جنوب إفريقيا بلد عانى طويلا من حقبة الفصل العنصري، وكافح أبناؤه وأبرزهم الزعيم التاريخي نيلسون مانديلا كفاحا مريرا ضد الممارسات العنصرية، التي كان يمارسها النظام السياسي الأبيض ضد المواطنين السود على مدى طويل. واليوم تقوم جنوب إفريقيا بتحرك جاد ومهم لمقاومة عنصرية إسرائيل لا تلتفت إليه الكثير من وسائل الإعلام ربما لحاجة في نفس يعقوب باستثناء قلة قليلة من الكتاب والصحف الذين سلطوا الضوء على ما يحدث هناك. وفي بادرة هى الأولى من نوعها في البلاد ، قام أكثر من 100 أكاديمي من 13 جامعة في أنحاء جنوب إفريقيا بالتعهد بدعم مبادرة طرحتها جامعة جوهانسبرج لإنهاء التعاون مع الإحتلال الإسرائيلي، ومازالت تلك الحملة تتفاعل وتكتسب زخما ويتزايد أعداد المؤيدين لها من الأكاديميين وأساتذة الجامعات الذين وصل عددهم أكثر من 200 أكاديمي من صناع العقول في الوقت الحالي. وقد وقع هؤلاء على عريضة أكاديمية في صورة بيان يدعو إلى وقف اتفاق للتعاون بين جامعة جوهانسبرج وجامعة بن جوريون في مدينة النقب الإسرائيلية، ومع بروز أصوات مؤثرة من أشهرها القس ديزموند توتو الحائز على جائزة نوبل للسلام في عام ،1984 بالإضافة إلى عشرات الشخصات الرائدة في جنوب إفريقيا تقوى الدعوة لمقاطعة إسرائيل في البلاد. وأوضح البيان أن جامعات إسرائيل ليست مستهدفة بسبب هويتها العرقية أو الدينية، وإنما لتواطئها مع نظام الفصل العنصري الإسرائيلي، وكما يشير البيان الأكاديمي فإن جامعة بن جوريون تحتفظ بصلات فعلية بأعمال الاحتلال الإسرائيلي، وهي بشكل مباشر أو غير مباشر تؤيد الهجمات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين وقتلهم، وذلك عبر تقديم المنح المتميزة والمزايا المالية السخية والمغرية للطلاب الإسرائيليين الذين يخدمون في وحدات القتالية النشطة بالجيش الإسرائيلي، كما تقدم منحًا خاصة للطلاب المدرجين في خدمة الاحتياط، كما أن تلك الجامعة ترعى الأبحاث العلمية التي تسخر لصالح تكنولوجيا التسلح وإنتاج بعض الأسلحة المحظورة التي يستخدمها الجيش الإسرائيلي ضد الفلسطينيين. وينطلق الأكاديميون في جنوب إفريقيا من مبدأ الابتعاد عن المؤسسات التي تدعم الاحتلال وهذه محاولة لفضح النظام الإسرائيلي المدان بمشروع استعماري وممارسات غير شرعية وغير أخلاقية، تعتمد سياسة الأبارتايد لضمان البقاء والاستمرار في المنطقة. وهناك أصوات لشخصيات عامة ومهمة ذات اعتبار في مجتمع جنوب إفريقيا، وتحظى باحترام وثقة في العالم أشهرت سلاح المقاطعة في وجه إسرائيل بسبب ممارساتها العنصرية. وتأتي تلك المقاطعة في الوقت الذي صدر فيه مؤخرا أيضا في جنوب إفريقيا تقرير بعنوان "هل إسرائيل دولة فصل عنصري أبارتايد ؟" عن مركز بحوث العلوم الإنسانية. وهذا التقرير يحمل الصبغة القانونية البحتة غير المتحيزة، والتي لا تكترث كثيرا بالجدل السياسي ويقدم ردا موضوعيا وحياديا من جانب مجموعة من الباحثين الذين كلفهم المركز بإعداد ذلك التقرير الذي استغرق إعداده 15 شهرا واستند إلى بحث الأوضاع والممارسات والسياسات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين انطلاقا من القانون الدولي. وأكد التقرير أن الدول التي تمارس سياسة الفصل العنصري الأبارتيد تستند إلى ثلاثة أسس أو ركائز ووسائل لتكريس الهيمنة لصالح فئة بعينها وفي حالة إسرائيل اليهود والمستوطنين وتتعسف ضد فئة أو فئات أخرى "الفلسطينيين" وتسخر القانون والمحاكم والأجهزة الأمنية لتنفيذ ذلك النهج العنصري. الوسيلة الأولى وضع قوانين عنصرية تتحيز إلى فئة "اليهود" على حساب الأخرين، وهم الفلسطينيون بشكل عام وخاصة الفلسطيني من عرب 48. الأسلوب الثاني تفرق إسرائيل السكان في مناطق جغرافية على أساس الهوية والجماعات المحظية بالتميز والدعم تمنح الأفضلية والأولوية في الاستفادة بالأرض والماء والموارد الأخرى، وهم هنا اليهود وكذلك المستوطنون الذين يحظون بالحقوق التي تنكرها إسرائيل على الفلسطينيين وتحرمهم منها. فقد صادرت إسرائيل الأراضي نحو 50 % من أراضي الضفة الغربية ومنحتها للمستوطنين كما صادرت كذلك مصادر المياة بتحويل مياه نهر الأردن للمستوطنات غير الشرعية القائمة على أراضي محتلة ناهيك عن 87% من مصادر المياه الجوفية. وترك القليل من المياه الجوفية للفلسطينيين بنسبة لا تتجاوز 12% غير عابئة بكيفية توفير نحو 2.5 مليون فلسطيني احتياجاتهم من الماء. الأسلوب الثالث لجوء الدولة الإسرائيلية لسياسات القمع والمعاملة غير الإنسانية وإصدار قوانين صارمة أمنيا لمنع الفلسطينيين من المعارضة والاعتراض على تلك السياسات. إذ يتم محاكمة الفلسطينيين أمام محاكم عسكرية، وتقوم باعتقالات سياسية جماعية وعمليات تصفية، فضلا مع محاكمة الأطفال الفلسطينيين بما ينطوي على مخالفة جسيمة للقانون الدولي. ويخلص التقرير إلى أن كل هذه القرائن والممارسات تثبت بما لا يدع مجالا للشك أن إسرائيل هي دولة "أبارتايد" بامتياز لتكون بذلك الوريثة لإرث العنصرية والفصل العنصري في العالم، رغم أنها بدأت تلك السياسة منذ إعلان قيامها في عام 1948 على يد ديفيد بن جوريون وهي مازالت مستمرة فيها إلى عهد رئيس وزرائها الحالي بنيامين نتانياهو.