في أواخر نوفمبر الماضي، استيقظ المصريون على جريمة قتل الرئيس التنفيذي لبنك أبو ظبي الإسلامي، نيفين لطفي، وقعت في فيلتها بمدينة السادس من أكتوبر، وأوضحت تحقيقات النيابة وقتها أن المتهم توجّه إلى فيلا المجني عليها يوم الحادث، ودخلها من خلال سُوَر الفيلا المجاورة لها، ووقعت جريمة القتل والسرقة فيما بعد. الجريمة الشنعاء دفعتنا إلى دخول عالم الحراسات وأفراد الأمن وطريقة توظيفهم وما خضعوا له من تدريبات لتأهيلهم لحراسة الأفراد والمنشآت، خاصة أن مدير بنك أبو ظبي الإسلامي قُتلت في كومبوند "سيتي فيو"، والمفترض أن تحرسه شركة أمن خاصة توكل إليها حماية وتأمين المنشآت السكنية في المدن الجديدة. لكن فؤجئنا عند الذهاب للمنطقة الواقعة على بعد 40 كيلومتر من العاصمة على طريق القاهرةالإسكندرية الصحراوي، بعدم وجود شركة أمن خاصة تحرس الكومبوند، بل مجرد أشخاص لا يتبعون أية شركات أمنية، إنما طريقة توظيفهم جاءت عن طريق اتحاد ملاك الكومبوند بشكل مستقل. وجاء الأمر بالمخالفة للمادة الثانية من القانون رقم 86 لسنة 2015 الخاص بشركات حراسة المنشآت ونقل الأموال التي تنص على "مع عدم الإخلال بأحكام القانون 68 لسنة1970في شأن الحراس الخصوصيين وبحق الأشخاص الطبيعيين أو الاعتباريين في حراسة منشآتهم وأموالهم، لايجوز مزاولة أعمال حراسة المنشآت أو الأموال إلا عن طريق الشركات المرخص لها بذلك وفقا لأحكام هذا القانون ولا يجوز تأسيس شركة تزاول الأعمال المشار إليها بغير إذن مسبق من وزارة الداخلية وبعد موافقة المخابرات العامة". ويصل عدد أفراد الأمن في مصر 120 ألف شخص، حسب بيان من شعبة الحراسة والأمن التابعة لاتحاد الغرف التجارية حصلت "البديل" على نسخة منه، حيث تتراوح مرتباتهم ما بين 1200 و1500 جنيه شهريا، مقابل 12 ساعة عمل يوميا. صورة بطاقة وشهادة الجيش.. طالبات التوظيف بالأمن وقف مصطفى السيد، الشاب ذو ال27 عاما، أمام أحدى بوابات كومبنوند "سيتي فيو" يؤدي مهمته في ضبط الأمن أمام بوابات تلك المنطقة النائية، وأكد ل"البديل" أن مقتل نيفين لطفي وقعت في منطقة أخرى غير التي يحرسها، لم يكن بها كاميرات مراقبة، موضحا أن الكومبوند ينقسم لخمس مناطق (a,b,c,d,e)، كل واحدة لها اتحاد ملاك منفصل عن الآخر، وبالتالي أفراد أمن مختلفون عنهم تماماً، قائلا "احنا مش تبع أي شركة أمن، اللي بيعينا اتحاد الملاك فقط، عقودنا تبع اتحاد ملاك المنطقة الأولى من سيتي فيو". مصطفى الذي يعمل حارس أمن منذ خمس سنوات، أوضح أنه في بداية عمله بالكومبوند، كان لواء جيش سابق عيّنه اتحاد الملاك، مسؤول عنهم، وأن إجراءات تعينهم اقتصرت على مقابلة قصيرة قدموا فيها مؤهلاتهم وصورة من بطاقة الرقم القومي وشهادة إنهاء الخدمة العسكرية، وبعدها استلموا كل فرد منهم "طبنجة" وزي رسمي، مضيفا "أنا كان عندي خبرة أمن قبل كده، لكن فيه غيري معندهمش خبرة ومش بيعرفوا يستخدموا السلاح وتم توظيفهم". عادل فتحي، شاب في عقده الثالث، يعمل حارس أمن لأحد كومبوندات مدينة السادس من أكتوبر قال ل"البديل"، إن طبيعة عمله تقتصر على الوقوف أمام البوابات الرئيسية للمنطقة السكنية لتفتيش المارة، بالإضافة لوجود عدد من زملائه يستقلون سيارة تتبع تمر على الوحدات السكنية وعلى الأسوار بالداخل، وأضاف "فيه بوابات وخدمة داخلية، ومعانا سلاح مرخص، وبشتغل 12 ساعة في اليوم، نظام شيفتات، كل بوابة بيبقى عليها 4 أفراد أمن، فيه بوابة عليها 2 فرد فقط حسب كل منطقة عشان الخدمة الداخلية". وأكد أنهم يتبعون اتحاد الملاك وليست شركات أمن، وأن طريقة توظيفهم اقتصرت على صورة من بطاقة الرقم القومي، وشهادة الجيش، متابعا "أهم حاجة صورة البطاقة، وتكون بتعرف تستخدم السلاح، مش بيدققوا على المؤهلات الدراسية". الأهالي: بعض حراس الأمن ارتكب جرائم سرقة واغتصاب "مفيش أمن في الكومبوندات، حوادث السرقة كتيرة من أفراد الأمن والشغالات، الأمن مش مؤهلين بيجيبوهم من غير مايسألوا عن مؤهلاتهم ولا أي شيء، وهما ناس غلابة ومنهم مسجلين خطر كمان، مش بيكشفوا عن صحيفة الحالة الجنائية بتاعتهم".. كلمات استهلت بها سحر عبد الله، سيدة أربعينية، حديثها ل"البديل"، مؤكدة أن لها تجربة مريرة مع أفراد الأمن الذين كانوا يحرسون كومبوند كانت تمتلك به فيلا منذ خمس سنوات، حيث قررت عرضها للبيع بسبب المبالغ الطائلة التي كانت تدفعها كصيانة دورية كل شهر لأفراد الأمن دون أن تجد الخدمة المناسبة لحراستها. وأضافت: "جيراني اتسرقوا، واكتشفوا بعدها أن أفراد الأمن هما اللي سرقوهم، واكتشفوا أن كان فيهم ناس مسجلين خطر واتقبض عليهم، بالإضافة لسرقات كثيرة كان الأمن متروط فيها مع الشغالات"، متابعة أن حوادث كثيرة قتل وسرقة حدثت في غياب أفراد الأمن لأن معظمهم غير مدربين، وبعضهم كانوا متورطين.. احنا كنا بندفع فلوس كتير للأمن ومفيش خدمات بيقدموها لنا، فكرة الكومبوند سيئة جدا". هالة شكري، سيدة أخرى في عامها ال35، تشكوا من الخدمة السيئة التي يقدمها أفراد الأمن في أحد كومبوندات مدينة السادس من أكتوبر؛ لأنه بحسب حديثها ل"البديل"، أفردا الأمن تورطوا في جرائم سرقة وجرائم مخلة بالشرف، وأضافت: "حادثة غريبة حصلت كان سببها حارس أمن اغتصب أحد الأطفال في الكومبوند وهدد أهل الطفل وبعدها الشرطة جاءت وقبضوا عليه، وكان سلوكه سيئ ومع ذلك، اتحاد الملاك عينوه فرد أمن، ده بيحصل كتير يجيبوا ناس سلوكهم سيئ وبعضهم بدون خبرة أو مؤهلات ويوظفوهم حراس أمن". دون مؤهلات ليست الكمبوندات فقط التي توظف حراس أمن غير مؤهلين، فيكفى أن تضغط على زر جوجل وتكتب في محرك البحث كلمة "وظّفني" ستجد مئات من الإعلانات عن وظائف أفراد تعلن عنها شركات متخصصة في بيع الملابس والأعمال تطلب أفراد أمن دون أية مؤهلات أو خبرات وبمرتبات تتجاوز 1700 جنيه. في أقل من ربع ساعة أثناء بحثنا على "جوجل"، تواصلنا مع عشرات من الشركات التي تطلب أفراد أمن بدون خبرة أو مؤهلات، إحدى الوظائف في معهد تعلمي، وأخرى في محل ملابس وثالثة في شركة لاستيراد وتصدير، ورابعة في مصنع ملابس أيضا، كلها لا تشترط وجود خبرة أو مواصفات لفرد الأمن. مرتب فرد الأمن لا يتجاوز 1600 جنيه، حسب إعلانات مبومة كثيرة على الإنترنت وجريدة الوسيط، وأثناء بحثنا وجدنا عددا كبيرا من شركات ومصانع تطلب أفراد أمن للعمل لديهم بشكل عشوائي دون أي خبرات أو مواصفات بعينها، من بينها إعلان في الوسيط عن لإحدى شركات يبع الملابس الجاهزة، تعلن عن حاجتها للوظائف من ضمنها أفراد أمن، ولا تشترط أن يكون لديهم خبرة أو مواصفات بعينها. تواصلنا مع الشركة، وكل ما طلبته أوراق صحيفة الحالة الجنائية وشهادة الخدمة العسكرية وصورة من بطاقة الرقم القومي فقط، وشهادة دراسية إن وجدت، كشرط أساسي لاتمام المقابلة، أحد الموظفين قال لنا "أهم حاجة الفيش والتشبيه عشان العقد ممكن تيجي تشتغل أول شهر لحد ما تعمل الفيش والتشبيه، بس لازم يكون معاك بطاقة لحد ما تكمل أوراقك، والمرتب لن يزيد عن 1300 جنيه"، وأضاف "مش هتعمل حاجة غير انك هتبقى واقف على باب المصنع تشوف اللي رايح واللي جاي". قانون قيد التنفيذ "مفيش شك الفترة الأخيرة كانت وظيقة حارس الأمن في مصر تتسم بالعشوائية، ولا يوجد أي تنظيم لعملها، زمان الشركات كانت بتلف على القهاوي وتاخد عمال منها وتلبّسها لبس أمن ويبقوا حراس أمن بدون أية مؤهلات أو مواصفات ولا حتى صحيفتهم الجنائية ومش بيبقى فيه تدريب ليهم للأسف".. هكذا قال رئيس شعبة الحراسة والأمن في الغرفة التجارية، اللواء عادل عمارة، لكنه متفائل من تشريع قانون جديد ينظم وظيفة حارس وشركات الأمن الموجودة في مصر، وينتظر إقرار القانون أواخر الشهر الجاري، حيث يؤكد أن الهدف الأساسي من القانون هو تنظيم الفوضى الموجودة في وظيفة الأمن، وسيكون ملزم وله شروط لأفراد الأمن، وسوف يشتطر على كل أفراد الأمن أن يجتازوا دورة تدريبية واحدة على الأقل، وأن يكون لديهم خبرات معينة، واختيار الفرد المناسب صحياً. وعند سؤاله عن الشركات التي تُعلن عن وظائف لحراس أمن دون أية مؤهلات أو شروط، قال إن القانون أعطى للأفراد حق توفير الأمن لأنفسهم وعلى مسؤوليتهم الشخصية، بمعنى "أنا كيان أو مؤسسة خاصة محتاجة فرد أمن يحرسني من حقي اختاره أي فرد أمن طبقاً لاحتياجاتي وضروراتي، لكن فيما يتعلق بعقود وشركات الأمن والحراسة، لابد أن يكون فيه ترخيص لهذه الشركات وبطاقة تأمينية لها، وجميع الإجراءات القانونية". وأوضح أن دور شعبة الأمن والحراسة يقتصر على وضع آلية لمواصفات العاملين في المهنة وأجورهم وإعداد التشريعات التي تنظم عملها، فالشعبة تجمع معنوي للعاملين في مهنة الحراسة، مضيفا أنه طبقاً للقانون الجديد، فشركات الأمن ستدفع تكلفة للرخصة والنقل "كل شركة هتدفعع تكلفة بعينها وفيه رسوم بتطلع على كل فرد أمن في الشركة حوالي 100 جنيه، بالإضافة للشركةة بتدفع رخصة ب50 ألف جنيه، كل هذه التكلفات تم دفعها من كل الشركات، متابعا أنهم في شعبة الحراسة يقدرون مرتب فرد الأمن كحد أدنى 1200 جنيه، مستهدفين أن يصل لألفي جنيه الفترة المقبلة، ومن يتحمل الزيادة سيكون العميل، سكان الكومبوندات وأصحاب المنشآت التي يحرسها أفراد الأمن. 50 شركة أمن في مصر عدد شركات الأمن المسجلين في شعبة الحراسة والأمن حتى الآن يصل ل50 شركة، بينهم شركات أجنبية، وطبقا لحديث عمارة، فإن القانون الجديد يشتطر أن يكون ملاك شركات الأمن مصريين وأن تكون جميع الأسهم في الشركة مصرية، ما سيجعل هناك مشكلة لعدة شركات أجنبية تعمل في مصر من بينها شركةg4s البريطانية الدنماركية، التي بدأت أعمالها في مصر عام 2001، وكان يدير فرعها في مصر الخبير الأمني، الراحل سامح سيف اليزل. وبجانب شركةg4s ، هناك ثلاث شركات آخرين يسيطرون على سوق الأمن في مصر، منهم شركة فالكون التابعة للبنك التجاري الدوليCIB ، والتي بدأت أعمالها كقسم للحماية والأمن في بنك تشيس ناشيونال قبل أن يتغير اسمه للبنك الدولي، حيث تأسست في عام 2006 من أجل ثلاث خدمات أساسية، وهى تأمين وحماية المنشآت وأنظمة الحماية الإلكترونية ونقل الأموال، ووصل عدد أفرادها الموظفين ل12 ألف موظف. تسيطر الشركة على 45% من سوق الخدمات الأمنية في مصر، ووصلت أرباحها في عام 2014 ل216 مليون جنيه، ومن ضمن الأماكن التي كانت مسؤولة عن تأمينها، مقر الحملة الانتخابية للفريق أحمد شفيق فى انتخابات 2012، ثم تولت أيضا تأمين الحملة الانتخابية للرئيس عبد الفتاح السيسى، بالإضافة إلى تأمينها بنك مصر وبنك القاهرة والبنك الأهلي وبنك الإسكندرية والبنك التجاري الدولي، إضافة إلى بنك HSBC، والسفارة السعودية والكويتية، وتأمين مقار العديد من الشركات الدولية مثل بالم هيلز، وموبينيل، وبيبسى، وكوكاكولا، ومنصور شيفروليه، وعدد من الجامعات المصرية. وتأتي شركة كوين سيرفس لخدمات الأمن فى المرتبة الثانية، ضمن أكبر 10 شركات أمن تعمل بمصر، وهى إحدى شركات جهاز مشروعات الخدمة الوطنية التابعة لوزارة الدفاع، وتعمل في مجالات عديدة، منها أنظمة الأمن والحراسة والأعمال البحرية، المنافس الرئيس في السوق المحلية لشركة كير سيرفيس، التي يرأسها عادل عمارة، رئيس شعبة الحراسة والأمن بالغرفة التجارية التي تأسست عام 1979، والمتخصصة فى تأمين عدد من المشروعات الحكومية ومترو الأنفاق، وجامعة عين شمس، وجراج التحرير، ومستشفى جامعة الزقازيق، بالإضافة لبعض العقود مع وزارتي النقل والبيئة، والبنوك الحكومية. وشركة زد عبر البحار والكنانة، وهي محدودة النشاط، ومؤخرا أسند لها مهمة حراسة جامعتي القاهرة والأزهر، ضمن خطة تكليف الشركات الخاصة بحراسة الجامعات، وشركتا الرواد والأمان للخدمات، وتوب سيرفيس، والفرات للحراسات الخاصة، والشركة المصرية البريطانية للخدمات الأمنية، وتاتش جروب، وفرست باور، وبروتكشن.