عاد التوتر بين الولاياتالمتحدةوكوريا الشمالية إلى سطح المشهد السياسي الدولي في الأسابيع الأخيرة، مع إطلاق كوريا الشمالية لأربعة صواريخ باليستية، اجتازت ما يقرب من ألف كيلومتر؛ ليسقط ثلاثة منها في منطقة تجارية اقتصادية يابانية، في أعقاب تدريبات عسكرية مشتركة ذات طابع دوري أجرتها الولاياتالمتحدة مع كوريا الجنوبية، وأثارت سخط كوريا الشمالية المُعادية للنفوذ الأمريكي والتحالف الأمريكي الأوروبي مع نظيرتها الجنوبية واليابان. يرتبط كل من الولاياتالمتحدةوكوريا الجنوبية بعلاقات عسكرية وثيقة بدأت في مطلع خمسينيات القرن الماضي، وصلت إلى وجود قواعد أمريكية ضخمة تضم ما يناهز 28500 عسكري أمريكي، وتشمل "مظلة نووية" أمريكية (أسلحة نووية تحت الاستعداد الأمريكي للدفاع عن كوريا الجنوبية بوصفها حليف غير نووي)، وهو وضع يمثل تهديدًا استراتيجيًّا دائمًا لكوريا الشمالية الموصومة إعلاميًّا ودعائيًّا بالتفرد في امتلاك ونيّة استخدام الأسلحة النووية في محيط شرق آسيا. وقّع الطرفان في عام 2007 اتفاقية للتجارة الحرة تم استكمالها عام 2010، وتشمل إلغاء 95 % من الجمارك التي يفرضها الطرفان على البضائع المتبادلة، وتكفل إيصال البضائع المتبادلة إلى 360 مليون فرد في البلدين، وتُعَد الاتفاقية الأولى من نوعها بالشراكة مع اقتصاد آسيوي ضخم بالنسبة للولايات المتحدة والأكبر من نوعها منذ اتفاقية "أمريكا الشمالية" للتجارة الحرة التي وقعتها مع كندا والمكسيك عام 1993، كما تُعَد ثاني أكبر اتفاقية للتجارة الحرة توقعها كوريا الجنوبية بعد اتفاقيتها مع الاتحاد الأوروبي؛ مما يعبر عن تنافس اقتصادي أمريكي أوروبي مستمر، رغم اختبائه تحت سطح العلاقات الأمريكية الأوروبية السياسية المتكامِلة والوثيقة في أغلب الأوقات. على جانب آخر سمحت الاتفاقية الضخمة للولايات المتحدة بتحسين وضعها الاقتصادي في التبادل التجاري المشترك مع كوريا الجنوبية؛ لتصبح ثاني أكبر مستورِد من الأخيرة بعد الصين، التي يبلغ حجم استيرادها منها 124 مليار دولار، أي رُبع الصادرات الكورية الجنوبية. كان مشروع "اتفاقية الشراكة العابرة للمحيط الهادئ" أحد فصول العلاقات بين البلدين في عهد الرئيس الأمريكي السابق، الذي اتجهت إدارته لتوقيع الاتفاقية التي تشمل 12 دولة أبرزها اليابان وأستراليا وكندا والمكسيك ونيوزيلاندا وسنغافورة وماليزيا، وستضم حال توقيعها النهائي سوقًا قوامها 800 مليون مستهلك، ممثلة ما يقرب من 40 % من حجم التجارة العالمية، وتحمست كوريا الجنوبية للاتفاقية التي تُعَد الكثير من الدول الموقعة عليها شركاء اقتصاديين كبار للبلاد، في خطوة فسرها المراقبون الاقتصاديون على أنها اتجاه كوري للانضمام للاتفاقية بضمانة سياسية أمريكية، ولكن مع وصول "ترامب" لمنصب الرئيس كان إلغاء المشاركة الأمريكية في الاتفاقية في طليعة قراراته؛ باعتبارها ضد المصالح الاقتصادية الأمريكية، وتفرض شروطًا غير عادلة على الاقتصاد الأمريكي، وسط تكهنات قائمة خلال السنوات الأخيرة بانضمام الصين المنافس الاقتصادي الأشرس للولايات المتحدة إلى الاتفاقية. الفصل الأخير من العلاقات بدأ مع إطلاق كوريا الشمالية تجريبيًّا لصواريخ نووية عام 2016 ، والذي تبعه فتح نقاش مطوّل بين الطرفين، استمر لعدة أشهر، وأثمر عن إعلان النية في نشر منظومة "ثاد" الصاروخية للدفاع الجوي في كوريا الجنوبية، والتي أقامتها أمريكا قرب أراضيها عام 2009 في "هاواي"؛ خوفًا من هجوم كوري شمالي، الأمر الذي دفع الصين إلى اعتراض كبير لم ينجح في إثناء الطرفين عن الدفع بالمنظومة إلى الأراضي الكورية الجنوبية، بعد أعوام من مطالبات كورية جنوبية لأمريكا بتسليمها المنظومة، وصلت إلى حد البحث عن نظير أو بديل للمنظومة خارج سوق السلاح الأمريكي، وقوبلت بتردد أمريكي ظل قائمًا حتى العام الحالي، إلى أن تم التسليم بالفعل في مطلع الشهر الحالي، وفي ذات اليوم، قبل التسليم بساعات معدودة، أطلقت الجارة الشمالية صواريخها الأربعة؛ لتوصِّل رسالة إلى الحلف الثلاثي (أمريكاوكوريا الجنوبيةواليابان) مفادها الاستعداد للتصعيد، ولتغطي الانعدام العارض لقدرة الصين السياسية والدبلوماسية على منع وصول تلك المنظومة إلى الأراضي الكورية الجنوبية، التي تُعتبر مجالًا حيويًّا حاسمًا للأمن القومي الصيني.