شهدت منطقة الهلال النفطي بليبيا تصعيدًا عسكريًّا غير مسبوق في الآونة الأخيرة بعد فترة من الهدوء، حيث عادت المنطقة إلى الواجهة من جديد بعدما شنت «سرايا الدفاع عن بنغازي» المحسوبة على تنظيم القاعدة هجومًا واسعًا. وبينما أعلنت هذه الميلشيات سيطرتها على مطار راس لانوف وميناء السدرة، بعد اشتباكات وصفت بالأعنف منذ فترة طويلة، تضاربت الأنباء حول حقيقة الوضع بالمنطقة بعد إعلان كل طرف انتصاره، وخلفت الحصيلة عدة قتلى بين الطرفين، وأعلن الجيش الليبي على صفحته الرسمية بفيسبوك أن القتلى بين صفوفه وصلوا إلى خمسة، زيادة على 12 جريحًا، فيما وصلت الخسائر البشرية لقوات السرايا إلى أكثر من عشرة. وكان الجيش الليبي بقيادة اللواء خليفة حفتر قد سيطر على منطقة الهلال النفطي قبل شهور في حملة عسكرية واسعة، استهدفت طرد المليشيات المسلحة ومنح الشركات الليبية الفرصة لإعادة التصديرالذي كان متوقفًا منذ سنوات. ويمثل الهلال النفطي أهمية كبيرة للدولة الليبية، حيث يتم من خلاله تصدير الجزء الأكبر من النفط للخارج، لكن يرى مراقبون ليبيون أن النفط الذي لطالما وصف بأنه نعمة أصبح نقمة؛ بسبب أن الكثير من القوى الداخلية والخارجية يستخدمونه كورقة ضغط في كل فترة لتحقيق مصالح سياسية، واستمرارية عدم الاستقرار ونسف الحوار الذي ترعاه دول الجوار الليبي. واتهم البرلمان الليبي في طبرق جهات أجنبية بتنفيذ الهجوم أو الوقوف ورائه، وأعلن أن قوات المعارضة التشادية شاركت في الهجوم على منطقة الهلال النفطي، بالتنسيق مع ميليشيات متطرفة تابعة لتنظيم القاعدة، فرت من مدينة بنغازي، ودعا البرلمان في بيان له، مجلس الأمن الدولي إلى رفع حظر التسليح عن الجيش الليبي؛ لمساعدته فى مواجهة الإرهاب، محملًا المسؤولية كاملة لكل من وفر للجماعات الإرهابية المأوى والدعم المادي والعسكري من أطراف داخلية ودول أجنبية. ويعد هذا الهجوم هو الثالث على مناطق الهلال النفطي منذ نحو 5 أشهر من قبل «سرايا الدفاع عن بنغازي» والتي كانت تعرف في السابق بشوري ثوار بنغازي، وتتكون من أنصار الشريعة والدروع والميلشيات الخارجة عن القانون، ويقال عنها إنها متشددة ومتطرفة. ويأتي تشكيل تلك القوة على خلفية دعوة لمفتي الديار الليبية السابق المعزول الصادق الغرياني، الذي يثار حول شخصيته الكثير من الجدل، بوجوب محاربة حفتر واستعادة بنغازي ومدن الشرق من قبضته، حيث يرى الغرياني الذي كانت حكومة طبرق قد عزلته في وقت سابق أن تنظيم داعش في سرت، وحفتر بمثابة «ثورة مضادة» لثورة فبراير. ورغم نفي حكومة الوفاق الليبية والمجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني المشكل برعاية أممية ومدعوم من الأممالمتحدة، أن تكون له مسؤولية حول ما يجري بمنطقة الهلال النفطي، متحدثًا عن أنه لم يصدر أيّ تعليمات أو أوامر لأي قوة بالتحرك نحو المنطقة، طالبت سرايا الدفاع بعد هجومها بتسليم منطقة الهلال النفطي للمؤسسة الوطنية للنفط والمجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، الأمر الذي ربطه البعض بوجود تنسيق بين الجانبين حول التصعيد العسكري. لكن ما خفف من حدة الهجوم على المجلس الرئاسي هو إدانته بيان هذا التصعيد، مؤكدًا أنه «يتزامن بطريقة مشبوهة مع ما يبذل من جهود مكثفة على مستويات داخلية وإقليمية ودولية لتحقيق المصالحة الوطنية وتوحيد الصف لتجتاز البلاد ماتمر به من محنة»، مجددًا التأكيد أن «النفط هو ثروة الليبيين جميعًا، وهو مصدر زرقهم الوحيد، ولابد من أن يخرج من دائرة الصراع بمختلف مسمياته وأشكاله، وألَّا تكون مناطقه ساحة له». وتعتبر هذه المستجدات في الملف الليبي وفي هذا الوقت بالتحديد ضربة واسعة للحوار الليبي الذي تقوده دول الجوار، وتقويض الجهود التى تقوم بها «مصر وتونس والجزائر» للتوصل إلى حل سلمي يحافظ على وحدة البلاد وحماية الشعب الليبي واستقرار الأوضاع أمنيًّا وسياسيًّا، وهو ما أبداه بعض القوى البرلمانية، مؤكدين أن هذا الهجوم يبدو وكأنه مخطط من بعض القوى الداخلية المدعومة من الخارج لتأزيم الوضع الليبي أكثر.