عادت المغرب من جديد ورسميًّا إلى أحضان الاتحاد الإفريقي، وذلك بعد معركة دبلوماسية ومحاولات سياسية لجذب الدعم الإفريقي لعودتها إلى الاتحاد بعد غياب 33 عامًا عنه، فقد أدركت المغرب أن مقعدها الذي بات فارغًا لسنوات قلل من الدعم الإفريقي لموقفها، واستطاعت الجزائر من خلال هذا الفراغ أن تمد نفوذها بشكل أقوى داخل الاتحاد، الأمر الذي دفع الرباط إلى بذل محاولات حثيثة للعودة مجددًا. عودة مغربية جديدة وافق رؤساء دول الاتحاد الإفريقي، مساء أمس الاثنين، على إعادة عضوية المغرب إلى الاتحاد، بعد أن كان غادره عام 1984، احتجاجًا على قبول الأخير لعضوية جبهة "البوليساريو" التي تطالب بانفصال الصحراء عن المغرب، حيث وافق رؤساء 39 دولة من أصل 54 دولة على إعادة عضوية المغرب إلى الاتحاد الإفريقي، التي تشكل دعمًا ماليًّا للاتحاد الذي يعتمد على التبرعات الخارجية لتمويل نحو سبعين في المائة من ميزانيته. انتصارًا دبلوماسيًّا مغربيًّا منذ أن تولى الملك المغربي، محمد السادس، عرش البلاد في 23 يوليو عام 1999 بعد وفاة والده الملك الحسن الثاني، بدأ يفكر في توسيع النفوذ المغربي في القارة الإفريقية على خلاف والده الذي أدار ظهره إلى القارة السمراء، واتجه إلى تعزيز العلاقات مع القارة العجوز، وهو ما تمكن من تحقيقه على مدار العشر سنوات الأخيرة، حيث عبر الملك المغربي في يوليو الماضي، عن رغبة بلاده في العودة إلى عضوية الاتحاد الإفريقي، لكن وفقًا لميثاق الاتحاد، فإنه يشترط أن تحصل الدولة الطالبة للعضوية على تأييد ثلثي الأعضاء، البالغ عددهم 54 دولة، أي الحصول على موافقة 36 دولة. من ذلك الحين، سعت الرباط جاهدة إلى الحصول على موافقة هذه الدول، وهو ما ظهر في جولات الملك المغربي الأخيرة التي أقدم عليها في أكتوبر الماضي، وزار خلالها رواندا وتنزانينا وإثيوبيا، وفي 17 يناير الجاري زار غانا وزامبيا وجنوب السودان لأول مرة منذ توليه حكم المغرب، ليخرج في نهاية هذه الجولات بتأكيد الحصول على تأييد 42 دولة، الأمر الذي جعل مسألة التصديق على قبول عضوية المغرب مجرد إجراء بروتوكولي شكلي يندرج ضمن الاستحقاقات الروتينية. كان آخر هذه المحاولات الدبلوماسية تلك الجلسة المُغلقة بين القادة الأفارقة التي سبقت الجلسة الافتتاحية بساعات، والتي عُقدت لبحث طلب المغرب العودة إلى عضوية الاتحاد، فعلى الرغم من الموقف اللين الذي أطلقه وزير الخارجية الجزائري، رمطان لعمامرة، لدى وصوله إلى أديس أبابا، مساء الجمعة الماضي، عشية التئام الاجتماع الوزاري التحضيري للقمة، والذي ظهر خلال تصريحاته التي قال فيها: إن المغرب مرحّب به في الاتحاد الإفريقي، ما دام يعتبر نفسه متساويًا في الحقوق والواجبات مع بقية أعضاء الاتحاد ال54، إلا أن مصدرًا إفريقيًّا مطلعًا على مباحثات القمة قال إن القادة المشاركين في القمة فوجئوا بأن الجزائروجنوب إفريقيا الدولتين الأكثر تأييدًا ل"الجمهورية الصحراوية" أو ما يُعرف ب"جبهة البوليساريو"، تمسكتا بموقفهما المعارض لعودة المغرب، مبررين ذلك الموقف بأن "قوانين الاتحاد لا تسمح بقبول عضوية دولة لا تزال تحتل أراضي دولة أخرى". المصدر نفسه أكد أن الجلسة المغلقة شهدت ترحيب أكثر من 32 رئيسًا إفريقيًّا بعودة المغرب، وأشار إلى أن المناقشات ذهبت إلى قبول عودة المغرب بالفعل، حيث أيدت مجموعتا غرب ووسط إفريقيا طلب الرباط، كما أعلنت دول شرق إفريقيا عن دعمها لعودة المغرب، فيما أعلنت بعض دول جنوب القارة تحفظها على الطلب المغربي على خلفية الوضع الحدودي، في إشارة إلى النزاع مع جبهة البوليساريو، وفي الوقت نفسه دافعت بعض الدول عن المغرب في أزمتها مع الجزائر، حيث قالت إن المشكلات القائمة في إفريقيا حول قضايا الحدود تعاني منها أكثر من دولة بالقارة وليس المغرب وحده. ترضيات للجزائر وحلفائها المباحثات والشد والجذب لم تتوقف فقط عند مسألة عودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي مجددًا، بل ألقت بظلالها على كافة استحقاقات القمة الإفريقية، فالجزائر والدول ال12 التي تؤازرها في موقفها السياسي الرافض لعودة المغرب للاتحاد لم تخرج من المعركة السياسية بدون ترضيات، جعلت موقفها أكثر لينًا مما سبق، ومن بين هذه الترضيات التي حصلت عليها الجزائر تعيين الرئيس الجزائري، عبد العزيز بوتفليقه، نائبًا لرئيس الاتحاد الإفريقي، كما تم تعيين رئيس جمهورية غينيا، ألفا كوندي، لتولي الرئاسة الدورية للاتحاد، خلفًا للتشادي، إدريس دبي، مع العلم أن "كوندي" مُقرب من الموقف الجزائري تجاه الأزمة مع المغرب، وكان الإنجاز الجزائري الأكبر هو تعيين التشادي، موسى فكي محمد، في رئاسة المفوضية الإفريقية، وهي الهيئة التنفيذية التي تمتلك الصلاحيات الأوسع داخل الاتحاد، وهو المرشح الذي سعت الجزائر مرارًا لإيصاله إلى رئاسة المفوضية، وبهذا التعيين ضمنت الجزائر استمرار نفوذها داخل لجنة الأمن والسلم التابعة للمفوضية، والتي تهيمن عليها الدبلوماسية الجزائرية منذ 15 عامًا.