مع اقترابها من إتمام 4 سنوات في مكتب الرئاسة، تعاونت رئيسة كوريا الجنوبية، بارك جيون هاي، بشكل وثيق مع الولاياتالمتحدة، خاصة فيما تعلق بالتعامل مع جارتها كوريا الشمالية. ولكن التصويت الذي جرى يوم الجمعة الماضية حول مساءلتها يلقي ببلدها وبالسياسة الأمريكية في المنطقة، إلى نقطة الشكوك العميقة، وسط تقدم البرنامج النووي لكوريا الشمالية، كما تفتح تصريحات الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، بالتعامل مع كوريا الشمالية، بابا للتساؤل عما إذا كانت إدارته ستتبع أسلوب ضبط النفس حال وقع عدوان كوري شمالي. اتبعت بارك، نهجا متشددا تجاه كوريا الشمالية، كما ركزت على فرض عقوبات أكثر صرامة، ووافقت إدارتها على نشر نظام صاروخي أمريكي متقدم، مما أثار غضب الصينيين. حتى الآن، انخفضت شعبية بارك، نتيجة فضيحة استغلال النفوذ والتي دفعت أعضاء حزبها لمحاولة الإطاحة بها، ولكن هذا يزيد من احتمال أن الفائز في الانتخابات القادمة قد يكون له الكثير من العلاقات الودية مع الصين. تم تعليق سلطات بارك، وهو ما اعتبرته المحكمة الدستورية بمثابة عزل لها بشكل دائم، وبالتالي على كوريا الجنوبية عقد انتخابات لاختيار رئيس جديد خلال 60 يوما، كما أن رئيس الوزراء هوانج كيو آهن، هو الآن القائم بأعمال الرئاسة. على الصعيد المحلي، عزل الرئيس الكورية أحدث مثال على استمرار استشراء الفساد على مستويات عالية في الحياة السياسية الكورية الجنوبية، في الوقت الذي يتباطأ فيه الاقتصاد. اتهم البرلمان الكوري بارك، بأنها مارست انتهاكات واسعة وخطيرة للدستور والقانون، وجاء ذلك عقب أسابيع من الكشف عن العديد من الأضرار داخل الحكومة، والتي دفعت الكوريين إلى الخروج والاحتجاج في الشوارع، لتكون أكبر احتجاجات في تاريخ البلاد. حاولت بارك، الدفاع عن نفسها، ولكنها بعد ذلك ألمحت إلى أنها ستستقيل من منصبها، حيث اتهمت بالسماح لأحد المقربات لها، وهي ابنة زعيم طائفة دينية، بممارسة نفوذ ملحوظ على بعض الأمور الخاصة باختيار كبار المسؤولين الحكوميين، ومساعدتها في ابتزاز عشرات الشركات الكورية الجنوبية بمليارات الدولارات. تجمع الآلاف خارج مبنى البرلمان في يوم الجمعة الماضية، بعد الإعلان عن الخبر، وصوت 234 نائبا لصالح الاتهامات الموجهة للرئيسة، من أصل 300 نائب، وكان التصويت بالاقتراع السري. وصلت بارك، 64 عاما، إلى السلطة في أوائل عام 2013، مدعومة من غالبية الكوريين، والذين أملوا في أن تكون نسخة حديثة من والدها العسكري الكوري الذي ينظر إليه على أنه مجدد كوريا الجنوبية، ولكن بدلا من ذلك، أصبحت أقل الزعماء شعبية منذ بدء ممارسة الديمقراطية في البلاد في أواخر الثمانينات، وفقا لاستطلاعات الرأي الأخيرة، وقال المنتقدون إنها أكثر استبدادية واستخداما للسلطة لتكميم أفواه المعارضين، في حين تتم حمايتها من قبل مجموعة من المستشارين. كانت آخر مرة خرج فيها الشعب الكوري إلى الشوارع في عام 1960، لطرد زعيمه الذي لا يحظى بشعبية، وقد وقعت معارك دامية مع رجال الشرطة المسلحين بالبنادق، أجبرت هذه الانتفاضة الزعيم لي سونغ مان، على الاستقالة والهرب خارج البلاد إلى المنفى في هاواي، أما نائب الرئيس لي كي بونج، فقد انتهت حياته وحياة عائلته بالانتحار الجماعي مع وصول الفوضى والغوغاء إلى منزله في سيول. في العقود اللاحقة، حين طالبت كوريا بالمزيد من الديمقراطية، رفض العسكريون الكوريون بما في ذلك والد بارك، وقمعوا الاحتجاجات بوحشية من خلال الأحكام العرفية والتعذيب حتى وصل الأمر إلى تطبيق حكم الإعدام على المعارضين. وفي عام 1987، اندلعت أعمال العنف مرة أخرى مع خروج الناس إلى الشوارع للمطالبة بانتخابات رئاسية حرة، واضطرت الحكومة العسكرية للتراجع، أما هذه المرة فتدل الوقائع على نضج الديمقراطية في كوريا الجنوبية، حيث الحشود السلمية دون اعتقال أحد. نيويورك تايمز