عادت فضائح الفساد تطل برأسها من جديد على المشهد السياسى فى البرازيل بعد أشهر قليلة من عزل رئيسة البلاد السابقة ديلما روسيف. فما كاد الشارع البرازيلى يهدأ من تبعات زلزال روسيف حتى تفجرت فضيحة جديدة طالت هذه المرة الرئيس الحالى ميشيل تامر الذى يواجه اتهامات بالفساد وتلقى الرشاوى وعرقلة سير تحقيق واسع حول قضية فساد كبرى داخل أكبر شركة بترول حكومية فى البلاد يتورط فيها عدد كبير من رجال الدولة، مما تسبب فى موجة عنف دفعت الرئيس تامر إلى الاستعانة بالجيش لفرض النظام. وإذا كان ميشيل تامر هو أبرز المخططين للإطاحة بروسيف، فهو اليوم يواجه معركة غير متوقعة من حليف قديم هو رجل الأعمال جوسلى باتيستا رئيس أكبر شركة لحوم فى البرازيل الذى قدم للقضاء تسجيلا صوتيا لتامر يوافق فيه الأخير على دفع رشوة لرئيس مجلس النواب السابق لشراء صمته فى قضية الفساد المعروفة باسم «غسل السيارات» التى شملت العشرات من شخصيات النخبة السياسية. ولم يتوقف الأمر عند حد التسجيل الصوتى الذى سجله باتيستا للرئيس دون علمه، ولكن المديرين التنفيذيين لشركة اللحوم الكبرى التى يمتكلها باتيستا اعترفوا للقضاء - فى إطار اتفاق تفاوضى لتخفيف العقوبة - بأنهم دفعوا خلال السنوات الأخيرة 154 مليون دولار بشكل غير قانونى لسياسيين ومسئولين حكوميين مقابل الفوز بعقود والحصول على تسهيلات لقروض من البنوك المملوكة للدولة وتخفيف الضرائب وغيرها. وأضافت شركة اللحوم العملاقة أنها دفعت لتامر رشاوى تقدر ب4.6 مليون دولار، كما دفعت أيضا رشاوى 30 مليون دولار لرئيسة البلاد السابقة ديلما روسيف وللرئيس الأسبق لولا دا سيلفا الذى قالت الشركة إنه تسلم 50 مليون دولار فى حسابات بنكية خارج البلاد. وبجانب الرؤساء الثلاثة السابقين، ذكرت الشركة أن الرشاوى شملت أيضا نوابا فى الكونجرس ووزراء والعديد من المحافظين ورؤساء بلديات المدن الكبرى، وشملت وفقا لبعض التقارير الإعلامية اعترافات شركة اللحوم بتورط نحو ألف مسئول. ومن جهته، نفى الرئيس البرازيلى تورطه فى أى من قضايا الفساد واصفا التسجيل الصوتى له ب«المفبرك» ، وأكد أيضا رفضه الاستقاله ردا على المظاهرات الحاشدة التى انطلقت فى شوارع المدن الكبرى مطالبة بإستقالته وإعلان المدعى العام استجوابه للتحقيق فيما نسب إليه من اتهامات. وانتقد تامر رئيس شركة اللحوم جوسلى باتيستا ومديرى الشركة، قائلا إنهم يستهدفون الإطاحة به لأنهم غاضبون من خططه الحكومية للتقشف وللحد من الدعم الحكومى السخى للشركات الخاصة التى طالما دعمتها الحكومات السابقة بالقروض منخفضة التكاليف من البنوك الحكومية.. وأثرت كل تلك الاضطرابات بشكل سلبى على اقتصاد البرازيل، الأكبر فى أمريكا اللاتينية، فبعد ساعات من فضيحة التسجيل الصوتى انخفضت البورصة البرازيلية بنحو 10%، كما هددت وكالات التصنيف الائتمانى بتخفيض تصنيف البلاد بسبب الاضطرابات السياسية. الأزمة الحقيقية اليوم فى البرازيل هى أزمة ثقة بين الشعب والنخبة السياسية التى طالت أغلب أفرادها فضائح فساد مدوية. البعض يرجح أن يواجه تامر سيناريو عزل مشابها لإجراءات محاكمة وعزل روسيف، وإذا حدث ذلك فستدخل البرازيل دون شك مرحلة من الغموض السياسى وعدم الاستقرار حتى الانتخابات المبكرة العام المقبل ووسط كل ذلك لا يأمل البرازيليون بحق إلا أن يجدوا القائد والزعيم الذى يخلصهم من أكبر آفة ضربت واحدة من أكبر الاقتصادات الناشئة، وهى الفساد.