انتصارًا للدول الإسلامية وجالياتها في العالم، قررت المحكمة الفيدرالية بولاية هاواي الأمريكية تجميد العمل بقرار حظر السفر الذي وقعه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بمنع مواطني 6 دول إسلامية من السفر إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية إلى أجل غير مسمى، فيما أكد القاضي أن "المرسوم صدر بقصد استهداف ديانة معينة" في إشارة إلى الإسلام. وكانت الإدارة الأمريكية الجديدة قد وقعت في يناير الماضي مرسوما يمنع قدوم اللاجئين من كل أنحاء العالم ويعلق منح تأشيرات الدخول لمدة 90 يوما لرعايا إيران وليبيا وسوريا والصومال والسودان واليمن، لكن محكمة هاواي كانت هي الأولى بين عدة ولايات التي تعترض أمام القضاء على المرسوم، وأصدرت محكمة استئناف الدائرة التاسعة الأمريكية حكما ضد النسخة الأصلية لحظر السفر في فبراير، ورفضت تغيير قواعد إصدار التأشيرات ودخول اللاجئين إلى حين مراجعة قانونية. ومنذ ذلك الحين استمرت المعركة بين البيت الأبيض المعني بالسلطة التنفيذية وبين القضاء، حيث وقع ترامب في 6 مارس، أمرا تنفيذيًا بمرسوم معدل يحظر دخول مواطني نفس الدول إلى الولاياتالمتحدة لمدة 90 يوما، لكن المحكمة الفيدرالية في هاواي أصدرت قرارًا في 16 مارس الماضي، وشمل أنحاء البلاد كافة، بإيقاف الأمر التنفيذي المعدل الذي أصدره الرئيس الأمريكي، حيث أكد القاضي أن "المرسوم صدر بقصد استهداف ديانة معينة". ويوم 30 مارس أكد القاضي ديريك واطسون، تجميد النسخة المعدلة من قرار حظر السفر الذي أصدره ترامب في 6 مارس الجاري، مؤكدا أنه يجعل بذلك من القرار المؤقت الذي صدر قبل أسبوعين بتعليق المرسوم أمرا قضائيا أوليا، الأمر الذي لا يُمكِّن ترامب من فرض تطبيق المرسوم؛ طالما لا يزال موضوع نقاش في المحاكم، وقال واطسون، إن المحكمة لا يمكن لها الانسحاب وإغلاق أبوابها، والتصرف كأن شيئًا لم يكن، وذلك في إشارة إلى إصرار ترامب على قراره. ولم تنته المعركة عند هذا الحد، حيث تقدمت إدارة ترامب، الخميس، بطلب استئناف قرار تعليق مرسوم الهجرة، ورفعت وزارة العدل الطلب إلى محكمة الاستئناف في الدائرة التاسعة التي تشمل 15 منطقة في غرب البلاد، وكانت هذه المحكمة نفسها قررت إبقاء تعليق الصيغة الأولى للمرسوم مما شكل ضربة قوية للإدارة الأمريكية. مثل هذا الأمر القضائي عادة ليست له مهلة محددة كما أعلن وزير العدل في ولاية هاواي دوغ تشين، ما يعني أنه لا يمكن لترامب فرض تطبيق المرسوم الذي وقعه في 6 مارس طالما لا يزال موضوع نقاش في المحاكم، وفي القرار الأصلي الصادر في 15 مارس، قال واتسون، إن الذين يطعنون على حظر السفر ربما تتكلل جهودهم بالنجاح بالدفع بأن الأمر التنفيذي ينتهك حظر الدستور للتمييز الديني، لكن إدارة ترامب أعربت عن اعتقادها بأنها عالجت المخاوف القانونية ذات الصلة بأمرها الجديد الذي كان من المقرر أن يدخل حيز التنفيذ في السادس عشر من مارس، فأمام ما آثاره المرسوم الأول من فوضى في المطارات وردود فعل غاضبة في الخارج، وتظاهرات احتجاجية حاشدة في الولاياتالمتحدة، استثنى المرسوم المعدل الجديد العراق من المنع، وكذلك حاملي تأشيرات الدخول وبطاقات الإقامة الدائمة. وعلى الرغم من أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، راهن على أن تكون لديه سلطات تنفيذية واسعة في فترة حكمه متعهدًا بالمضي قدما حتى في هذا القانون حتى لو اضطر إلى اللجوء إلى المحكمة العليا، فإن مراقبين يرون أن انتقال "رئيس مجلس إدارة" مثل ترامب إلى رئاسة الولاياتالمتحدة يشكل عملية صعبة على الرئيس، الذي كان أحد أقطاب الأعمال وكان مناهضا للنخب، وتعهد بإصلاح البلاد بشكل متهور لكن القضاء والكونجرس حجموا سلطاته بموجب الدستور. وأكد جون كاري، الأستاذ في معهد "دارتموث" أن "الرئيس الأمريكي ضعيف في الواقع"، بالمقارنة مع الرؤساء في فرنسا أو في أنظمة سياسية أخرى، مدللين على ذلك بأن الولاياتالمتحدة لا يحق لحكومتها فرض القوانين بالقوة، حيث يقرر الكونجرس جدول أعماله بنفسه ولدى المعارضة حقوق واسعة تقليديا في مجلس الشيوخ حيث لابد من الحصول على غالبية موصوفة. ويقول كاري ل"فرانس برس" إن "سلطة الرئيس على النواب تتمثل خصوصا بمدى قدرته على الإقناع، وترامب أساء تماما استخدام قدرته في هذا الخصوص"، أما القضاء فيلجأ إليه المعارضون السياسيون بشكل منهجي للطعن في القرارات الرئاسية التي يعلق تطبيقها في بعض الأحيان. ولا يعتبر تدخل القضاء في واشنطن أمرا جديدا بالكامل، فقد كادت المحكمة العليا الأمريكية تعطل "العقد الجديد" وهي سياسة التدخل التي دعا إليها الرئيس الأمريكي الأسبق فرانكلين روزفلت، بعد الركود الكبير في ثلاثينات القرن الماضي، إلا أن اقحام القضاء في العمل السياسي تكثف منذ سنوات. وقال خبير الدستور إيروين شيمرينسكي، لوكالة الأنباء الفرنسية "فرانس برس": "لا أتذكر رئيسا واحدا واجه هذا الكم من الطعون أمام القضاء بهذه السرعة"، في إشارة إلى ترامب، حيث تتم هذه الإجراءات في أجواء من الاستقطاب يدين ترامب خلالها القضاء بالتسييس ويتعدى على صلاحياته الرئاسية، على حد تعبيره.