق الإنسان يعد أحد أشكال دعم الإرهاب. أخطرت تركياألمانيا أنها تريد إلقاء القبض على 4500 تركي في ألمانيا، إلا أن حكومة ميركل رفضت، مما أغضب أردوغان، كما أعلنت برلين أنها لن توقف احتجاجات الأكراد الأتراك ضد أردوغان على أراضيها، ما دفعه إلى انتقاد المسؤولين الألمان مرة أخرى هذا الأسبوع، متهمًا إياهم بالتحريض على الإرهاب. يقتنع العديد من البرلمانيين الألمان أن طموح التحاق تركيا بالاتحاد الأوروبي لن يتحقق، نتيجة استبداد أردوغان، وهم غير مرتاحين لوجود تركيا في حلف الناتو. ولتحالف البنتاجون مع الأكراد السوريين الذين يراهم أردوغان مرتبطين بحزب العمال الكردستاتي، اتهم مسؤولون أتراك نظراءهم الأمريكيين بدعم الإرهاب، مما يؤكد أن أنقرة لا تتصرف كونها حليفًا رئيسيًّا في حلف شمال الأطلسي، ولا ترى الجهود الأمريكية ضد تنظيم داعش في سوريا. يحاكم أردوغان جماعات حقوق الإنسان وداعميها من العلمانيين داخل تركيا، حيث وفقًا لصحيفة جمهوريت التركية، سجن الرئيس التركي 19 صحفيًّا بتهمة التحريض على الإرهاب، وذلك لانتقادهم مواقفه الخاصة بحقوق الإنسان، وقد برأتهم المحكمة باستثناء أربعة. ألقي القبض على أعضاء هيئة التدريس في جامعة بوغازيسي العلمانية، في إسطنبول، بتهمة التعاطف مع أنصار جولن. رأى أردوغان أن محاولة الانقلاب في 15 يوليو 2016 كانت مؤامرة خطط لها فتح الله جولن، زعيم حركة جولن، والذي يقطن في الولاياتالمتحدة منذ أواخر التسعينيات. يحاول أردوغان منذ بداية عام 2013 توجيه أصابع الاتهام إلى جولن بمحاولة تدميره سياسيًّا، من خلال تسريبه التسجيلات الصوتية الخاصة بنجله بلال واتهامه بقضايا فساد. يشكل الأكراد تحديًا سياسيًّا لأردوغان، خاصة بعد نتائج انتخابات عام 2015، وحصول الحزب الديمقراطي الشعبي الكردي على 13% من مقاعد البرلمان، حيث قام رؤساء الحزب بحملة حول التعددية الثقافية وحقوق المرأة والمثليين وحقوق الأقليات. يشكل الأكراد نحو 20% من سكان تركيا، وبعضهم من المحافظين المسلمين، ويصوتون لصالح أردوغان، والبعض الآخر يفضل اليسار، ولكن يبدو أن حزب الشعب الديمقراطي اجتذب أصوات الأكراد المحافظين، مما أدى إلى انخفاض عدد مقاعد حزب العدالة والتنمية الذي يرأسه أردوغان إلى 40%. صعود الحزب الكردي كان يمكن أن يحد من طموحات أردوغان في تغيير الدستور لصالحه، مما دفعه لشن حملة على الأكراد وقطع محادثات السلام مع حزب العمال الكردستاني، وبالفعل أعاد الانتخابات مرة أخرى؛ ليحصل على الأغلبية ويشكل حكومة بمفرده. رفع أردوغان قضايا على أعضاء البرلمان المؤيدين للأكراد، في مقابل تعزيز مقاعده وأغلبيته في البرلمان. وبعد الانقلاب الفاشل قام أردوغان بحملة اعتقالات على غرار مصر، وسجن نحو 50 ألف شخص، وفصل 150 ألف موظف حكومي بحجة ارتباطهم بحركة جولن، وأغلق الجامعات التي أسسها جولن. وصل أردوغان إلى السلطة من خلال الوسائل الديمقراطية، والآن لا يؤمن بها، فهو يفكر في حكومة ديكتاتورية تابعة له، فيجتذب مؤيديه من خلال الخطب الدينية، كما أن حكومته تتحرك لغلق الصحف والجامعات وترهيب البلاد وإدخالها في منطقة الصمت. أصبحت تركيا درسًا مهمًّا لأي شخص في المجتمعات الديمقراطية، فحين تسمع مسؤولاً يستخدم عبارة "الحرب على الإرهاب"، اعلم أنه خائف جدًّا. المقال من المصدر: اضغط هنا