اليوم سيكون هو الأهدأ في مسيرة الحياة السياسية للرئيس الأمريكي الجديد، دونالد ترامب، حيث يتسلم مفاتيح البيت الأبيض من سلفه الأمريكي، باراك أوباما، في مراسيم صاخبة اعتادت عليها الولاياتالمتحدةالأمريكية قبل 232 عامًا، فالهدوء الذي يسبق العاصفة التي مهد له أوباما سيضرب سياسات الرئيس الجمهوري الجديد على المستويات كافة الداخلية والخارجية لمكتبه البيضاوي. صحيح أن أوباما كان سببًا بطريقة أو بأخرى في اعتلاء ترامب العرش الأمريكي، جراء اخفاقاته في الكثير من الملفات الخارجية والقليل من الداخلية، إلَّا أن الرئيس الديمقراطي المنتهية ولايته قد يكون سببًا في إخفاق ترامب في مشروعه الرئاسي برمته، فأوباما ورَّث ترامب ملفات عالمية ثقيلة امتدت على مدى 8 سنوات وهي فترة حكم أوباما لأمريكا. ترامب والداخل الأمريكي استطلاعات الرأي في الولاياتالمتحدة تشير إلى أن مهمة ترامب ليست سهلة لإرضاء الشعب الأمريكي، فرغم وصوله للرئاسة عن طريق الانتخاب الشعبي غير المباشر، إلَّا أن التضامن الشعبي معه قبل استلامه كرسي الحكم ليس كما بعده، فقبل أدائه اليمين اليوم، بوصفه الرئيس الخامس والأربعين، نجد أن التأييد الشعبي لدونالد ترامب في الحضيض، ومتوسط نسبة التأييد له تصل إلى حوالي 40% فقط، في المقابل نجد أن أوباما يحظى بشعبية وصلت إلى 60%، وهي النسبة التي تعد من بين أعلى نسب شعبية مقارنة برؤساء الولاياتالمتحدة السابقين. وكان أوباما قد عدد إنجازاته بالقول: «إذا ما أخبركم شخص ما قبل سبع سنوات، سيكون لدينا بطالة 4.9%، و20 مليون مؤمَّن عليه حديثًا وأسعار البنزين عند 1.80 دولار، والعجز خفض بمقدار ثلاثة أرباع، وأصبحت المساواة في الزواج حقيقة واقعة، وبن لادن بات خارج المشهد، وول ستريت تم إصلاحها في المكان، فلن تكونوا لتصدقوا ذلك»، وهنا نجد أن إنجازات أوباما على المستوى الداخلي قد تشكل تهديدًا لترامب، الذي أعلن أنه سيقضي على نظام الرعاية الصحية المعروف باسم «أوباما كير»، الأمر الذي قد يساهم في هياج الرأي العام الأمريكي عليه في ظل انتفاع الملايين من هذا النظام، وعدم وجود بديل حقيقي له. إخفاقات أوباما الداخلية التي تمثلت في زيادة واضحة للعمليات العنصرية ضد السود، لا تبدو أنها ستقل في عهد الرئيس الجديد، خاصة أن ترامب نفسه قدم أجندة عنصرية تمثلت في خطاباته الانتخابية بكلمات عنصرية ضد الأقليات والمسلمين. ومن الواضح أن طريق ترامب الداخلية على مستوى الأجهزة الاستخبارية الأمريكية والدفاع معقدة بعض الشيء، في ظل تسريبات فاضحة لتلك الأجهزة التي تشير إلى علاقة مريبة تجمع بين ترامب وموسكو، والدور الروسي في وصول ترامب للحكم، الأمر الذي يشير إلى أن هناك توجهات داخل تلك الأجهزة لا تتبنى نهج ترامب في مشواره الانتخابي بالتقارب مع بوتين، الأمر الذي قد ينجم عنه صراع داخلي خفي بين الرئيس الجديد وتلك الأجهزة. من الناحية الاقتصادية فالوضع يبدو مبهمًا، فصحيح أن ترامب رجل أعمال في الأساس، لكن توجهاته الجديدة في مناهضة الليبرالية الاقتصادية والغزو الاقتصادي الصينيلأمريكا، وبناء جدار عازل للمكسيكيين لمنعهم من العمل داخل الولاياتالمتحدة، قد ينسف الأسس الاقتصادية التي استقر عليها النظام الاقتصادي الأمريكي لعقود من الزمن وعمل أوباما على تثبيتها؛ كامتناعه عن رفع الضرائب، الأمر الذي قد يترك آثارًا سلبية على الاقتصاد الأمريكي ككل، فالأمر الذي ليس معلومًا حتى الآن ما إذا كان ترامب يعلم أن إدارة الدولة تختلف عن إدارة الشركات. وبالنسبة للكونجرس فإن علاقة ترامب به غير واضحة المعالم، وإذا ما كانت ستكون أفضل من علاقة أوباما بالكونجرس، فأوباما كان يعاني، على حد قوله، من وقوف الكونجرس ضد العديد من مشاريعه وقراراته وتعطيله لها، الأمر الذي كان يدفع أوباما في العديد من قراراته إلى الالتفاف على الكونجرس، وصحيح أن ترامب جمهوري وغالبية الكونجرس من الجمهوريين، إلَّا أن ترامب لا يحظى باحترام الحزب الجمهوري، الأمر الذي كان جليًّا في الانتخابات الأمريكية، وهنا قد تكون طريق ترامب غير ممهدة أيضًا داخل الكونجرس. الملفات الخارجية من الواضح أن ترامب قد يستفيد من بعض سياسات أوباما التي يستطيع أن يبني عليها، كعلاقة أمريكا بالكيان الصهيوني، فصحيح أن أوباما امتنع عن التصويت لصالح قرار يدين المستوطنات الإسرائيلية، لكنه بالمقابل منح إسرائيل أكبر مساعدات مالية وعسكرية قد يمنحها رئيس أمريكي لهذا الكيان، وهو الأمر الذي قد يمكِّن ترامب من تعميق علاقته بتل أبيب أكثر، وإزالة الجفاء معها الناتج عن بعض تصرفات أوباما التي لم يقبلها نتنياهو؛ كالاتفاق النووي الإيراني، خاصة إذا نفذ ترامب وعده بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس. ويمكن لترامب الاستفادة من خطوات أوباما الودية باتجاه اليابان والتي اتسمت بتبادل الزيارات بينهم، وبالنسبة للعلاقة مع كوبا فإذا لم ينفذ ترامب تهديداته بإنهاء التقارب معها في حالة عدم التوصل لاتفاق أفضل، فإنه من الممكن أن يواصل بناء علاقات جيدة معها ويبني فوق ما أنجزه أوباما. أما فيما يخص دول جنوب شرق آسيا، فقد استطاع أوباما إلى حد كبير أن يشكل معهم جبهة موحدة ضد الصين؛ بسبب خلافهم النفوذي مع بكين حول بحر الصينالجنوبي، الأمر الذي قد يسهل إلى حد ما مهمة ترامب في صراعه الاقتصادي المرتقب مع الصين، إذا ما تم الأخذ بالاعتبار أن دولة كالفلبين خرجت من المحور الأمريكي الآسيوي وانحازت مؤخرًا إلى الصين. ومن الدول التي تمتع معها أوباما بعلاقات طيبة هي الاتحاد الأوروبي، فالتناغم الأمريكي الأوروبي وصل إلى ذروته، وهنا يمكن تحديد علاقة ترامب بتلك الدول، وفقًا لمواقفه من الدب الروسي فاقترابه من موسكو قد يعني بالضرورة ابتعاده عن الاتحاد الأوروبي. أوباما وعداؤه لبعض الدول ترك أوباما لترامب إرثًا ثقيلًا من العلاقات الدولية الفاشلة، وعلى ترامب أن يقرر إما متابعة النهج الديمقراطي في التعاطي مع هذه الدول أو تغيير المسار. الصين من الواضح أن ترامب قرر تبني سياسة أوباما المناهضة للصين، بل قد يتم تصعيدها، ففي حملته الانتخابية الرئاسية وعد ترامب بزيادة الضرائب المفروضة على البضائع الصينية بنسبة 45%، تحت ذريعة حماية المنتج الأمريكي، الذي لم يعد بمقدوره منافسة المنتجين الصينيين، وبعد ذلك خرق ترامب سياسة ديبلوماسية تعتمدها واشنطن منذ عقود في تعاملها مع تايوانوالصين، بمحادثته في ديسمبر الماضي هاتفيًّا مع رئيسة تايوان تساي اينغ وين، وتايوان لا تعترف الصين باستقلالها حتى الآن، وكانت واشنطن حتى هذا الوقت تنتهج سياسة «الصين الواحدة»، بعد قطعها علاقاتها الدبلوماسية مع الجزيرة عام 1979. روسيا يبدو أن ترامب يحاول التودد لموسكو على عكس أوباما، نجاح ترامب في التقارب مع بوتين قد يساهم في حل العديد من الملفات الإشكالية كملف ضم روسيا لجزيرة القرم إليها، الأمر الذي أدى إلى فرض عقوبات اقتصادية عليها، بالإضافة للحلحلة في كثير من الملفات الشرق أوسطية، كالملف السوري والعراقي واليمني والبحريني والليبي، لكن الوصول لعلاقات طيبة مع موسكو ليس بالأمر السهل، فأوباما أغلق معظم أبواب التقارب مع موسكو، بالعقوبات الاقتصادية الأخيرة التي فرضها على موسكو وطرده دبلوماسيين روس وعائلتهم من واشنطن، وحتى لو نجح ترامب في التقارب مع بوتين، فإن ذلك قد يهدد علاقته مع الاتحاد الأوروبي، الذي كان يتبنى سياسة أوباما السابقة والمعادية لروسيا، وترامب كان قد لوح في السابق إلى ضرورة أن يتحمل الاتحاد الأوروبي ثمن حماية الولاياتالمتحدة له. يذكر أن الاتحاد الأوروبي متورط مع أوباما في سياسات معادية لروسيا؛ كفرض العقوبات الاقتصادية عليها ونشر درع صاروخية في دول أوروبا الشرقية الحدودية لروسيا. الدول العربية وإيران وتركيا لم يترك أوبامًا إرثًا جيدًا لترامب في التعاطي مع الدول العربية، خاصة الخليجية منها وما يخص القضية الفلسطينية، ويبدو أن الفتور في العلاقات الأمريكية الخليجية في عهد أوباما قد يتصاعد في عهد ترامب إلى ما هو أبعد من ذلك، خاصة بعدما وصف ترامب السعودية بالبقرة التي سيتم ذبحها بعض نضوب ضرعها، وعلى دول الخليج دفع ثمن الحماية الأمريكية لها. وفيما يخص القضية الفلسطينية فلن يختلف الدعم الأمريكي لإسرائيل، ويبدو أن ترامب أكثر تحمسًا لتقديم الخدمات لهذا الكيان، فترامب أبدى رغبته في إلغاء القرار الأممي الذي يدين المستوطنات الإسرائيلية، ونقل سفارة بلاده للقدس وغض الطرف عن بناء المستوطنات، بالإضافة للإطاحة حتى بفكرة حل الدولتين. وبالنسبة لطهران إذا كان أوباما أكثر مرونة في التعاطي مع الملف النووي الإيراني، فإن الرئيس الجديد هدد بتمزيق هذا الاتفاق، وهو الأمر الذي ينذر بأن ترامب يحمل أجندة أكثر عدائية من تلك التي كان يتبنها أوباما، خاصة أنه عيّن وزراء ومستشارين له يناصبون العداء لإيران ولحركات المقاومة العربية بالمنطقة، وبالتالي قد تتعقد مسارات الحلول السياسة في الأزمة السورية، رغم إعطاء ترامب أولوية للقضاء على الداعش على حساب إسقاط النظام السوري. وبالنسبة لأنقرة فإن أوباما ابتعد عنها مؤخرًا بسبب دعمه للأكراد في سوريا، وهو ضد الرغبة التركية، بالإضافة لامتناعه عن تسليم فتح الله جولن، الذي تتهمه أنقرة بمحاولة الانقلاب العام الماضي للإطاحة باردوغان، وهنا يملك ترامب مفاتيح أنقرة، خاصة إذا ما أراد الرئيس الأمريكي الجديد استرجاعها من الحضن الأمريكي. ومن المبكر الحكم على تصرفات ترامب الرئاسية فالرئيس الجديد قبل استلامه مقاليد الحكم ليس كبعده، كما أن الولاياتالمتحدة دولة مؤسسات، لا يستطيع ترامب أن يعزف منفردًا فيها بعيدًا عن سياساتها.