حملت زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لبولندا الأربعاء الماضي، والتي انتهت أمس الخميس، العديد من الرسائل المتناقضة تجاه موسكو، فمن جهة دعا ترامب إلى التنسيق مع موسكو في كثير من القضايا، ومن جهة أخرى اتهمها بزعزعة الاستقرار، كما أن زيارته لبولندا تهدف إلى سحب بساط الغاز الروسي من أوروبا الشرقية. زيارة ترامب لبولندا من المنبر البولندي وما له من دلالات مريرة لموسكو إبان الحرب الباردة بين الولاياتالمتحدةالأمريكيةوروسيا، آثر ترامب توجيه خطابه المتناقض لروسيا مع خلال لقاء جمعه مع نظيره البولندي، أندجي دودا، حيث أكد ترامب أن واشنطن تريد حلاًّ سياسيًّا في سوريا، لا يسمح بزيادة الوجود الإيراني وتوسع الجماعات الإرهابية، فيما كشف وزير خارجيته، ريكس تيلرسون، عن استعداد واشنطن للعمل مع موسكو حول الأزمة السورية، بما يشمل إقامة مناطق حظر جوي. تصريحات ترامب حملت الكثير من الرسائل المتضاربة لروسيا، فالأرضية التي وجّه ترامب من خلالها شروطه للرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، وهي بولندا تحمل في طياتها خطوات تصعيدية لروسيا بعيدًا عن أجواء التنسيق التي يدّعيها ترامب، حيث تهدف الزيارة لسحب النفوذ الاقتصادي الروسي عبر ورقة الغاز في أوروبا الشرقية، ونقلاً عن مجلة بلومبرج الأمريكية، فإنه بعد أقل من شهر على حصول بولندا على أول شحنة من الغاز الطبيعى المسال من منشأة بولاية لويزيانا الأمريكية، تسعى وارسو لخطط طموحة من خلال صفقات دسمة لربط دول أوروبا الشرقية بحقول أمريكا بدلاً من الاعتماد على الغاز الروسي. وفي إبريل الماضي قام حلف شمال الأطلسي رسميًّا بنشر أولى كتائبه في بولندا، وقال الحلف إن نشر هذه القوات إثبات واضح لوحدة صف الحلف ورسالة إلى ""أي مُعتدٍ محتمل"، في إشارة لموسكو، حيث تعتبر بولندا والعديد من الدول الأخرى في شرق ووسط أوروبا حلف شمال الاطلسي واتفاقه المتبادل للدفاع المشترك رادعًا لروسيا وضمانة لاستقلال هذه الدول. من ناحية أخرى شكلت الدعوة الأمريكيةلموسكو لفصل تحالفها القائم مع إيران في الملف السوري كشرط لتحقيق التقارب مع موسكو رسالة متضاربة أيضًا، فإيران تكاد تكون الحليف الإقليمي الوحيد لروسيا في منطقة الشرق الأوسط، في الوقت الذي تستقطب فيه واشنطن معظم دول الشرق الأوسط لصفها، سواء كانت عربية كمصر أو خليجية كالسعودية، أو إسلامية كتركيا. كما أن إيران عنصر فعال في محاربة إرهاب داعش والنصرة في سوريا، وإضعاف إيران يعني زيادة هذه الجماعات الإرهابية في العراقوسوريا، وإذا كانت قوة روسيا في سوريا نابعة من مقاتلاتها الحربية، فإن قوتها من خلال الجيش العربي السوري وإيران عبر مقاتليها والأحزاب الرديفة لها كحزب الله في سوريا والحشد الشعبي في العراق، الذي بدأ يلعب دورًا محوريًّا في الملف السوري، بعد تحرير العديد من المناطق الحدودية بين العراقوسوريا. وبالتالي فإذا وافقت روسيا على فك ارتباطها بطهران للتنسيق مع واشنطن، فهذا يعني بالضرورة تجريد موسكو من أهم أوراق قوتها في التعاطي مع واشنطن، وإجلاسها على طاولة المفاوضات السياسية، والتي بدأت تفوح منها روائح تقسيم النفوذ في سوريا، كنمر من دون مخالب، خاصة أن روسيا تدرك جيدًا أن إيران عندما كانت حليفة لأمريكا أيام الشاه كانت خنجرًا في ظهر روسيا، وبالتالي موسكو غير قادرة على التفريط في علاقاتها مع طهران، وهي التي تشكل عمقًا قوميًّا لها لا يقل أهمية عن سوريا. وبالنسبة للجزء المتعلق بالرغبة الأمريكية في إقامة مناطق عازلة في سوريا بالتنسيق مع موسكو، فقد بدا الأمر وكأن واشنطن تحاول اتباع سياسية الأمر الواقع مع روسيا، حيث نفى وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، علمه بأي مقترحات أمريكية بشأن مناطق لحظر طيران في سوريا، وأضاف لافروف، خلال تصريحات له أمس، أن موسكو طالبت واشنطن بتقديم معلومات بشأن مقترح مناطق الحظر الجوي في سوريا. وحتى تصريحات ترامب التي أبدى من خلالها رغبته في التنسيق مع موسكو في إيجاد حلول سياسية على حساب العسكرية في سوريا، أتبعها بتعليقات تزيد من حالة التنافر بين موسكووواشنطن، حيث انتقد ترامب بعد اجتماعه مع زعماء دول بوسط أوروبا والبلطيق والبلقان، دعت إليه بولندا وكرواتيا في العاصمة البولندية وارسو، سلوك روسيا "المزعزع للاستقرار"، وكانت روسيا قد نفت أمس اتهامات الرئيس الأمريكي لها بأنها تسعى لزعزعة الاستقرار، حيث قال دميتري بيسكوف، المتحدث باسم الكرملين، في معرض نفي هذه المزاعم في موسكو: «لا نتفق مع هذه الرؤية». وتأتي الاتهامات الأمريكيةلموسكو عشية لقاء مقرر مع الرئيس الأمريكي ونظيره الروسي على هامش قمة مجموعة العشرين في ألمانيا.