تظاهرات ومفاوضات سياسية وتحقيقات تجري في البرازيل على خلفية اتهام الرئيس "ميشال تامر" بالفساد والتحريض على تلقى رشاوى، الأمر الذي يجعل المستقبل السياسي للرئيس البرازيلي من أصل لبناني على المحك، كما أعاد سيناريوهات إقالة الرؤساء البرازيليين السابقين على خلفية اتهامات بالفساد أيضًا وتلقي الرشاوى. وسط أزمة سياسية تضرب البلاد وتهدد مصير الرئيس البرازيلي، ميشال تامر، تتزايد الدعوات لتقديم استقالته، فمنذ الخميس الماضي، تخرج تظاهرات بشكل شبة يومي تطالب بعزل "تامر" في العاصمة "برازيليا" و"ريو دي جانيرو"، ودعت أحزاب اليسار والنقابات ومنظمات المجتمع المدني، اليوم الأحد، إلى تظاهرات في جميع أنحاء البلاد بهدف واحد هو الدعوة إلى إقالة تامر. السياسيون أيضًا وخاصة اليساريين قادوا دعوات إقالة الرئيس البرازيلي المحسوب على اليمين الوسط ومحاكمته، حيث دعا الرئيس السابق للمحكمة العليا، يواكيم باربوسا، إلى إقالة تامر، وقال في تغريدة على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر": ليس هناك مخرج آخر، على البرازيليين أن يتحركوا وأن ينزلوا إلى الشوارع لفرض مطلب استقالة ميشال تامر الفورية، فيما تقدم النائب عن حزب "ريدي" المعارض إلى رئيس مجلس النواب، رودريغو مايي، بطلب إقالة تامر بسبب التسجيل الذي يفضح رئيس البلاد، حسب تعبيره. تأتي هذه الأزمة السياسية بعد اتهامات جديدة للرئيس البرازيلي بالفساد، إثر تسرب تسجيل سري مساء الأربعاء الماضي، بين "تامر" ورئيس شركة "جي اند اف" البرازيلية التي تسيطر خصوصًا على شركة اللحوم العملاقة "جي بي اس"، حيث اجتمع الرئيس البرازيلي مع رئيس الشركة "جوسلاي باتيستا"، وأظهر التسجيل الرئيس يعطي موافقته على دفع رشاوى لشراء صمت رئيس سابق لمجلس النواب، ادواردو كونها، الذي يقضي حاليًا عقوبة بالسجن بتهم فساد، حيث حُكم عليه في نهاية مارس الماضي، بالسجن 15 عامًا بتهمة الفساد، وقد نشرت التسجيل أولًا مؤسسة "جلوبو" الإعلامية الواسعة الانتشار، الأمر الذي استدعى فتح المحكمة العليا تحقيقًا رسميًا بالواقعة، خاصة بعد أن تم تقديم أكثر من ثمانية طلبات لمحاكمته. هذه الأزمة من المتوقع أن تزيد من تفاقم الأزمة الاقتصادية، حيث تأتي في الوقت الذي يعاني فيه اقتصاد البرازيل من ركود غير مسبوق، وقد ظهرت تأثيرات هذه الأزمة على الاقتصاد سريعًا، فقد هبطت أسهم سوق المال البرازيلية، عقب نشر خبر التحقيقات مع الرئيس البرازيلي، الخميس الماضي، الأمر الذي دفع إلى تعليق التداول في بورصة "ساو باولو". الاتهامات بالفساد وتلقى الرشاوى جعلت مصير بقاء "تامر" في منصبه معلقًا على دعم حلفائه في الكونجرس، لكن هناك ضغوطات كبيرة من قبل حلفاءه، حيث قال زعماء أكبر حزب متحالف مع "تامر" في الكونجرس، إنهم سيطالبون باستقالة ثلاثة من أعضاء الحزب يشغلون مناصب في مجلس وزراء الرئيس، إذا ثبت أن الاتهامات صحيحة، الأمر الذي دفعه إلى محاولة الدفاع عن نفسه للبقاء في السلطة بأي ثمن، حيث أكد المدعي العام، رودريغو جانوت، أن تامر وسياسيين نافذين آخرين حاول منعوا تقدم التحقيق عبر إجراءات تشريعية أو عبر الهيمنة على تعيين محققين. من جانبه حاول الرئيس البرازيلي الدفاع عن نفسه مرارًا منذ نشر التسريب، حيث خرج في أحاديث وتسجيلات صوتية مرتين خلال ثلاثة أيام، ففي المرة الأولى شدد "تامر" في حديث غاضب على التلفزيون البرازيلي: بأنه لن يستقيل، وأعرب عن ثقته بقدرته على إبقاء تحالفه متماسكًا ليمنع إجراءات المحاكمة، وأضاف: لم يطلب أحد مني الاستقالة، على العكس الجميع يطالبني بالمقاومة، وأنا سأقاوم، مضيفًا: "سوف أخرج من هذه الأزمة بأسرع مما يظن البعض"، وفي المرة الثانية طالب الرئيس البرازيلي، أمس السبت، المحكمة العليا بتعليق التحقيق في الاتهامات الموجهة إليه بعرقلة العدالة، مؤكدًا أن الدليل الرئيسي في هذه القضية ليس صحيحًا، وقال "تامر" إن التسجيل الصوتي الذي قيل إنه وافق فيه على دفع رشوة من أجل إسكات سياسي مسجون "ملفق". بعيدًا عن فضيحة الفساد التي تهدد مستقبل الرئيس البرازيلي، فإن هناك احتقان سياسي وشعبي من قبل ملايين البرازيليين من النظام برمته وذلك لعدة أسباب، أولها الإجراءات الحكومية والبرنامج الإصلاحي الذي يعتمد على التقشف، والذي يتضمن خطة لإصلاح نظام التقاعد، دون وجود أموال لتنفيذه، وثانيها وصول نسبة البطالة إلى 13.7%، كما أن اليسار البرازيلي ينظر إلى الرئيس "تامر" بإزدراء كونه كان مرافقًا للرئيسة السابقة، ديلما روسيف، التى تم إقالتها على خلفية تهم بالفساد أيضًا. التحقيقات والمظاهرات المشتعلة ضد الرئيس البرازيلي في الوقت الحالي، دفعت البعض إلى مقارنة الرئيس "تامر" بالرؤساء السابقين، حيث تدور البرازيل منذ أعوام في دائرة فساد مغلقة، فقد واجه الرئيس اليساري الأسبق، لويس ايناسيو لولا دا سيلفا، الذي اعتبره الكثيرون في أمريكا اللاتينية رمزًا سياسيًا، 5 محاكمات بتهم الفساد وتلقي رشوة تقدر ب 50 مليون دولار، لتلحق به الرئيسة السابقة "ديلما روسيف" التي أقالها مجلس النواب في 31 أغسطس الماضي على خلفية اتهامها بالفساد أيضًا، والتلاعب في حسابات الحكومة لإخفاء الحجم الحقيقي للأزمة المالية في البلاد، ليتم تعيين نائبها "ميشال تامر" ليدير البلاد حتى يناير عام 2019، وهو موعد إنتهاء فترة "روسيف" الرئاسية، وتتلطخ سمعته أيضًا ببعض شبهات الفساد، ناهيك عن أن ثلث أعضاء مجلس الشيوخ، وثلث وزراء حكومة "تامر" يخضعون للتحقيق.