ربما لا يعرف الكثيرون أن المصريين القدماء أول من نادوا بالمساواة بين الناس وإلغاء العبودية، قبل أكثر من 1450 عاما من دعوة سبارتاكوس، قائد ثورة العبيد في الإمبراطورية الرومانية عام 73ق.م، وقبل أكثر من 30 قرنا من صدور قانون إلغاء الرق في الولاياتالمتحدة على يد الرئيس إبراهام لينكولن. وكان صاحب أول نداء بإلغاء العبودية هو الملك المصري أمنحتب الأول، فقد نادى في بداية حكمه بعدم الاسترقاق وسخرة البشر، وأعلن في السنة الأولى له عام 1525 ق.م، فيما يشبه عهدا كونيا، أو إعلانا عالميا أول لإلغاء الرق: "لن يباع الإنسان ويشترى كالحيوانات كما كان الهمج يفعلون.." في إشارة منه إلى الهكسوس. لم تكن مصر قبل غزو الهكسوس تعرف تلك الظاهرة البغيضة، ولذلك عندما استتب الأمن في البلاد بعد طردهم عاد الأمر كما كان عليه بقرار الملك أمنحتب الأول، ومن الملاحظ أن أمنحتب لم يختص بهذا القانون المصريين فقط، بل تحدث عن الإنسان بشكل عام، وهو ما جعل تلك الخطون مثلا للرقي والتحضر. أمنحتب لم يناد بعدم الرق فقط، لأنه لو فعل ذلك فربما فضل بعض من لا يستطيعون الكسب الرق على الحرية، لكن الملك وضع معايير عادلة للأجور، وجعل الحد الأدنى لها متناسبا مع مستوى معيشة لائق. لم يكن غريبا إذن، أن تجتمع على حب أمنحتب وتقديسه كافة طوائف وفئات الشعب، وفي المعبد الصغير الكائن بالركن الشمالي من جبانة طيبة الغربية، توجد صورة للخصمين اللدودين "حورس" و"ست" وهما يقدمان له القرابين رمزا لأبديته المطلقة، وفي هذا دليل قاطع على اجتماع كل الطوائف والفئات على حب أمنحتب. أمنحتب الأول، هو ابن أحمس الأول، طارد الهكسوس، وجدته "أعح حتب" التي حكمت مصر أثناء انشغال زوجها ثم ولديها في حرب الهكسوس، وقد كانت عونا له لفترة طويلة من حكمه، وهو الملك الثاني للأسرة ال18، وتولى الحكم في سن صغيرة بوصاية أمه "أحمس نفرتاري" وعندما أصبح مؤهلا للحكم تولى العرش، وحكم ما يقرب من 20 عاما. وصلت السيادة المصرية في عهده إلى "تمبو" عند حدود إثيوبيا الحالية، "وتيامو" في الشمال الإفريقي وهي الجزائر حاليا، ومن ناحية الشمال الشرقي وصل إلى نهر الفرات.