رئيس شعبة الذهب: تراجع المعدن النفيس في مصر 3.4% خلال أسبوع مع تحسن الجنيه    ترامب ينتقد محاكمة نتنياهو بالفساد: إنه بطل حرب    تقارير: روسيا تستهدف مناطق أوكرانية بعيدة عن الخطوط الأمامية    كريم رمزي: وسام أبو علي سيرحل عن الأهلي.. وهذه حقيقة مفاوضات نيوم السعودي لضمه    التعليم تحقق في تداول امتحان اللغة الإنجليزية على صفحات الغش الإلكتروني    مصرع 4 أشخاص غرقًا في النيل قرب مركز مطاي بالمنيا    طلب إحاطة لوزير النقل بشأن عدم استكمال بعض الطرق وتسببها في إهدار أرواح المواطنين    أفضل الأدعية لطلب الرزق مع شروق الشمس    نصائح ذهبية لتعزيز صحة الدماغ وتحسين التركيز.. تعرف عليها    طرق طبيعية وبسيطة للتخلص من الصداع.. تعرف عليها    موقف محرج لشيرين عبد الوهاب على مسرح مهرجان موازين (فيديو)    مي عمر شعبية في مسلسلها الجديد برمضان 2026    45 دقيقة تأخيرات القطارات بين قليوب والزقازيق والمنصورة    الاتحاد الأوروبي يشهر سلاح العقوبات مجددًا ضد روسيا.. والحسم خلال أيام!    إعلام عبري: إيران جنّدت مستوطنا لاغتيال وزير جيش الاحتلال كاتس    الثانية على التوالي.. إنجلترا تتوج ببطولة أمم أوروبا تحت 21 عامًا    جدو: بيراميدز كان قريبًا من ضم بن رمضان.. ويورتشيتش جدد تعاقده    إحداها عادت بعد 120 دقيقة.. العواصف توقف 6 مباريات في كأس العالم للأندية    وارن بافيت يعلن عن تبرعات بقيمة 6 مليارات دولار لخمس مؤسسات    اللواء أبو هميلة: "الشيوخ" تسير بشفافية لجاهزية "الوطنية للانتخابات"    «ماسك»: قانون خفض الإنفاق الحكومي «انتحار سياسي»    ضبط الأب المتهم بالتعدي على ابنه بالشرقية    رحلة نقل ملكية السيارة تبدأ من هنا.. إليك المستندات المطلوبة    البحرين ترحب باتفاق السلام بين الكونغو الديمقراطية ورواندا وتشيد بدور واشنطن والدوحة    «واخدلي بالك» على مسرح قصر ثقافة العريش    كايروكي يشعلون استاد القاهرة برسائل دعم لغزة وصور الشهداء    النائب عاطف مغاوري: أزمة الإيجار القديم تحل نفسها.. وستنخفض لأقل من 3% في 2027    هل يجوز الخروج من المنزل دون الاغتسال من الجنابة؟.. دار الإفتاء توضح    ما أفضل صدقة جارية على روح المتوفي.. الإفتاء تجيب    أضف إلى معلوماتك الدينية | 10 حقائق عن المتوفي خلال عمله    في جوف الليل| حين تتكلم الأرواح ويصعد الدعاء.. اللهم اجعل قلبي لك ساجدًا ولسانِي لك ذاكرًا    وسائل إعلام إيرانية: المضادات الجوية تتصدى لمسيرات إسرائيلية في شيراز    مشاركة متميزة لشركات وزارة قطاع الأعمال في معرض "صحة إفريقيا Africa Health ExCon 2025"    اكتشاف فيروس جديد في الخفافيش أخطر من كورونا    دواء جديد يعطي أملا لمرضى السكري من النوع الأول    أشرف زكي ناعيا ضحايا حادث المنوفية: للفقيدات الرحمة ولذويهم خالص العزاء    فيديو.. كريم محمود عبد العزيز: سعيد بتقديم دراما بشكل جديد في مملكة الحرير    شاب يقتل والدته ويدفنها في أرض زراعية بالمنيا    تنسيق الثانوية العامة 2025 محافظة كفر الشيخ.. الحد الأدنى للقبول    الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل قياديين في "حزب الله" بغارات جنوب لبنان    كأس العالم للأندية.. إيقاف مباراة تشيلسي وبنفيكا بسبب الظروف الجوية    كأس العالم للأندية، إيقاف مباراة تشيلسي وبنفيكا بسبب الظروف الجوية    بعد توصية طارق مصطفى.. رئيس البنك الأهلي يعلن رحيل نجم الأهلي السابق (خاص)    ماسك يحذر من «انتحار سياسي» سيسبب ضررًا هائلًا للولايات المتحدة (تفاصيل)    بعد فشل توربينات سد النهضة، خبير جيولوجي يحذر من حدوث فيضانات بالخرطوم قريبا    ثبات حتى الرحيل .. "أحمد سليمان".. قاضٍ ووزير وقف في وجه الطابور الخامس    5 أبراج «ناجحون في الإدارة»: مجتهدون يحبون المبادرة ويمتلكون رؤية ثاقبة    للتعامل مع القلق والتوتر بدون أدوية.. 5 أعشاب فعالة في تهدئة الأعصاب    موعد اعتماد نتيجة الشهادة الإعدادية بمحافظة قنا    القبض على 3متهمين بغسل الأموال    الزمالك يهدد ثنائي الفريق ب التسويق الإجباري لتفادي أزمة زيزو.. خالد الغندور يكشف    سعر السكر والزيت والسلع الأساسية في الأسواق اليوم الأحد 29 يونيو 2025    رئيس جهاز مدينة حدائق أكتوبر: تسليم وحدات مشروعي «810 و607 عمارة» قريبًا    بنفيكا ضد تشيلسي.. جيمس يفتتح أهداف البلوز فى الدقيقة 64 "فيديو"    زيادة المرتبات الجديدة.. جدول الحد الأدنى للأجور 2025 بعد توجيهات السيسي (تفاصيل)    «الغالي ثمنه فيه».. مؤتمر لابناء المرحلة الإعدادية بإيبارشية طيبة (صور)    «وقعوا في الترعة».. إصابة 4 أشخاص في حادث تصادم بالقليوبية    عمرو أديب ل أحمد السقا ومها الصغير: «زي ما دخلنا بالمعروف نخرج بالمعروف» (فيديو)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نبوة موسى وتصوف الخضر
نشر في البديل يوم 25 - 03 - 2017

ما بين نبوة موسى وصوفية الخضر، جرت الكثير من المياه والكتابات والتأويلات والأسئلة في البحث والتنقيب عن منزلة ومكانة كل منهما، ومحاولة فهم واستجلاء العبر والمعاني والدلالات المرتبطة بتلك القصة المثيرة والمدهشة التي ذُكرت في القرآن في سورة الكهف، ورغم كل الخيوط والحكايات المتعددة عن موسى والخضر، يبقى سؤال التصوف والنبوة حاضرا دومًا بما يحمله من أسئلة كثيرة من أبرزها معنى الإيمان وصوره المتعددة.
هذا السؤال البسيط متعدد الأوجه تحول تدريجيًا إلى مبارزة وصراع بين الطوائف الإسلامية المختلفة، ورغم ما تحمله القصة كما وردت في القرآن ثم في الأحاديث المنسوبة للنبي من مساحة كبيرة من التعددية والتأويل والدعوة للتفكير والتأمل والتدبر وعدم الاكتفاء بظاهر الأشياء والتواضع في طلب العلم وإدراك محدودية معرفة الإنسان بذاته وبالعالم وبالله، إلا أن كل تلك الشواهد يُضرب بها عرض الحائط من قبل أنصار الرؤية الأحادية من محتكري الإيمان والحديث باسم الله الذين يفتعلون صراعا ما بين النبوة والتصوف وما بين موسى والخضر يحاولون من خلاله طمس أي محاولة للتأويل أو الانفتاح على صور الإيمان المتعددة والتفكير والتدبر في خلق الله وتدبيره.
في القرآن والسنة.
اختلف العلماء والمؤرخون كثيراً في شخصية الخضر، حيث اعتبره البعض منهم نبيًا من الأنبياء، وأن الله سبحانه وتعالى قد أطال في عمره حتى يدرك الدجال فيكذبه، ومنهم من رأى بأنه ولي من أولياء الله، وقيل إنه ابن آدم لصلبه، وروى بعضهم أنه من سلالة نوح، وقيل إنه المعمر بن مالك بن عبد اللَّه بن نصر بن الأزد، وآخرون قالوا إنه ابن عمائيل (مقاتل) بن النوار بن العيص بن إسحاق، تصورات كثيرة ومتعددة لشخصية الخضر التي لم يفصح القرآن عن اسمه وحتى الأحاديث النبوية ذكرت لقبه فقط، فقد أورد الإمام البخاري حديثاً للنبي يقول فيه "الخضر إنما سمي خضراً، لأنه جلس على فروة بيضاء فإذا هي تهتز خلفه خضراء"، وقد وردت قصة موسى والخضر في صورة الكهف ضمن مجموعة من القصص عن ذي القرنين وأصحاب الكهف وغيرها من قصص الأولين.
وجاءت الآيات من 60 إلى 81 لتروي القصة" وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا، فلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا، فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا، قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنسَانِيهُ إِلاَّ الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا، قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا، فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا، َقالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا، قَالَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا، وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا، قالَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ صَابِرًا وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا، قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْأَلْنِي عَن شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا…

الشرع والحكمة
رغم قِدم قصة موسى والخضر وتعدد وجوهها ودلالاتها إلا أنها لا تزال تطرح العديد من التساؤلات والإشكاليات التي نعيشها في واقعنا المعاصر وخاصة ثنائية الشرع والحكمة، والظاهر والباطن، وقد وردت القصة مجردة من الزمن والمكان وحتى شخصية الخضر ذاتها تم ذكرها بصورة مجردة كعبد صالح أتاه الله رحمة، بدون ذكر اسم أو توضيح ما إذا كان نبي أو رسول، هذا الأمر تكرر أيضًا في معظم الأحاديث النبوية التي قدمت القصة بذات السياق من التجريد، ورغم ذلك لم تتوقف محاولات بعض رجال الدين لوضع تصور نهائي، فمنهم من يقول ويجزم بنبوة الخضر عبر مجموعة من الاستدلالات اللغوية التي وردت في الصياغة القرآنية لكن هناك ردود وحجج عديدة تنكر ذلك، وهناك من يحاول استنباط أحكام شرعية من القصة كحق إفساد ممتكلات الغير إذا كان ظالمًا، أو حق اكتناز المال أو حق القتل كل تلك الأمور الشائكة التي يُرد عليها أيضًا، وقد أنكر موسى ذاته على الخضر فعل إفساد السفينة وقتل الصبي، إلا أن الخضر لم يغضب ويرفض هذا الإنكار، وإنما كان غضبه نابعًا من كون موسى لم يصبر حتى يعرف الحكمة، وعندما علم موسى الحكمة في نهاية الرحلة لم يذكر القرآن أن موسى أقر تلك الأفعال، وتلك إشارة أخرى تؤكد أن مغزى القصة ومعانيها لا تكمن في الأحداث ذاتها، بقدر ما تكمن في خوض رحلة التدبر والتأمل والبحث المستمر ومعرفة أن هناك ظاهر وباطن للأشياء، وفي المجمل هذه القصة بما تحمله بداخلها من تباين وتعدد، تأتي كرحمة كبيرة للإنسان، فتحرره وتدفعه للفكاك من حيرته وآسر التصورات المختزلة والرائجة عن الحياة والإيمان بالبحث في داخله وخوض رحلته مع الله، تلك الرحلة التي لا يغلق بابها ولا تقتصر على أشخاص دون غيرهم، فهى رحلة أبدية وممتدة عبر الزمن.
المدهش أيضًا في قصة موسى والخضر أن ذكرها لم يقتصر على الإسلام فقد وردت بصور مختلفة في المسيحية واليهودية وفي إطار يحمل قدر كبير أيضًا من التجريد والضبابية، وهو ما يؤكد مجددا على أن المعنى الرئيسي من القصة يكمن في الحكمة وليس في التشريع، فلو أراد الله أن تكون القصة متن شرعي لأكد على ذلك بصورة قاطعة، لا تحتاج للبحث والتأويل والتقول على الله، وفرض وصاية على عباده، فقصة موسى والخضر في هذه النقطة تحديدًا تبدو واضحة في تأكيدها على مساحة من التعددية والدعوة للتفكير وللتأمل مع التأكيد على الصيغة الفردية للإيمان، فموسى رغم أنه نبي لم يذهب ليدعو الخضر ليؤمن به ويسير على شريعته ومنهاجه، وكذلك الخضر رغم ما فتح الله عليه لم يدعو موسى للإيمان بما فعله أو تكراره، فما حدث بينهما كان دوما في إطار الحكمة والتدبر والتأمل دون وصاية من أحد، فقط هى علامات على الطريق قد نراها أو نغفلها وقد لا تكون موجودة بالصورة التي نظنها من الأساس فكما يقول المتصوف الفارسي فريد الدين العطار "علامة الطريق… أنه لا علامة فيه"، فرحلة المتصوف سعي في طريق بلا علامات واضحة المغزى والدلالة، إنها رحلة الذات سعيا وراء اكتشاف حقيقتها ومعناها، محاولة تجاوز حدودها الضيقة على مستوى الواقع والتاريخ والزمن والجغرافيا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.