طرحت الزيارة التي خاضها الملك المغربي محمد السادس لفرنسا في الأيام الأخيرة الكثير من الأسئلة حول ماهيتها، بعيدًا عما تم الإعلان عنه من الجهات الرسمية، خاصة وأن الملك كان في عطلة بولاية مياميالأمريكية قبل أن يقرر إجراء لقاء مع الرئيس الفرنسي فرانسو هولاند، المنتهية ولايته منتصف مايو وسط أجواء الانتخابات الرئاسية الفرنسية. وكان محمد السادس أول رئيس دولة استقبله هولاند في مايو 2012 بعد انتخابه، ويمكن أن يكون الأخير قبل انتهاء ولايته، وبعد لقاء ثنائي تقاسم الرئيس الفرنسي وملك المغرب الغداء، كما شارك أيضًا وزيرا الخارجية الفرنسي جان مارك إيرولت والمغربي ناصر بوريطة، ووزيرتا الثقافة والبيئة في فرنسا أودري أزولاي وسيغولين روايال، ورئيس معهد العالم العربي جاك لانج ورئيس المؤسسة الوطنية للمتاحف المغربية المهدي القطبي. وتأتي الزيارة بعد خمس سنوات من العلاقات التي شهدت في بعض الأحيان توترات، كان أهمها انسحاب وزير الخارجية المغربي صلاح الدين مزوار من مسيرة بعد الحادث الإرهابي الذي ضرب مجلة شارل إيبدو العام قبل الماضي. وأشارت مصادر الإليزيه إلى أن هولاند ومحمد السادس ناقشا أمورًا، منها مكافحة الجهاديين والاحتباس الحراري، كما تضمن جدول أعمال الاجتماع عودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي في وقت سابق من هذا العام، واستعداده للانضمام إلى المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا، في إطار حملة دبلوماسية واسعة في القارة السمراء تميزت بزيارة محمد السادس للعديد من بلدان القارة وتوقيع اتفاقات عديدة. وبعيدًا عما تم إعلانه رسميًّا يرى الخبراء أن الزيارة مرتبطة بشكل أو بآخر بالانتخابات الرئاسية الفرنسية، في وقت يلتهب فيه الاستحقاق الانتخابي بين مرشحة اليمين المتطرف مارلين لوبان والمستقل إيمانيول ماكرون، خاصة وأن الجالية المغربية التي لها حق التصويت عددها كبير ولها تأثير في الانتخابات. وعلى عكس لوبان لدى ماكرون علاقات قوية بالإدارة المغربية، فبالإضافة إلى أن مستشار حملته الانتخابية من أصول مغربية، قام مرشح الوسط مؤخرًا بإحياء ذكرى المغربي الذي قتله محسوبون على اليمين المتطرف، في إشارة إلى ضرورة مواجهة التطرف، وحشد أفراد الجالية المغربية الذين يحملون الجنسية الفرنسية للتصويت لإيمانويل ماكرون، الذي أشار إلى أن المغرب ستكون أول وجهة له بمجرد أن يصبح رئيسًا للجمهورية الفرنسية، مؤكدًا أنه يعول كثيرًا على العلاقات الاقتصادية المتينة التي تجمع فرنسا ببلدان المغرب العربي على المستوى الاقتصادي. وأظهرت النتائج النهائية للجولة الأولى للانتخابات الرئاسية الفرنسية تأهل المستقل "إيمانويل ماكرون"، ومرشحة "أقصى اليمين" مارين لوبان للجولة الثانية، وبلغت نسبة المشاركة في الانتخابات وفق وزارة الداخلية 78%، وحصل أصغر مرشح لسباق الرئاسة "ماكرون" على 23.75%، بينما حصلت "لوبان" على 21.53%، والمرشح المحافظ فرانسوا فيون 19.91%، في حين حصل المرشح اليساري جان لوك ميلانشون على 19.64%. ونقل موقع فبراير دوت كوم المغربي عن عبد الرحيم العلام الباحث في علم السياسة أن اللقاء الذي جمع الملك المغربي وهولاند جاء من أجل التعبير عن شكر خاص لموقف فرنسا؛ بسبب دعمها للمغرب في ملف الكركرات، بعدما دافعت على الخيار المغربي بشكل متحمس هي وأمريكا، في الوقت الذي كان المغرب يعتقد أن روسيا هي من ستتخذ موقفًا لصالحها، خاصة بعدما توجه الملك نحو روسيا، واتجه لتشجيع العلاقات التجارية معها ردًّا على بعض تقارير الولاياتالمتحدةالأمريكية، لكن كان موقف فرنسا الأكثر تحمسًا للدفاع عن الخيار المغربي. وأوضح العلام أن المغرب معروف بأنه لا يتخلى عن الرؤساء السابقين لفرنسا، وأعطى المثال بجاك شيراك الذي أهديت له «فيرما» في تارودانت في الوقت الذي كان يحاكم ببلده، ثم ساركوزي الذي يعتبر ضيفًا دائمًا على المغرب، ويتواجد باستمرار بفندق المامونية؛ باعتباره صديقًا للنظام السياسي المغربي، مؤكدًا أن «سياسة المغرب معروفة باحتضان الرؤساء السابقين لفرنسا، وفيها إشارة للرؤساء القادمين، ليفكر كل رئيس ألف تفكير قبل أن تكون له مواقف سلبية تجاه المغرب».