تستعد فرنسا لإجراء انتخابات رئاسية خلال الشهر المقبل،وبدأت ملامح هذه الانتخابات تتحدد وبدأت بعض الأسماء تلمع حيث ينتظر أن يكون أقلها شهرة خلال السنوات الماضية أوفرها حظا لرئاسة فرنسا , حيث لمع اسم المرشح الشاب إيمانويل ماكرون على غير المتوقع, والذى استطاع أن يتغلب على عدد من المرشحين المخضرمين بسبب أفكاره الجديدة وشجاعته السياسبة غير المسبوقة, ومؤخرا أظهر استطلاع للرأي أجراه معهد هاريس إنتراكتيف مفاجأة كبيرة بتقدم مرشح الوسط إيمانويل ماكرون على مرشحة اليمين المتطرف مارين لوبان، التي كان من المتوقع أن تحصد أعلى الأصوات،الأمر الذي يؤكد تغير وجهة نظر المرشحين وتجاههم لاختيار المرشح الشاب. وجمع مؤسس حركة إلى الأمام الوسطية 26% من الأصوات بزيادة ست نقاط خلال أسبوعين، مقابل 25% لرئيسة حزب الجبهة الوطنية التى تبقى شعبيتها مستقرة، وفق التحقيق الذى جرى لحساب هيئة التلفزيون الفرنسية. وأشار استطلاع الرأى إلى فوز ماكرون على لوبان فى الدورة الثانية بفارق كبير بحصوله على 65% من الأصوات مقابل 35% . ويعد هذا أول استطلاع للرأى يجريه معهد هاريس إنتراكتيف لهيئة التلفزيون الفرنسية منذ الإعلان عن تحالف بين ماكرون وزير الاقتصاد السابق فى حكومة الرئيس الاشتراكى فرنسوا هولاند، ورئيس حزب الحركة الديمقراطية الوسطى فرنسوا بايرو. وكان ماكرون قد أطل على الناخبين الفرنسيين في الآونة الأخيرة بخطب رنانة رافضة لكل الأفكار التي طرحها منافسوه لاسيما لوبان التي طالبت أكثر من مرة بالانسحاب من الاتحاد الأوروبي ،حيث قال في خطابه بمدينة ليل: "لا تقبلوا أبدا هؤلاء الذين يشجعون على الإقصاء أو الكراهية أو الانغلاق على أنفسهم، وعندما توعدكم الجبهة الوطنية باستعادة النقاط الأمنية على الحدود، فهى تكذب". وقالت صحيفة الجارديان البريطانية إن ماكرون، أصغر مرشحى الإنتخابات الرئاسية البالغ من العمر 39 عاما، لم يأبه بكونه فى عقر دار المؤيدين ل لوبان المتشككة فى فكرة أوروبا الموحدة، وأشاد بالاتحاد الأوروبى قائلا: أوروبا هى نحن ، وبروكسل هى نحن ،نحن بحاجة إلى أوروبا ،ليقف جمهوره ومعظمه من الشباب فى العشرينات من العمر رافعين أعلام الاتحاد الأوروبى وهاتفين باسمه وأضافت الصحيفة أن ماكرون أصبح ظاهرة فى حملة الانتخابات الفرنسية التى يصعب التنبؤ بها، ففى الشهور الأخيرة، صعد وزير الاقتصاد السابق بثبات فى استطلاعات الرأى، وبات قادرا على إحداث مفاجأة كبرى فى النتيجة النهائية، حتى أنه قد يتمكن من الوصول إلى الجولة النهائية عبر هزيمة أحد أبرز المنافسين على الإليزيه في انتخابات أبريل المقبل ،وهما فرانسوا فيون، مرشح اليمين المحافظ الإصلاحى المنادى بالسوق الحرة، ومارين لوبان، مرشحة اليمين المتطرف المناهضة للهجرة وللاتحاد الأوروبي. وأوضحت الجارديان أن ماكرون اشترك فى السباق الرئاسى ليكشف أوجه قصور الطبقة السياسية الفارغة ، فهو لا ينتمى إلى أى حزب سياسى، ولم يسبق له أن خاض أى نوع من الانتخابات، ويعرف نفسه بأنه لا ينتمى إلى اليسار أو اليمين، حتى أن الفرنسيين لم يكونوا يعرفون هويته السياسية. ولكن كل هذا تغير الآن، بحسب الجارديان، لاسيما مع تزايد أعداد المؤيدين له وارتفاع شعبيته وتقدمه فى استطلاعات الرأى التى تعكس أنه أصبح السياسى الفرنسى الأكثر شعبية الآن، فالمبتدئ السياسى الذى تعهد بإحداث ثورة فى طريقة حكم فرنسا، استطاع أن يثير قلق كلا من المتنافسين الرئيسيين. واعتبرت الصحيفة أن حضور 4500 شخص لمشاهدة ماكرون فى ليل،وهي المدينة الاشتراكية تاريخيا يترجم هذه الشعبية، لاسيما وإنهم كانوا من جميع الأعمار والفئات. وأضافت الجارديان أن نهج ماكرون الاقتصادى ليبرالى وإصلاحى، لكنه يسارى من الناحية الاجتماعية، خاصة فيما يتعلق بحرية ممارسة الأديان، والمساواة والهجرة ووفقا للصحيفة تلقى "حركة إلى الأمام" اهتماما كبيرا نظرا لشعور الفرنسيين بخيبة أمل تجاه الأحزاب الأخرى؛ فالاشتراكيون مبعثرون ومن المتوقع ألا يحققوا مكاسب بغض النظر عن مرشحهم، فى الوقت الذى لا تزال فيه حملة فرانسوا فيون، مرشح اليمين تكافح حتى تنطلق. وبذكاء واضح استطاع ماكرون أن يلمس احتياجات مواطنيه وأطلق العنان لوعوده الانتخابية،حيث قالت قناة فرانس 24 إنه تعهد خلال كلمته أمام حشد كبير من انصاره فى باريس، إن ولايته إذا فاز بالرئاسة لن يكون فيها منبوذين ومهمشين فى مختلف البقاع الفرنسية. ونقلت القناة عن المرشح الشاب تأكيده على اهتمامه الشديد بضرورة تحسين القدرة الشرائية للمواطنين، وقال ماكرون إنه يدافع عن مشروع متناغم ،يقوم على رؤية شاملة كما تعهد بتوظيف عشرة آلاف شرطى ودركى فى وقت شهدت فيه فرنسا فى العامين الأخيرين اعتداءات غير مسبوقة، وأكد أيضا أنه لن يكون هناك مساس بمجالات الأمن والدفاع، وأن العمل على حفظ الاستقرار فى أوروبا أمرا بديهيا. وعلى عكس لوبان مرشحة اليمين المتطرف التي كثيرا ما هاجمت الإسلام ،نفى ماكرون وجود أي علاقة بين الإرهاب والإسلام، مشددا على ضرورة محاربة التطرف الجهادي. وأوضح مرشح الوسط، في مؤتمر انتخابي عقده بمدينة طولون جنوبي فرنسا، أن سياسته الخارجية ستتحدد وفقا لهدف المحاربة الشاملة للإرهاب الجهادي, وشدد على ضرورة منح وكالة فرونتكس المختصة بمراقبة حدود دول الاتحاد الأوروبي وشرطة الحدود المزيد من الإمكانات. وأشار إلى الحاجة الضرورية لتعزيز التعاون بين أجهزة الاستخبارات الأوروبية وتبني سياسة مشتركة لإدارة الهجرة وحق اللجوء، محذرا من الدعوات لإغلاق الحدود الوطنية التي يطلقها البعض، في إشارة إلى حزب اليمين المتطرف الذي تتزعمه مارين لوبان. ودعا ماكرون إلى تأسيس قوة مركزية للاستخبارات لجمع كل البيانات التي تحتاجها أجهزة الأمن لمكافحة الإرهاب، وأكد الحاجة لاستحداث قوة شرطة قريبة من المواطنين في الأحياء الحساسة لردع الانحرافات السلوكية من قبل بعض العصابات التي تفرض قوانينها الخاصة في تلك المناطق ما يجعل المواطنين يعيشون في خوف لا سيما من النساء اللاتي يخشين استخدام وسائل النقل العام أو الجلوس في شرفات بعض المقاهي. وفي سابقة لم تحدث من قبل وصف إيمانويل ماكرون استعمار بلاده للجزائر ب الجريمة ضد الإنسانية، الأمر الذي أثار جدلا وانتقادا واسعا في باريس ،حيث استنكر مسئولون يمينيون ومتطرفون فرنسيون تصريحات المرشح الرئاسي حول استعمار فرنسا للجزائر علما أن باريس ترفض حتى الآن الاعتراف رسميا بجرائمها في الجزائر. وكغيره من المرشحين الفرنسيين اهتم ماكرون بزيارة الدول لشرح وجهة نظره حيال القضايا المختلفة ،حيث دعا خلال زيارته للبنان إلى وجود سياسة متوازنة حيال النظام والفصائل المعارضة فى سوريا، الأمر الذي يعد تباينا عن السياسة المؤيدة للمعارضة التى تتبعها باريس منذ بداية النزاع, كما دعا إلى إجراء محادثات مع جميع الأطراف فى النزاع السورى الذى أسفر عن مقتل أكثر من 310 آلاف شخص منذ عام 2011. ويبدو أن ماكرون يلقى قبولا من قبل زعماء أوروبا ،حيث قال متحدث باسم الحكومة الألمانية إن المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل مستعدة للإجتماع مع المرشح المستقل في انتخابات الرئاسة الفرنسية إيمانويل ماكرون وإنهما بصدد تحديد موعد خلال الشهر الجاري. ولم يجتمع ماكرون الذي يتصدر سباق الإنتخابات مع ميركل عندما زار برلين في يناير الماضي لكن رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي استقبلته في لندن. ويرى متابعون أن آراء ماكرون المغايرة وتحرره من قيود الشخصية السياسية التقليدية، ليس غريبا عليه فمنذ فترة مبكرة من حياته اختار لنفسه قرارات غير تقليدية، عندما تزوج مدرسته الفرنسية التي تكبره بعشرين عاما، بعد أن أغرم بها وهو في سن السادسة عشر، ولاتزال رفيقته في العمر إلى اليوم، وهي المرأة التي كانت وراء تألقه في حياته المهنية والسياسية. ويملك إيمانويل ماكرون، البالغ من العمر 39 سنة، سجلا حافلا بالشهادات الأكاديمية، بدأه بمعهد هنري ،ثم التحق بمدرسة العلوم السياسية بباريس ذائعة الصيت سنة 2001، وأتبعها بالمدرسة العليا للإدارة بمدينة ستراسبورج ، بالإضافة إلى مروره بمؤسسات تربوية عريقة أخرى. وبالموازاة مع ذلك، تقلد ماكرون عدة وظائف عليا، فعمل مفتشا عاما للمالية لمدة ثلاث سنوات، ثم انتقل بعد ذلك ليعمل في لجنة مهمتها إيجاد سياسة مالية تدعم الاقتصاد الفرنسي تحت رئاسة جاك أتالي، مستشار الرئيس الاشتراكي الراحل فرانسوا ميتران، ليغادر وظائف إدارات الدولة سنة 2008، ويلتحق بمصرف روتشيلد، حيث اكتشف خبايا المال والأعمال، وتراكمت لديه خبرة في تسيير البنوك، وبعدها عاد في 2012 للعمل مع الرئيس هولاند مستشارا اقتصاديا، ليعينه الأخير وزيرا للاقتصاد سنة 2014 لكن مع بداية 2016، قدم إيمانويل ماكرون استقالته من العمل في الحكومة، وأسس حركة إلى الأمام ،التي استقطبت الآلاف من الشباب الفرنسي، ثم أعلن بعد ذلك ماكرون ترشحه للانتخابات الرئاسية الفرنسية، مرشحا مستقلا، بعد أن رفض الترشح تحت مظلة الحزب الاشتراكي. ويلقبه متابعون ب بروتوس حيث يرون أنه خان فرانسوا هولاند الذي سانده وعرفه على عالم السياسة والاقتصاد في فرنسا ، ورغم ذلك قرر أن يستقيل من حكومته لينافسه في الانتخابات ارضاء لطموحه. يذكر أن إيمانويل ماكرون ولد في 21 ديسمبر 1977 في أميان،و هو سياسي وموظف سامي ومصرفي استثماري سابق.