حضور حاشد في عمومية أطباء القاهرة وتكريم رواد الأطباء احتفالاً بيوم الوفاء    السيسي لطلبة الأكاديمية العسكرية: حريصون على تطوير المنظومة التعليمية والتدريبية    جولد بيليون: الذهب انخفض 2.3% خلال جلسات الأسبوع الماضي    توريد 35 ألف طن قمح إلى شون وصوامع المنيا    قطع المياه عن قريتين ببني سويف لمدة 8 ساعات.. اعرف المواعيد    الحكومة تنفي انتشار بطيخ مسرطن في الأسواق    حماس: تسلمنا رد إسرائيل والحركة ستدرس المقترح    شيماء البرديني: نتنياهو يريد استمرار الحرب للأبد ويستخدم شعبه كدروع بشرية    أنشيلوتي: جولر سيستمر مع ريال مدريد بالموسم المقبل.. وكورتوا قد يلعب ضد قادش    ماذا يحتاج يونايتد للمنافسة على الدوري؟ تين هاج يجيب    تشكيل النصر المتوقع أمام الخليج.. كريستيانو يقود الهجوم    مزقا جسده بسلاح أبيض.. مصرع عاطل على يد شقيقين ببورسعيد    ضبط 6 أشخاص بحوزتهم هيروين واستروكس وأقراص مخدرة بالقاهرة    كيف تحمي طفلك من مخاطر الدارك ويب.. بعد جريمة طفل شبرا    حالة الطقس اليوم.. انخفاض درجات الحرارة ونشاط الرياح نهارا وبرودة ليلا    فيلم عالماشي بالمركز الثالث في شباك التذاكر    ناهد السباعي عن مشاركتها في مهرجان أسوان: كانت تجربة ممتعة    عمرو دياب يتألق في أضخم حفلات صيف البحرين (صور)    حكم من مات ولم يحج وكان قادرا عليه.. الأزهر يوضح ما يجب على الورثة فعله    أستاذ «اقتصاديات الصحة»: مصر خالية من شلل الأطفال بفضل حملات التطعيمات المستمرة    «صحة كفر الشيخ» تنظم قافلة طبية لمدة يومين ضمن «حياة كريمة»    «الصحة» تعلن جهود الفرق المركزية في متابعة أداء مراكز الرعاية الأولية    الأوراق المطلوبة لاستخراج شهادات فحص المقبلين على الزواج للمصريين والأجانب    كوريا الشمالية تتهم الولايات المتحدة بتسيس قضايا حقوق الإنسان    سينما المكفوفين.. أول تعاون بين مهرجان الإسكندرية للفيلم القصير ووزارة التضامن    طارق يحيى: المقارنة مع الأهلي ظالمة للزمالك    أفضل دعاء تبدأ وتختم به يومك.. واظب عليه    اليوم.. استئناف محاكمة المتهمين بقضية تنظيم القاعدة بكفر الشيخ    تفاصيل جريمة الأعضاء في شبرا الخيمة.. والد الطفل يكشف تفاصيل الواقعة الصادم    المقاولون العرب" تنتهي من طريق وكوبري ساكا لإنقاذ السكان بأوغندا"    "الشيوخ" يناقش جودة التعليم والتوسع في التصنيع الزراعي، الإثنين المقبل    بعد رأس الحكمة وقرض الصندوق.. الفجوة التمويلية لمصر 28.5 مليار دولار    قبل 3 جولات من النهاية.. ماهي فرص "نانت مصطفى محمد" في البقاء بالدوري الفرنسي؟    كيف أدَّى حديث عالم أزهري إلى انهيار الإعلامية ميار الببلاوي؟.. القصة كاملة    برج الثور.. نصيحة الفلك لمواليد 27 أبريل 2024    بعد بقاء تشافي.. نجم برشلونة يطلب الرحيل    حزب الله يعلن استشهاد 2 من مقاتليه في مواجهات مع الاحتلال    متى يحق للزوجة الامتناع عن زوجها؟.. أمين الفتوى يوضح    وزير الخارجية يتوجه إلى الرياض للمشاركة في أعمال المنتدى الاقتصادي العالمي    زلزال بقوة 4.1 درجة يضرب شرق تركيا    السبت 27 أبريل 2024.. نشرة أسعار الحديد والأسمنت اليوم    نظام امتحانات الثانوية العامة في المدارس الثانوية غير المتصلة بالإنترنت    سياسيون عن ورقة الدكتور محمد غنيم.. قلاش: خلاصة فكره وحرية الرأي والتعبير هي درة العقد.. النقاش: تحتاج حياة سياسية حقيقية.. وحزب العدل: نتمنى من الحكومة الجديدة تنفيذها في أقرب وقت    علي جمعة: الشكر يوجب على المسلم حسن السلوك مع الله    وزير الري: الاستفادة من الخبرات العالمية فى استثمار الأخوار الطبيعية لنهر النيل    المتهم خان العهد وغدر، تفاصيل مجزرة جلسة الصلح في القوصية بأسيوط والتي راح ضحيتها 4 من أسرة واحدة    إشادة دولية بتجربة مصر في مجال التغطية الصحية الشاملة    استقرار أسعار الذهب في بداية التعاملات يوم السبت 27 أبريل 2024    بعد ارتفاعها.. أسعار الدواجن اليوم 27 أبريل| كرتونة البيض في مأزق    محمد جبران رئيسا للمجلس المركزي للاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب    حكم الشرع في الإسراع أثناء أداء الصلاة.. دار الإفتاء تجيب    "كنت ببعتله تحياتي".. كولر يكشف سر الورقة التي أعطاها ل رامي ربيعة أثناء مباراة مازيمبي    «المركزية الأمريكية»: الحوثيون أطلقوا 3 صواريخ باليستية على سفينتين في البحر الأحمر    لدورة جديدة.. فوز الدكتور أحمد فاضل نقيبًا لأطباء الأسنان بكفر الشيخ    يسرا اللوزي تكشف سبب بكائها في آخر حلقة بمسلسل صلة رحم.. فيديو    بعد بطاقة الترجي.. الأندية المتأهلة إلى كأس العالم للأندية 2025    مقتل 4 عمّال يمنيين بقصف على حقل للغاز في كردستان العراق    تهاني شم النسيم 2024: إبداع في التعبير عن المحبة والفرح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قصة «موسى والخضر».. دروس وعظات
نشر في فيتو يوم 23 - 11 - 2016

إن النفس مجبولة على التأسي بغيرها، والاعتبار بما يحدث لمن حولها.. ولذلك فقد اعتنى القرآن الكريم بالقصص عناية كبيرة، فقد قص علينا قصصاً كثيرة لنأخذ منها العظة والعبرة، ومن القصص العظيمة التي قصها لنا القرآن، قصة موسى والخضر عليهما السلام، ففيها عظات وعبر لا يستغني عن تدبرها المؤمن خلال سيره إلى الله تعالى...
◄ قصة موسى والخضر..
روى البخاري ومسلم وغيرهما من حديث سعيد بن جبير رحمه الله، قال: قيل ل ابن عباس رضي الله عنهما: إن نوفل المثالي يزعم أن موسى الذي صاحب الخضر ليس هو موسى بني إسرائيل، قال ابن عباس : كذب عدو الله، حدثني أبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ( خطب موسى في بني إسرائيل يوماً حتى ذرفت العيون ووجلت القلوب، فلما انصرف تبعه رجل، فقال: يا نبي الله! هل هناك أعلم منك في الأرض؟ قال: لا.


فعتب الله عز وجل عليه إذ لم يرجع العلم إليه، قال: بلى، إن لي عبداً في مجمع البحرين هو أعلم منك، قال موسى: أي رب! وكيف لي به؟ قال: خذ حوتاً واجعله في مشكل ) وفي رواية: ( قال: خذ نوناً ميتاً -والنون: هو الحوت، وإليه نسب يونس عليه السلام (( وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا ))[الأنبياء:87]، فالنون هو الحوت، وكل سكان البحر يعد من الحيتان، فالسمك اسمه حوت، قال ابن عباس : اشتهيت حيتاناً، أي: أسماكاً- قال: خذ نوناً ميتاً واجعله في مشكل، فحيث فقدته فهو ثم -أي حيث فقدت هذا الحوت فالخضر هناك، فانطلقا، حتى إذا كانا ببقعة من الأرض قال موسى لفتاه: لا أكلفك كثيراً، أيقضني إذا رد الله الحياة في الحوت، قال: ما كلفت كثيراً، ثم إن الحوت ارتدت إليه الحياة وقفز في البحر، فأمسك الله عليه الماء وحبسه فلم يستطع أن يذهب.


فلما استيقظ موسى عليه السلام نسي غلامه أن يخبره أن الحوت قفز في الماء، فانطلقا بقية يومهما وليلتهما، فلما كانا من الغد قال موسى لفتاه: { آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا } [الكهف:62]، تذكر الفتى أن الحوت المشوي الذي كانا سيتغديان به قفز في الماء، قال: { أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ } [الكهف:63] { فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا } [الكهف:64] رجعا يقصان الآثار مرة أخرى.


فلما ذهبا إلى هناك وجدا عبداً مسجى ببردة خضراء تحت قدميه وتحت رأسه، كالذي يلتحف بلحاف فيجعله تحت رأسه وتحت قدميه، فسلم عليه موسى، فكشف عن وجهه، وقال: وهل بأرضي سلام؟ من أنت؟ قال: أنا موسى.


قال: أنت موسى بني إسرائيل؟ قال: نعم.


-هذا هو السؤال الذي من أجله قال ابن عباس : كذب عدو الله؛ لأن الخضر عليه السلام قال: أنت موسى بني إسرائيل؟- قال: وما تريد؟ قال: أريد أن أتعلم.


قال: (( إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا ))[الكهف:67].
قال: { سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا } [الكهف:69].


فجاء عصفور فنثر من ماء البحر نثرة، فقال الخضر: يا موسى! إن مثل علمي وعلمك بجانب علم الله عز وجل كمثل الماء الذي أخذه هذا العصفور بمنقاره { فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا } [الكهف:70].

فانطلقا، ووقفا على شاطئ البحر، فمر مركب فأراد الخضر وموسى أن يركبا، فقال الغلمان: عبد الله الصالح لا نحمله بأجر، فعمد إلى مكان في السفينة فخلع منه لوحاً بقدوم ووضع مكانه خشبة، قال موسى: قوم حملونا بغير أجره تخلع لوحاً من سفينتهم لتغرق أهلها، لقد جئت شيئاً إمراً { قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا } [الكهف:72]، قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: وكانت هذه من موسى نسياناً.


فلما نزلا من السفينة وجدا أُغيلمة يلعبون، فعمد الخضر إلى ولد وضيء جميل ذكي، فأخذه من رأسه وأضجعه على الأرض وذبحه بالسكين، فقال موسى: عمدت إلى نفس لم تعمل الحل فقتلتها بغير نفس، لقد جئت شيئاً نكراً، قال الخضر عليه السلام: (( أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا ))[الكهف:72]، قال النبي صلى الله عليه وسلم: وكانت هذه شرطاًَ )؛ لأن موسى عليه السلام قال له: { إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا } [الكهف:76] وهناك فرق في التحذير بين المرة الأولى والثانية، ففي المرة الأولى قال له الخضر: { أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا } [الكهف:72]، وفي المرة الثانية قال له: { أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا } [الكهف:75]، فكأنه استدار إليه وأشار إليه، ولذلك فرق النبي عليه الصلاة والسلام بينهما وبين أن الأولى كانت من موسى نسياناً فلم يشدد الخضر عليه، وكانت الثانية شرطاً في المفارقة، لذلك كأنه التفت إليه وحذره وأشار: ألم أقل لك -أي: في المرة الثانية- إنك لن تستطع معي صبراً.

فدخلوا إلى قرية: { فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا } [الكهف:77] { قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا } [الكهف:78]، قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( يرحم الله موسى -وفي رواية: رحمة الله علينا وعلى موسى- وددنا أنه صبر حتى يقص الله عز وجل علينا من أخبارهما ).


دروس من قصة موسى والخضر

إن قصة موسى والخضر من القصص التي تشتمل على كثير من العبر، وقد عُني القرآن الكريم جد العناية في عرض القصة؛ لأن النفس مجبولة على التأسي بغيرها، كما قالت الخنساء لما قُتل أخوها: ولولا كثرة الباكين حولي على إخوانهم لقتلت نفسي فبمصاب غيرك يهون عليك مصابك، إذا شعرت أن غيرك يشاركك في هذا المصاب خف عليك المصاب، وإنما يعظم الأمر إذا كنت متفرداً بالبلية، وإلى هذا المعنى إشارة في قوله تبارك وتعالى: { وَلَنْ يَنفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ } [الزخرف:39]، فالله تبارك وتعالى ينفي من أذهان أولئك هذه المشاركة التي يجدها العبد في الدنيا، فيقول له: ليس الأمر في الآخرة كالدنيا، إنك إذا رأيت غيرك في مثل مصابك هان عليك مصابك كلا! لا ينفعك أنك ترى جهنم كلها مليئة بالخلق يعذبون مثلك، إن هذا لا يخفف عنك شيئاً؛ لأن التسلية التي كنت تراها في الدنيا قد ذهبت: { وَلَنْ يَنفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ } [الزخرف:39].



وفي حديث الإفك أن عائشة رضي الله عنها لما بلغتها التهمة قالت: (بكيت يومي وليلتي حتى ظننت أن البكاء فالقٌ كبدي، فاستأذنت امرأة من الأنصار فأذنت لها، فجلست تبكي معي).


قد يقول البعض: وما الفائدة من قول عائشة رضي الله عنها: (جلست تبكي معي)؟ فنقول: الفائدة هنا هي المشاركة التي تخفف عن الإنسان ألمه.


ولما بعث النبي عليه الصلاة والسلام ودعاء إلى الله تعالى في مكة، وعذب أصحابه العذاب الأليم، نزل القرآن الكريم يقص عليهم كثيراً من القصص، وأكثر النبي عليه الصلاة والسلام من ذكر القصص، فقص عليها آنذاك قصة الساحر والراهب، وفيها البلاء في الدين، حتى قال أبو ذر رضي الله عنه: ( نالنا من الكفار شدة، فذهبنا إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم نستنصره، فوجدناه عند الكعبة، فقلنا: يا رسول الله! ألا تستنصر لنا ألا تدعو الله لنا؟! فاعتدل وقال: لقد كان يؤتى بالرجل من قبلكم فينشر بالمنشار حتى يشق نصفين لا يرده ذلك عن دينه ).


فإذا علمت أن أصحاب الأنبياء جميعاً عذبوا وأوذوا؛ علمت أنك لست في الطريق وحدك، هذا الطريق المستقيم طريق الله عز وجل الممتد من لدن آدم عليه السلام إلى أن تقوم الساعة، لست الضحية فيه وحدك.


كم من العلماء عذبوا بل طارت رقابهم! بل كم من الأنبياء عذبوا وقتلوا! ألم يقتل يحيى عليه السلام وتقطع رقبته وتهدى إلى امرأة بغي، وهو نبي؟! إذا تذكرت ما فعله اليهود بموسى عليه السلام هان عليك مصابك، وقد جاء في الصحيحين: ( أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فأخذ ببرده وجذبه حتى أثرت حاشية البرد في عنقه عليه الصلاة والسلام، وقال: يا محمد! أعطني من مال الله، فإنه ليس مالك ولا مال أبيك ولا مال أمك، فتبسم عليه الصلاة والسلام، وقال: يرحم الله أخي موسى، قد أوذي بأكثر من هذا فصبر )، هنا يذكر النبي صلى الله عليه وسلم موسى عليه السلام، ويقول: ( قد أوذي بأكثر من هذا فصبر )، وليس المعنى أن موسى عليه السلام أوذي أكثر من نبينا صلى الله عليه وسلم في الحقيقة، لكن المعنى: أنه أوذي أكثر من هذا، أي: أكثر من هذا الفعل بعينه فصبر، فهنا يذكر سلفه في الأذى وفي البلاء فيحمله ذلك على الصبر.


فميل الناس إلى القصص فطري، وهو ميل شديد قوي؛ لذلك فقد عني القرآن الكريم عناية كبيرة بالقصص، وقد حدد الهدف من هذه القصص، فقال تعالى: { لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُوْلِي الأَلْبَابِ } [يوسف:111]، أي: للذين يتفكرون ويأخذون الأسوة.


فقصة موسى والخضر من القصص التي قصها علينا القرآن الكريم، وزادها النبي صلى الله عليه وآله وسلم وضوحاً.

لكن...

هل الخضر ولي أم نبي؟
المطلب الأولى: هل الخضر ولي أم نبي؟ وقد يقول البعض: وهل ينبني على ذلك حكم؟ نقول: نعم.

قال ابن المنادي : أول عقده تحل من الزندقة أن يكون الخضر نبياً؛ لأن الصوفية يزعمون أن الولي أعظم من النبي، يقولون: مقام النبوة في برزخ فويق الرسول ودون الولي إذاً: فالولي عندهم أعظم من النبي، وهذا ضلال مبين وزندقة؛ لأن النبوة ليست مكتسبه؛ بل هي منحة من الله عز وجل.


فإثبات أن الخضر نبي أول عقدة تحل من هذا الحبل الطويل من الزندقة، وقد استدل العلماء على أنه نبي بقوله: { وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي } [الكهف:82]، أي: ليس لي دخل في الذي فعلت، ويؤكد أنه نبي أن الله تبارك وتعالى قال: { وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا } [الكهف:65]، والله تبارك وتعالى لا يؤتي هذا العلم إلا لنبي.


أما كونه لم يرسل إلى قوم فهذا هو الغالب على الأنبياء، ولذلك فإن من الفروق التي يذكرها العلماء بين الرسول والنبي: أن النبي قد يشرف بالنبوة لذاته ولكن لا تناط به رسالة، فكثير من الأنبياء لم يبلغوا رسالة تذكر، لكنهم شرفوا بهذا المنصب بأن صاروا أنبياء، بخلاف الرسول؛ فإنه لا بد أن يرسل إلى قوم.


ولذلك قال العلماء: إن عدد الرسل أقل بكثير من عدد الأنبياء؛ لأن النبوة رتبه قد يشرف بها العبد بغير رسالة إلى قوم، بخلاف الرسل.


وأشهر الرسل خمسة هم أولو العزم الذين نوه الله تبارك وتعالى بشرفهم، وهم: نوح عليه السلام، وإبراهيم عليه السلام، وموسى وعيسى عليهما السلام، ونبينا صلى الله عليه وآله وسلم.

وإنما كانوا من أولي العزم؛ لأنهم أرسلوا إلى جبابرة، وذاقوا من العذاب الأليم ما لم يذقه كثير من الرسل فضلاً عن الأنبياء؛ ولذلك وصفهم الله عز وجل بأنهم من أولي العزم.

إذاً: الخضر عليه السلام على قول أغلب العلماء نبي، فليس بعجيب أن يتعلم نبي من نبي، إن اليهود هم الذين أنكروا أن يكون موسى هو موسى بني إسرائيل؛ لأنهم قالوا: كيف يتعلم موسى من آخر وموسى نبي، والمفترض في النبي أنه أعلم أهل الأرض؟ لأنه غلب على ذهن موسى عليه السلام أنه أعلم الناس، ولم يتصور قط أن يكون هناك أعلم منه، لذلك لم يتردد في الإجابة بقوله لما سئل: هل هناك أعلم منك؟ قال: لا.

لظنه أن الله تبارك وتعالى لا يعطي أحداً علماً أكثر منه، فأنكر بنو إسرائيل أن يكون موسى هو موسى بني إسرائيل.



الخضر ليس أعلم من موسى عليه السلام
هل الخضر أعلم من موسى عليه السلام؟

لا ثم لا؛ لأن الخضر عليه السلام كان أعلم منه بهذه الجزئية التي علمه الله تعالى إياها؛ ليثبت لموسى عليه السلام أنه ليس أعلم من في الأرض فقط، أما في بقية العلم فلا شك أن موسى أعلم، ولا شك أن موسى أفضل من الخضر، ولذلك قال له الخضر لما نقر العصفور من ماء البحر: يا موسى! إنني على علم من الله لا تعلمه أنت، وأنت على علم من الله علمك هو لا أعلمه أنا.

بل لما قال له موسى عليه السلام: جئت أتعلم منك، قال: أما يكفيك أن الله كتب لك التوراة بيده.

إذاً: الخضر عليه السلام إنما هو أعلم من موسى بهذه الجزئية فقط، أما أنه أعلم من موسى بكافة الجزئيات الأخرى فلا.
وقد أراد الله عز وجل أن يؤدب موسى، وكذلك كل عالم ومفتي يجب أن يُرجع العلم إلى الله عز وجل، وهذا هو مستند قول العلماء بعد ذكر الفتوى: والله أعلم.

فليس معنى قول المفتي: (الله أعلم) أنه يشك في فتواه؛ بل إنه يكل علم ذلك على الحقيقة إلى الله عز وجل، فإن المفتي قد يفتي في القضية ويرى أن هذا هو الصواب من وجهة نظره، ويكون الأمر على خلاف ذلك، وعلى هذا الأمر تُخرَّج فتاوى العلماء التي أخطئوا فيها بأنهم كانوا يظنون أن الحق فيما ذهبوا إليه.

فهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما جاءه رجل قد قطعت إصبعه، فقال: هل عندكم من شيء في دية الأصبع؟ فسكتوا، فاجتهد عمر رضي الله عنه رأيه، ورأى أن دية الأصابع تختلف باختلاف منافعها، فهذه الإصبع لا تساوي هذه؛ لأن هذه الإصبع تملك حركة الأصابع الأربع الباقية، فيقول: لا أساوي بينها في الدية؛ بل هي تختلف باختلاف منافعها.
فهل هذا هو الصواب؟ الجواب: لا.

لكن لم يكن عند عمر بن الخطاب رضي الله عنه علم أكثر من ذلك، فاجتهد رأيه في هذا الأمر، وظل المسلمون يعملون بهذا الحكم حتى خلافة معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه.

فلما بلغ هذا الأمر ابن عباس رضي الله عنهما قال: سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ( هذه وهذه وهذه سواء، عشر من الجمال )، فساوى النبي عليه الصلاة والسلام بينها، فكل إصبع ديتها عشر من الجمال، فلو افترضنا أن الجمل بألفي جنيه، فإن دية الإصبع عشرون ألف جنيه.

إذاً: عمر رضي الله عنه أفتى بخلاف الصواب، لكن هل عليه إثم؟ الجواب: لا؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: ( إذا اجتهد الحاكم فأخطأ فله أجر، وإذا اجتهد فأصاب فله أجران )، أما الذي له أجر؛ فلأنه اجتهد فله أجر على الاجتهاد، وهو إفراغ الوسع في طلب الحق، فإن أصاب فله أجران: أجر إفرغ الوسع وأجر إصابة الحق.

الاستدلال بحديث: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يصلين العصر إلا في بني قريظة ) على جواز حلق اللحى
الحمد لله رب العالمين، له الحمد الحسن والثناء الجميل، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يقول الحق وهو يهدي السبيل، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.

فقد ذكرنا حديث: ( إذا اجتهد الحاكم فأخطأ فله أجر، وإذا اجتهد فأصاب فله أجران ) وقد ذكَّرني هذا الحديث بقضية أثارها بعض الناس، فقد استدل بعضهم على حكم حلق اللحية بإقراره صلى الله عليه وآله وسلم المسلمين الذين غزوا بني قريظة واختلفوا في صلاة العصر: أيصلونها في بني قريظة أم يصلونها في وقتها؟ ولم يعنف النبي عليه الصلاة والسلام إحدى الطائفتين، فقالوا: كذلك الذي يعفي لحيته لا يجوز له أن يعنف حالقها، كما أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يعنف أحداً من الطائفتين.


وهذه فرية بلا مرية؛ إذ كيف يقيس هذا الإنسان إقرار النبي صلى الله عليه وآله وسلم أصحابه الذين اختلفوا في أداء العصر أفي الوقت أم في بني قريظة بعد الوقت على أمر نص النبي عليه الصلاة والسلام نصاً واضح الدلالة أنه لا يجوز للمسلم أن يتعمد حلق لحيته؟! فقد قال صلى الله عليه وسلم: ( اعفوا اللحى وقصوا الشوارب ).


أما الذين ذهبوا لغزو بني قريظة فقد سمعوا قوله عليه الصلاة والسلام: ( لا يصلين أحدكم العصر إلا في بني قريظة )، فقال بعضهم: إن النبي عليه الصلاة والسلام لم يقصد ظاهر الخطاب؛ بل أراد أن يحثنا على القتال حتى ندخل بني قريظة قبل العصر فنصلي هناك، أو ندخل بني قريظة في وقت العصر فنصلي هناك، فهذا حث منه لنا عليه الصلاة والسلام أن ندخل بني قريظة في وقت العصر، ولم يكن يقصد أننا لا نصلي العصر إلا في بني قريظة ولو كان وصولنا بعد العشاء.


وذلك لأن عندهم أدلة واضحة على عدم جواز تأخير الصلاة عن وقتها، فهذه الأدلة الواضحة لا يمكن أن يتركوها لنص فيه احتمال، والعلماء يقولون: إذا تطرق إلى الدليل الاحتمال سقط به الاستدلال، فإذا كان ظاهر الخطاب يحتمل أكثر من وجه، فلا يتعين أحد الأوجه إلا بدليل مستقل خارج عنه.


وعندهم أدلة على عدم جواز تأخير الصلاة عن وقتها، فيقولون: لا نترك هذه الأدلة القاطعة بنص يحتمل أكثر من وجه، فحملوا دلالة النص على معنى الأحاديث الأخرى، وهو: استحثاث المسلمين على دخول بني قريظة في وقت العصر.
وقال بعضهم: لا.


بل قصد أننا لا نصلي العصر حتى نغزو بني قريظة، ولو أخذ منا الجهاد إلى وقت العشاء.


ولم يعنف بعضهم بعضاً، ولم ينشق المسلمون وهم يقاتلون بسبب هذا الاختلاف الفقهي، إنما كلٌ أخذ برأيه ولم يعنف الآخر، فالذين أبوا أن يؤخروا العصر عن وقته صلوا العصر، والآخرون لم يصلوا العصر حتى غزوا بني قريظة، فكان وقت العصر قد ذهب.


فعندما جاءوا إلى النبي عليه الصلاة والسلام وذكروا له ما حدث، تبسم ولم يعنف أحداً، فإقراره عليه الصلاة والسلام حقٌ؛ لأنه لا يقر على باطل ولا خطأ، فلما سكت دل على أنه أقر كلتا الطائفتين.


فالشبهة التي يحتجون بها: أن طائفة فعلت شيئاً، وطائفة فعلت عكس الطائفة الأولى، فلم يعنف هذه ولا تلك، فكذلك المسلم إذا أعفى لحيته لا جناح عليه، فإن حلق لحيته فلا يجوز للآخر أن يعنفه، فهل واقعة بني قريظة كمثل هذا المثل الذي ضربه هذا المحتج؟

والجواب أنه شتان ما بين الأمرين، ولا يستقيم في الأذهان شيء إذا كانت القسمة هكذا، إذاً: فلماذا لم يعنف النبي عليه الصلاة والسلام إحدى الطائفتين برغم أن الحق في جانب واحد منهما بلا شك؟ لأن الحق واحد لا يتعدد وإن اختلفت أفهام الناس فيه، فيستحيل أن يكون الحق متعدداً، إنما الحق واحد، وطرق الناس في الذهاب إلى الحق متباينة، لكن الذي أصاب الحق واحد فقط، فلا شك أن أحدهما مخطئ، فلماذا لم يعنفه النبي عليه الصلاة والسلام؟ لأنه عليه الصلاة والسلام قال: ( إذا اجتهد الحاكم فأخطأ فله أجر )، فهل يجوز أن يعنف من له أجر واحد المأجور؟ لا يعنف، إنما الذي يعنف هو المأزور، وهذا بنص الحديث، فلذلك لم يعنفه النبي عليه الصلاة والسلام؛ لا لأنه أقر الاثنين، بمعنى: أنه أقر أن ترك العصر حتى يخرج وقتها صواب، وأن الذين صلوا في الوقت على صواب، إنما لم يعنفهم؛ لأن الذي أخطأ أصاب أجراً واحداً.


فحديث واقعة بني قريظة التي أقرها النبي عليه الصلاة والسلام لا علاقة لها بالمثل المضروب؛ لأن المثل المضروب في أمر، وعلماء الإسلام يقولون: إن الأمر إذا خرج من النبي عليه الصلاة والسلام يفيد الوجوب، أي: أنه لا يجوز للمسلم أن يخالف أمره صلى الله عليه وآله وسلم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.