وصف الصحفي الإسرائيلي هيرش جودمان في مذكراته كيف عاد إلى دياره بعد حرب يونيو 1967 للاستماع إلى رئيس وزراء إسرائيل الأول، ديفيد بن جوريون، يتحدث في الإذاعة قائلا: "من الأفضل أن تخلص إسرائيل نفسها من الأراضي وسكانها العرب في أقرب وقت ممكن لأنه إذا لم تفعل، ستصبح قريبا دولة فصل عنصري". وبعد 50 عاما، وعلى الرغم من الاحتلال الراسخ والمستمر للأراضي الفلسطينية، يرفض المدافعون عن إسرائيل بغضب أي استدعاء لكلمة "فصل عنصري". واضطر سياسيون أمريكيون بارزون من الذين تجرؤوا على نطق هذه الكلمة فيما يتعلق بإسرائيل مثل جون كيرى وجيمي كارتر إلى الاعتذار والتراجع. في الأسبوع الماضي، أصدرت لجنة الأممالمتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا "الإسكوا" تقريرا رسميا يوثق كيف أنشأت إسرائيل نظاما للفصل العنصري يسيطر على الشعب الفلسطيني ككل، مما أثار موجة غضب ضخمة أدت إلى قيام الأمانة العامة للأمم المتحدة بإزالة التقرير من على موقعها الإلكتروني. الأمر الذي أدى إلى استقالة الأمينة العامة للإسكوا ريما خلف احتجاجا على ذلك. ويدعي عادة مؤيدو إسرائيل أن مثل هذه التقارير تشويه وكذب وشكل من معاداة السامية، لكن هل هذا يجعل بن جوريون أيضا غير شريف أو كاذب؟، وماذا عن إسحاق رابين الذي قال لصحفي تلفزيوني في عام 1976 "لا أعتقد يمكننا على المدى الطويل احتواء مليون ونصف عربي وأكثر داخل دولة يهودية إذا كنا لا نريد الوصول إلى الفصل العنصري ؟". فهل شارك رابين أيضا في حملة تشويه ضد الدولة التي قادها؟. في السنوات الأخيرة، كرر أثنين من رؤساء وزراء إسرائيل السابقين هما إيهود أولمرت وإيهود باراك تحذيرات أسلافهم. وتوقع أولمرت أنه إذا فشل حل الدولتين سنواجه صراعا على غرار جنوب إفريقيا من أجل المساواة في حقوق التصويت. وأعلن باراك أنه إذا لم تتمكن هذه الكتلة من ملايين الفلسطينيين من التصويت، ستكون هناك سياسات الفصل العنصري. هل كل هؤلاء يشوهون إسرائيل أيضا؟ وماذا سنفعل بشهادات كبار مواطني جنوب إفريقيا الذين ناضلوا وهزموا سياسات الفصل العنصري في بلدهم فقط ليكونوا مرعوبين بما شاهدوه في الأراضي المحتلة؟، حيث قال الأسقف ديزموند توتو الأسقف الحائز على جائزة نوبل للسلام في عام 2002: لقد شعرت بقلق عميق جدا عند زيارتي للأراضي المقدسة.. الأمر ذكرني كثيرا بما حدث لنا أصحاب البشرة السمراء في جنوب إفريقيا. ويؤيد عدد من كبار مسؤولي المؤتمر الوطني الإفريقي وهو الحزب السياسي الحاكم في جنوب إفريقيا منذ إلغاء الفصل العنصري مقارنة توتو بما في ذلك الرئيس الجنوب إفريقي السابق كجاليما موتلانثى. وقال موتلانثي إن الوضع الحالي في الأراضي الفلسطينية أسوأ من الظروف التي عاشاها السود في ظل نظام الفصل العنصري الذي حكمت من خلاله الأقلية البيضاء. وذكر وزير الاستخبارات السابق في جنوب إفريقيا روني كاسريلز أن الإجراءات الإسرائيلية جعلت الفصل العنصري يبدو وكأنه نزهة. هل نتوقع أن جميع هؤلاء قدامى المحاربين في كفاح جنوب إفريقيا المناهض للفصل العنصري قد فقدوا عقولهم؟ هل من المفترض أن ندينهم على أنهم معادون للسامية؟ كما أن الفصل العنصري بموجب القانون الدولي جريمة محددة ذات تعريفات محددة، والاتفاقية الدولية للحظر والمعاقبة على جريمة الفصل العنصري لعام 1973 طبقته على الأفعال اللا إنسانية المرتكبة لغرض إنشاء أو الحفاظ على سيطرة مجموعة عرقية معينة من الأشخاص على أي مجموعة عرقية أخرى، بما في ذلك الحرمان من حرية التنقل ومصادرة الأراضي. وعرفَّ نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية عام 1998 الفصل العنصري بأنه أعمال لا إنسانية ارتكبت في سياق نظام مؤسسي للقمع المنهجي والهيمنة من جانب مجموعة عرقية واحدة ضد أي جماعة عرقية أخرى بنية الحفاظ على ذلك النظام. وفي الضفة الغربيةالمحتلة، هناك عدم تكافؤ في شبكات الطرق بين المستوطنين الإسرائيليين والفلسطينيين وكذلك شبكات المياه وسياسات الإسكان، ويلتزم المستوطنون الإسرائيليون بالقانون المدني الإسرائيلي بينما يحكم على الفلسطينيين وفقا للقانون العسكري. وتشير جماعات حقوق الإنسان مثل "جمعية عدالة" إلى أكثر من 50 قانونا مختلفا أو مشروع قانون في إسرائيل يميز اليهود عن العرب أو يميز اليهود في مجالات مثل الإسكان والتعليم ولم شمل الأسر. المسألة التي تهمنا هي انتهاك إسرائيل للقانون الدولي، حيث في عام 2009، خلص فريق من الأكاديميين والمحامين بتكليف من وكالة الأبحاث القانونية في جنوب إفريقيا إلى أن إسرائيل تحتفظ بنظام هيمنة من قبل اليهود على الفلسطينيين وهذا النظام يشكل خرقا لحظر الفصل العنصري. وفي عام 2013، أكد أستاذ القانون الدولي والمقرر الخاص السابق للأمم المتحدة المعني بحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة، جون دوغارد، أن الممارسات الإسرائيلية في الأرض المحتلة تمثل انتهاكا للحظر القانوني للفصل العنصري. وبالعودة إلى عام 1967، فاليوم فهم الصحفي جودمان ما كان ديفيد بن غوريون يحاول قوله. فاليوم يرفض المدافعون عن الدولة اليهودية فهم تحذيرات رؤساء الوزراء الإسرائيليين السابقين، وإدانات نشطاء جنوب إفريقيا المناهضين للفصل العنصري، والضوابط الواضحة للقانون الدولي لكن بالنسبة للفلسطينيين فإن هذا الأمر بعيد عن كونه مسألة أكاديمية أو مجرد نقطة نقاش، فعلى مدى أكثر من 50 عاما هم ضحايا الاحتلال والتمييز والاضطهاد. فماذا يوجد أكثر من ذلك ينبغي عليهم أن يتحملوه؟! المقال من المصدر اضغط هنا