أصبح احتمال فوز مرشحة اليمين المتطرف، مارين لوبان، في انتخابات الرئاسة الفرنسية مخيفا للملايين من الأفارقة وأماكن أخرى من العالم، لكن التصويت لصالح منافسها مرشح الوسط، إيمانويل ماكرون، لا يعني سوى بقاء وضع فرنسا بسياستها الحالية، وسواء فازت لوبان أو خسرت في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية الفرنسية التي تجري اليوم، فإن هناك تأثرا واضحا سيعود على إفريقيا بسبب اضطرابات المشهد السياسي للبلاد. وقال موقع دويتش فيله، إن الجولة الثانية والنهائية للانتخابات الرئاسة الفرنسية، يتحمل الفائز فيها مهمة شاقة؛ تتمثل في مراجعة السياسة المتعلقة بإفريقيا، خاصة أن المستعمرات السابقة لا تزال تلعب دورا مهما في الحياة الوطنية الفرنسية، مؤكدا أن المرشحين يدركان تماماً الأهمية التي توليها بلدهما للقارة السمراء. وأضاف: في منتصف الحملة الانتخابية، زارت لوبان دولة تشاد في غرب إفريقيا، وذهب ماكرون إلى الجزائر، وكان نجم إطلاق النار في الحملة الانتخابية الفرنسية، عندما أعطى الانطباع مرارا وتكرارا أنه يريد تغيير سياسة فرنسا تجاه مستعمراتها السابقة، وخلال زيارته للجزائر في فبراير الماضي، قال إن الاستعمار جزء من التاريخ الفرنسي، واصفا إياه ب"جريمة ضد الإنسانية"، قائلا "يجب أن نواجه هذا الجزء من تاريخنا ونعتذر للذين كانوا في النهاية ضحايا"، وقوبلت تصريحاته بسخط في فرنسا، لكنه سرعان ما تراجع إلى التفسير التقليدي لسياسة فرنسا في إفريقيا. وتابع الموقع: طالما يؤكد الرئيس الفرنسي الحالي، فرانسوا هولاند، أن بلاده لا تتدخل في إفريقيا، ولا تسعى إلى تغيير قواعد السياسة الإفريقية أو إحداث تغيير في نظمها، على غير الحقيقة؛ فخلال عملية إنهاء الاستعمار المؤلمة، ركز الوجود الفرنسي إلى حد كبير، على استمرار سيطرته على مستعمراته السابقة، ولا يزال استخدام اللغة الفرنسية إلزامي في المستعمرات الإفريقية السابقة، وفي الستينيات والسبعينيات، لم تفقد فرنسا وجودها، برغم إنهاء الاستعمار، وظلت تحمي مصالحها الخاصة، ومازال يوجد عملتان في إفريقيا يشهدان على مدى التأثير والوجود الفرنسي، هما فرنك غرب إفريقيا، وفرنك إفريقيا الوسطى، ويحتفظ باحتياطي العملة في البنك المركزي الفرنسي، الذي تنتمي إليه ما مجموع 15 دولة إفريقية. واستطرد: من الروابط القوية بين فرنسا والدول الإفريقية ما ترعاها الشركات الفرنسية العملاقة، مثل شركة البناء بولوري، وعملاقة النفط توتال، ومجموعة الاتصالات أورانج، التي تحافظ على وجود كبير في المستعمرات السابقة، وذكر الموقع أن الخبير في العلاقات الفرنسية الإفريقية بالمجلس الألماني، ستيفان برون، يعتقد أن النفوذ الفرنسي في إفريقيا قد يتضاءل قليلاً، لكنه لا يزال مؤشراً إلى حد كبير على استمرارية الوجود، في ظل الصلات القوية بين باريس والمستعمرات السابقة. وأكد "دويتش فيله": تستورد الشركات الفرنسية السلع من بلدان غرب ووسط إفريقيا، مثل خام اليورانيوم من النيجر والجابون والكاكاو من ساحل العاج، ويتمركز حوالي 9 آلاف جندي فرنسي هناك، وتتمثل مهمتهم في محاربة الإرهابيين وتدريب القوات الإفريقية كما تزعم فرنسا، مضيفا: فيليب هوجون، المتخصص الفرنسي في إفريقيا، قال إن فرنسا أصبحت أقل انخراطا في التجارة والتمويل والاستثمار، لكنها تحتفظ بنفوذها على السياسة النقدية ووجودها العسكري، ومع ذلك، فإن الفرنسيين يواجهون منافسة متزايدة، من الصين التي أقامت علاقات وثيقة مع العديد من الدول الإفريقية وأيضاً الولاياتالمتحدة التي تظهر التزاماً أكبر بإفريقيا في السنوات الأخيرة. وأشار الموقع إلى أن فرنسا تنفق الكثير من الأموال للحفاظ على دورها باعتبارها لاعبا رئيسيا في إفريقيا، لكن التدخلات العسكرية ليست رخيصة، ولا المساعدات الإنمائية التي ترسلها فرنسا إلى إفريقيا، رغم وجود مشاكل اقتصادية محلية خاصة بها، ولذا يوجد صعوبة متزايدة في تمويل عملياتها الإفريقية، وثمة عامل آخر، أن الاتحاد الأوروبي البالغ عدد أعضائه 28 دولة، بما فيهم فرنسا، أصبح أكثر نشاطا في القارة السمراء. وأوضح "دويتش فيله": وعد العديد من الرؤساء والمرشحين الرئاسيين بإصلاح سياسة فرنسا بشأن إفريقيا، والانتقال من وضع الهيمنة إلى الشريك بين المتساويين، غير أن الوعود تغيرت من الناحية العملية، مضيفا أن السياسيين الأفارقة يحاولون تحجيم الدور الفرنسي وإقناع مواطنيهم بأن بلدانهم تحتاج إلى أن تكون أقل اعتمادا على فرنسا، ومن الأمثلة الحديثة على، رئيس غينيا، ألفا كوندي، الذي يتولى رئاسة الاتحاد الإفريقي، حينما قال: "نحن مازلنا مرتبطين ارتباطا وثيقاً بالقوة الاستعمارية السابقة، فدعونا نقطع الحبل السري"، لكن بعد أسبوعين من التصريح، زار باريس وشكر الرئيس هولاند على مجهوداته من أجل إفريقيا.