بداية، كذب من قال أن أي رئيس لمصر، هو فرعون، هذه أكذوبة من الإسرائيليات، ساندها كسل وربما جهل بعض المفسرين، الصحيح أن "فرعون" هذا كان اسمًا لواحد من ملوك الهكسوس أثناء وجودهم الاستيطاني في مصر، ولم يتكرر استخدام ذلك الاسم بين ملوك الأسر المصرية القديمة، بل تم التعسف في ترجمة كلمة "بر-عا" أي الباب العالي، ليُظن أنها الأصل لكلمة "فرعون"، رغم أنها – تلك ال "بر-عا" – لم تَرد ضمن ألقاب ملوك مصر، بعددهم الذي يقدر بالمئات، سوى مرة أو مرتين اثنتين لواحد أو اثنين من ملوك ما بعد الأسرة الثامنة عشر. دائمًا يقودنا الحنين إلى مصر العظيمة، مصر الأم، فإذا كان فيلسوفها "تحوت" هو مثلث العظمة، أي الذي جمع بين (الحكمة والنبوة والملك)، فقد جمعت الأمة المصرية كذلك مثلث العظمة بين الأمم: فهي الكنانة (حافظة الحضارة)، تا-مري (أرض الحب)، المحروسة (دولة الأحرار). نريد لمصر ما بعد "ثورة اللوتس" أن تكون امتدادًا لتاريخ مجدها الأول، عظيمة الإسهام في مشوار الحضارة، عميقة التأثيروالإضافة، كما كانت وستظل دائمًا برعاية المولى ووعي محبيها. فإذا كنا نختار لمصر رئيسًا، فإنني لا أقول أننا نريده –فقط- مخلصًا لوطنه كأردوغان تركيا، ومحبوبًا ك أوباما أمريكا، ورمزًا ك مانديلا جنوب أفريقيا، إن أحلامنا أكبر، وطموحاتنا أن يكون لدينا رئيس يشمل كل ذلك وأكثر، نريد أن يكون رئيسنا كأمنحوتب الأول. ولمن لا يعرف فإن أمنحوتب الأول هو ابن القائد الملك أحمس الأول قاهر الهكسوس، وكان من صفات وإنجازات "أمنحوتب" الآتي: (1) الأهلية والكفاءة: تأهل "أمنحوتب الأول" لقيادة بلاده، بخبرة جهاد والده "أحمس"، ورعاية من جدته "أعح حوتب" التي قادت البلاد للتحرير أثناء نضال والدها ثم زوجها "سقنن رع" ثم ولديها "كامس" و"أحمس"، وكذلك عناية والدته "أحمس نفرتاري" التي تولت مسئولية الجبهة الداخلية أثناء انشغاله بإعادة هيبة مصر في محيطها. (2) محرر العبيد: أعلن "أمنحوتب" في السنة الأولى من حكمه عام 1525 ق.م، فيما يشبه عهدًا كونيًا، أو إعلانًا عالميًا أول بتحرير العبيد، ومنع الرق، قائلًا: "لن يباع الإنسان ويُشترى كالحيوانات كما كان الهمج يفعلون". حيث لم تعرف مصر في تاريخها القديم تلك العادة الذميمة، التي جلبها للبلاد أولئك المستوطنين الهمج (الهكسوس)، وبمجرد أن استتب الأمن في البلاد بعد تحريرها وعودة هيبتها، أصدر أمنحتب أوامره بتجريم الرق، ويُلاحظ في صيغة القرار أنه تكلم عن إلغاء عبودية الإنسان، أيَّ إنسان!. (3) تحقيق العدالة الإجتماعية: فقد حرص "أمنحوتب" على وضع معايير عادلة للأجور، وأن لا تقل عن ما يكفي العيش اللائق للعامل وأسرته، وكان عطوفًا يشرف بنفسه على أحوال البسطاء، ولربما لهذا السبب، تم تقديسه (كالأولياء والقديسين) خلال عصور طويلة. (4) عدم الخلط بين أمور الدنيا وأمور الآخرة: حيث قام بفصل المعبد عن المقبرة، ليس فقط لحفظها من السرقة، كما خمن البعض، إنما بعبارة صريحة لمنع الخلط بين ما يفعله الإنسان خلال الحياة الدنيا من خلال المعبد، وبين (المقبرة) بيت الدوام والبقاء، المخصص للعبور إلى "بر-م-هرو" الخروج للنهار، أي الآخرة. (5) القبول والحُب: اجتمع على حبه وتقديسه كافة طوائف وفئات الشعب، فقد سُجِّلت معظم صفاته في برديات ونقوش كتبها كبار قادة ومفكري ذلك الزمان، كما نرى صورة الخصمين اللدودين "حورس" و"ست" وهما يقدمان له قرابين رمز أبدية السنين في المعبد الصغير الكائن بالركن الشمالي من جبانة طيبة الغربية، كدليل على حيازته للإجماع. (6) احترام الشعب: مثل "أمنحوتب" نموذج القائد القوي، وفي نفس الوقت هو بسيط جدًا، لا يحب الزهو بأعماله، كما فعل غيره، حيث عرفنا أكثر إنجازاته مما كتبه الآخرون عنه. (7) عدم الانفراد بالسلطة: قدم "أمنحوتب" نموذجًا متقدمًا لنظام الإدارة اللامركزية، حيث ابتعد عن الشمولية والاستبداد بالحكم، مع بقائه رمزًا للجماعة الوطنية، فوسع من صلاحيات أعوانه، وأعطى مساحات مناسبة للقادة والمساعدين، مما أظهر الطاقات والإبداعات الشخصية لكل منهم، ودليل ذلك وجود عشرات القادة والكتاب المفكرين البارزين في عصره، مع وضوح وظيفة واختصاصات كل منهم بشكل لا لبس فيه أو غموض، عرفنا الكثيرين منهم مثل: "كا-رس" المشرف على بيتي الذهب وبيتي الفضة، و"حور-مِني" حاكم "نخن"، و"رني-سبك-حتب" الكاتب والمشرف على الكهنة، و"عا-تف-نفر" حاكم الواحة، و"أمنمحات" كاتب المائدة، و"إنّني" المشرف على الصناعة، وغيرهم. (8) اتساع الأفق والطموح: رأى "أمنحوتب" أن الأمن القومي المصري يقضي بتأمين محيط مصر من كافة الجهات الأربعة، عسكريًا واقتصاديًا، فأسس ما يمكن اعتباره أول اتحاد سياسي اقتصادي يجمع بين دول النيل والشمال الأفريقي والشام في دولة واحدة، عززها ووسعها حفيده الملك العظيم "تحتمس الثالث". لا نُريد رئيسًا يعبث بقدر الملايين، فيضاعف آلام البسطاء، أو يفرط في أي جزء من التراب الوطني، أو يشجع على تقسيمه، أو ينتقص من كرامة المصريين، تؤدي رعونته للنكسة أو الفساد. بل نريد أن ننتخب رئيسًا مثقفًا عادلًا، واعيًا بقيمة وكرامة مصر، وتاريخها عبر المراحل المختلفة، راعيًا لثقافتها متعددة الروافد غنية المنابع، حريصًا على تحقيق "العدالة" التي تأسست عليها دولة أول الأوطان وفجر الضمير.