محدث.. محكمة العدل الدولية: إسرائيل ملزمة بضمان وصول الاحتياجات الأساسية إلى سكان قطاع غزة ونفاذ المساعدات    صحة غزة تعلن حصيلة جديدة لشهداء وجرحى العدوان    محافظ شمال سيناء: لدينا 3 خطوط طبية لاستقبال المصابين من غزة    الكاف يعين طاقم تحكيم من بوتسوانا لمواجهة بيراميدز بدوري أبطال أفريقيا    ضبط 3 صناع محتوى لبثهم مقاطع فيديو تحتوي ألفاظ خادشة للحياء    غلق كوبري الأزهر السفلي لمدة 3 أيام بسبب تغيير الأرضية.. والمرور يعين خدماته    الجمعة.. مي فاروق والحجار وفرقة أوبرا الإسكندرية يحيون 3 حفلات ضمن مهرجان الموسيقى العربية    الشركة المصرية لمستحضرات التجميل (ECC) تفتتح أحدث خطوط الإنتاج للمكملات الغذائية باستثمارات 200 مليون جنيه    رئيس الوزراء: نقف على مسافة واحدة من جميع المرشحين في انتخابات النواب    وزير التعليم العالي يؤكد ضرورة توجيه البحث العلمي لخدمة التنمية الاقتصادية وخلق فرص عمل للشباب    مجلس كنائس مصر: مؤتمر الكهنة والرعاة جسد رسالة الكنسية في خدمة الإنسان والمجتمع    الخارجية الروسية: تحضيرات القمة بين بوتين وترامب مستمرة    اعتماد تنظيم الكونغرس الأول للإعلام الرياضي في ديسمبر 2026    الكنيست الإسرائيلي يقر مقترح قانون ضم الضفة الغربية بالقراءة التمهيدية    وزير الخارجية الإسرائيلي: لا يوجد لإسرائيل صديق أعظم من الولايات المتحدة وممتنّون لإدارة ترامب على دعمها الثابت لإسرائيل    أخبار السعودية.. مدير الأمن العام يرأس وفد بلاده بمؤتمر القمة الدولية للشرطة بسول    لتوفير 1500 فرصة عمل.. 12 شركة في الملتقى التوظيفي الأول بجامعة حلوان (تفاصيل)    الشرقية تكرم رحاب رضوان لاعبة رفع الأثقال البارالمبي لحصولها على الميدالية الذهبية في بطولة العالم    طارق قنديل يتحدث عن حلم استاد الأهلي وميزانية النادي غير المسبوقة    مجلس الوزراء في اجتماعه ال63 برئاسة الدكتور مصطفى مدبولي يوافق على حزمة قرارات لدعم الصناعة والإسكان والسياحة والنقل    تركيب 1662 وصلة مياه مجانية للأسر الاولى بالرعاية بالفيوم    محافظ الغربية يستجيب لشكاوى المواطنين بحملة على المخابز بقرية الدلجمون    محافظ أسوان يتفقد طلاب جامعة بنها المصابين في حادث طريق أبو سمبل.. ويوجه بتقديم الرعاية الكاملة    حبس المتهم بإنشاء كيان تعليمي وهمي للنصب على المواطنين بمدينة نصر    الحبس 3 أشهر لمتهم بسب الإعلامية بسنت النبراوى    مصر تدعو لتمثيل عادل للدول الإفريقية بالمؤسسات الدولية والبنوك الإنمائية    الحكومة تتابع اللمسات النهائية قبل افتتاح المتحف المصري الكبير رسميًا    أكرم القصاص ل اليوم : القمة المصرية الأوروبية تتويج لسياسة خارجية متوازنة وفاعلة    انطلاق المؤتمر السنوي الثالث لمركز الكبد والجهاز الهضمي بدماص بالمنصورة.. غدًا    مرض الجدري المائي.. الأعراض وطرق الوقاية    تزامنًا مع تعامد الشمس على رمسيس الثاني.. رفع درجة الجاهزية القصوى بجميع منشآت الرعاية الصحية بأسوان    قائمة ريال مدريد - غياب 5 مدافعين ضد يوفنتوس.. وميندي يعود لأول مرة منذ 6 أشهر    الجبلاية توافق على رحيل أسامه نبيه وتبحث عن مدير فني للمنتخب الأولمبي    الحكومة تقرر إتاحة خدمات السجل التجاري عبر مكاتب البريد المصري    الوعي الوطني ومواجهة التحديات، ندوة مشتركة بين مجمع الإعلام وجامعة الفيوم    وكيل التعليم بالجيزة يستبعد مدير مدرسة خلال جولة مفاجئة في الهرم والعمرانية    أفضل 5 وجبات خفيفة صحية لا ترفع السكر في الدم    فئات ممنوعة من أداء مناسك الحج    الرقابة المالية تمد وقف تلقي طلبات التأسيس لنشاطي التمويل الاستهلاكي ومتناهي الصغر بالطرق التقليدية لمدة عام    النجم التركي كان أورجانجي أوغلو: أتطلع لزيارة الجمهور في منازلهم بمصر    محمد عبده يقبل يد المايسترو هاني فرحات : "ونكيد العوازل بقي "    البترول: مصر تُصدر 150 ألف متر مكعب من الغاز المسال إلى تركيا لصالح توتال إنيرجيز    تراجع ظاهرة السحابة السوداء بالشرقية    الأقصر تتحرك لدعم موسم سياحي استثنائي.. لقاء موسع بمشاركة خبراء ومختصين    بيحبوا يكسروا الروتين.. 4 أبراج لا تخشى المخاطرة وتحب انتهاز الفرص    إحالة أوراق سائق للمفتي بعد اتهامه بقتل مزارع وتزعُّم عصابة للإتجار بالمخدرات في القليوبية    وزير الإسكان: تخصيص 408 قطع أراضٍ للمواطنين بمنطقة الرابية    «مصر» ضمن المرشحين لجائزة أفضل منتخب إفريقي في 2025    القنوات الناقلة لمباراة بايرن ميونخ وكلوب بروج في دوري أبطال أوروبا    نائب وزير الصحة يتفقد جاهزية الخدمات الطبية والطوارئ بميناء رفح البري    منال عوض: نسعى لحل مشاكل المواطنين والتواجد المستمر على أرض الواقع    مفتي الجمهورية: الله تولى بنفسه منصب الإفتاء وجعله من وظائف النبوة    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاربعاء 22-10-2025 في محافظة الأقصر    جوائز كاف - بيراميدز ينافس صنداونز على أفضل ناد.. وغياب الأهلي والزمالك    حكم القيام بإثبات الحضور للزميل الغائب عن العمل.. الإفتاء تجيب    حين يتأخر الجواب: لماذا لا يُستجاب الدعاء أحيانًا؟    سماء الفرج    موعد شهر رمضان المبارك 1447 هجريًا والأيام المتبقية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قراءة في كتاب: التقشف.. تاريخ فكرة خطرة
نشر في البديل يوم 06 - 12 - 2016

بدأت مصر مؤخرا في تطبيق سياسات تقشفية بناء على نصائح صندوق النقد الدولي، في محاولة، كما تدعي الحكومة، لإنقاذ الاقتصاد المصري من الانهيار، في نفس الوقت، تتعالى صيحات بعض الاقتصاديين المصريين وغير المصريين، محذرين الحكومة المصرية من تبعات السياسات التقشفية، ومن تكرار أزمات سلسلة طويلة من الدول التي طبقت تلك سياسات.
من هنا تأتي أهمية كتاب التقشف .. تاريخ فكرة خطرة، للاقتصادي الإسكتلندي مارك بليث، الذي يعمل أستاذا في جامعة براون الأمريكية، الكتاب الصادر عام 2013، وترجمه إلى العربية عبد الرحمن أياس ضمن إصدارات سلسلة عالم المعرفة، ليقدم أطروحة "ضد تقشفيه" تنتمي الى المدرسة الكينيزية (نسبة للاقتصادي الإنجليزي جون ماينارد كينز) مبينا لماذا يعد التقشف فكرة خطرة.
مقدمة وتمهيد
ما التقشف؟.. " هو مجموعة من السياسات التي تسعى إلى تخفيض العجز في الموازنات الحكومية من خلال تقليص الإنفاق العام (الحكومي) أو جمع عائدات ضريبية أكثر أو مزيج من الأمرين" بهدف استرجاع التنافسية. تلك السياسات، وفق مؤيدي التقشف، تلهم "ثقة الأعمال" وتضمن أن الحكومة لن "تزاحم" السوق على الاستثمار عن طريق امتصاص رأس المال المتوافر في الأسواق من خلال إصدار سندات الدين الحكومية.
يري بليث أن مؤيدي التقشف يميلون إلى نسيان "أن على شخص ما أن ينفق ليتمكن شخص آخر من الإدخار "فلو أن كل الدول أو كل الشركات في سوق ما قررت تخفيض الأجور للحفاظ على تنافسية أسعار منتجاتها لن تجد مستهلكين مستعدين للإنفاق على تلك السلع والخدمات. فأفكار مؤيدو التقشف تقع دائما في "مفارقة الإدخار" التي وصفها كينز حين قال: إن ادخرنا جميعا معا يختفي الاستهلاك الحافز للاستثمار.
يرى بليث أزمة أخرى، تحكم تفكيرنا في التقشف، لكنها أزمة معنوية تلك المرة، وهي المقارنة الخاطئة بين مفهومين مضللين هما "التقشف الحسن" و"الإنفاق الردئ". ومدي سهولة استخدامهما سياسيا لصالح السياسي.
لماذا علينا جميعا أن نتقشف!
يشرح بليث في هذا الجزء من الكتاب بصورة تقنية كيف أن الأزمة المالية في العام 2008 هي أزمة مصارف في الأساس رأت الحكومة الأمريكية أنها -أي المصارف- أكبر من أن تترك لتنهار.
بدأ الأمر في الثمانينيات عندما تم إلغاء "شرط الوساطة" مما سمح للشركات بممارسة دور تمويلي لم يكن مسموحا لها أن تقوم به، ومن هنا ظهرت فكرة أسواق "الريبو" (وهي أسواق عقود إعادة الشراء وقروض الليلة الواحدة التي تسهل تدوير السيولة والاستفادة بها في غير وقت الحاجة لها) الأمر الذي مهد لظهور نظام مصارف الظل. ومع التوسع في التسنيد securitization (سند مربوط برهن) خصوصا الرهون العقارية، بسبب الحاجة لأصول تتم مبادلتها كضمان في أسواق الريبو لعدم وجود سندات خزانة كافية كأصول ضامنة لقروض الليلة الواحدة، إضافة لزيادة التعامل في المشتقات derivatives (وهي سندات تشتق قيمتها من مؤشر أو أصل أو مرجع مالي ضمني آخر) ، كل تلك الإجراءات سببت عكس النتيجة المرجوة منها وهي "ضمان عدم الترابط وتوزيع المخاطر"، فما إن بدأت سلال الرهون العقارية في خسارة قيمتها (نتيجة تساهل البنوك في منح القروض العقارية الناتجة من قدرة البنك علي "تسنيدها" وتحميل عبء عدم التسديد لشخص آخر) حتى بدأت أسواق الريبو في الاهتزاز وطلب أصول أكثر حفظا لقيمتها كضمانات، الأمر الذي خلق أزمة سيولة ضخمة، خفضت أسعار كل الأصول، حتى تلك التي لا ترتبط بعلاقة مع سندات الرهون العقارية.
يشرح بليث بعد ذلك كيف مُررت الأزمة إلى أوروبا عن طريق أسواق الريبو وسندات الرهون العقارية أيضا مشككا بعد ذلك في قدرة الاتحاد النقدي الأوروبي وعملته اليورو في التعاطي مع مثل تلك الأزمات في المستقبل.
في نهاية الأمر تحملت الدول خسائر الأزمة وليست المصارف بعد أن دعمتها الحكومات، فمثلا تحملت الدولة الأمريكية ومن وراءها المواطن الأمريكي 13 تريليون دولارا علي أقل تقدير هي تكلفة أزمة النظام المالي الهيكلية، دون مراعاة توزيعها توزيعا عادلا لتحمل الخسائر النابعة من النظام المصرفي في الأساس. وليطالب المواطن في النهاية بتحمل سياسات التقشف تغطية لخسائر مصرفيين لم يضاروا نتيجة خطأهم.
التاريخ الفكري للتقشف
يرجع الاقتصاد الليبرالي إلي أفكار ثلاثة مفكرين إنجليز هم جون لوك في القرن السابع عشر ومن بعده ديفيد هيوم وآدم سميث.
في حين انشغل جون لوك بتقرير الملكية الفردية كحق، ووقوف الفرد ضد الدولة في توازن المصالح ورفض الاقتراض الحكومي؛ لأنه اقتراض لصالح الملك صاحب الصلاحيات المطلقة آنذاك. رأى هيوم المتأخر عنه قرابة القرن أن الاقتراض هو وسيلة للسياسي تمكنه من تحقيق الرخاء في فترة حكمه وتُحمل الأجيال القادمة أعباء القرض وتسديده، كما رأى أن زيادة الاقتراض للإنفاق الحكومي سوف تسحب الأموال من الأسواق إلى السندات الحكومية، الأمر الذي سوف يعوق النمو ويؤدي في النهاية إلي الاقتراض من الأجانب وتهديد سيادة الدولة.
وقف لوك وهيوم ضد الدولة وتدخلاتها بينما قبل آدم سميث على مضض وجودها؛ لأنها تضمن استمرار الملكية الفردية. فضل سميث الضرائب التصاعدية والضرائب علي السلع الكمالية على الاقتراض من أجل الإنفاق العام، فقد رأى في الدين الحكومى وسيلة لتآكل رأس المال، فالتوسع في الاقتراض والإنفاق الحكومي سيؤدي إلى موجة تضخمية تدفع بعدها الحكومة ديونها بعملة مخفضة.
في القرن التاسع عشر ومع تنامي الدول القومية والمطالب الديمقراطية والحركات الاجتماعية انقسم التيار الليبرالي إلى تيارين رئيسين: ليبرالية اجتماعية وليبرالية جديدة، فبينما تبنى ريكاردو الليبرالية الجديدة ودافع ضد تدخل الدولة في الاقتصاد أو زيادة الإنفاق الحكومي، مال جون ستيوارت ميل إلى زيادة دور الدولة في الاقتصاد وتوفير نظام للتقاعد ودعم أكبر للطبقات الأقل حظا.
استمر التياران في الصراع حتى انتصر تيار ميل في أمريكا وبريطانيا في ثلاثينيات وأربعينيات القرن العشرين، وكان رواد ذلك التيار هم: تي اتش مارشال ووليم بيفريدج وجون ماينارد كينز.
رأى كينز أن الثقة هي أثر للنمو وليست سببا له، وأن الاستهلاك هو حافز الاستثمار الحقيقي والرئيس، سميت هذه المدرسة الاقتصادية باقتصاديات جانب الطلب.
في حين سادت المدرسة الليبرالية الاجتماعية المؤيدة لدور تدخلي للدولة في تحفيز الاستهلاك في الولايات المتحدة وبريطانيا شكلت ألمانيا معقلا للأفكار المؤيدة للتقشف.ثلاثة أسباب أدت لتبني ألمانيا سياسات أوردوليبرالية ترى أن على الدولة تهيئة الظروف الإطارية اللازمة للأسواق لتعمل بشكل فاعل دون أن تتدخل الدولة في دعم جانب الطلب في الاقتصاد أو تحفيز الاستهلاك. تلك الأسباب هي سطوة رواية محافظة معاكسة ناقدة للحضارة وضعت الثقافة الألمانية العميقة في مواجهة الحضارة الليبرالية الغربية السطحية.
ثانيا: الانهيار الكبير لسوق الأوراق المالية عام 1873 أدى لتضرر الليبرالية كمذهب اقتصادي. ثالثا: زيادة تدخل الدولة بعد أزمة الأوراق المالية أضعفت الأفكار الليبرالية. كما أدى تأخر تحول الدولة للرأسمالية في ألمانيا إلى زيادة تدخل الدولة في الأسواق لحماية تنافسية منتجاتها في السوق العالمي " فكلما تطورت متأخرا، كانت الدولة أكبر وأكثر تدخلا".
من جانب آخر كانت المدرسة النمساوية مدافعا آخر عن أفكار التقشف وعدم تدخل الدولة في الاقتصاد، متمتعة بنظرة ثاقبة في تغطية الرواية الواسعة الخاصة بدورة الائتمان وأخطار الديون.
النظرية النقدية .. الليبرالية الجديدة .. إعادة إحياء التقشف
اكتسبت النظرية النقدية قوتها السياسية من خلال تصويرها للدولة كمضخة تضخمية بدلا من كونها ممتصة للصدمات الاقتصادية، وبالتالي كلما كانت الدولة فاعلة أكثر شكلت خطورة على الأسواق.
رفضت النظرية النقدية العلاقة السببية بين المال والمدخول التي يراها الكينيزيون، وبالتالي لم يكن الكساد العظيم سببه الاستهلاك الناقص أو انخفاض مستوى الدخل النقدي.كما افترضت وجود بطالة طوعية ولن تؤدي محاولات الحكومة التشغيل الكامل لقوة العمل تلك إلا إلى زيادة التضخم مفترضة أن هناك معدلا طبيعيا للبطالة، كما افترضت الليبرالية الجديدة في ورقة تعليماتها استقلال المصرف المركزي الذي كان خاضعا سابقا في ورقة التعليمات الكينيزية إلى الدولة.
يقول بليث " كانت المدرسة النقدية في جهات كثيرة مجرد إعادة صياغة لنظرية النقود الكمية لدى هيوم، وتكمن قوتها في كيف أنها قدمت إلى الليبراليين طريقة بديلة للتفكير في الاقتصاد الكلي لتلك التي قدمها كينز. طريقة وضعت المال في المقدمة والمركز وبذلك لم تخفض أفكار النظرية النقدية جاذبية ورقة التعليمات الكينيزية فقط خصوصا في السياق التضخمي لسبعينيات القرن العشرين، بل ساعدت أيضا في تمكين حجج التقشف بعد 40 سنة تقريبا. وبإعطائنا مجموعة جديدة من الأسباب التي تجعل تدخل الدولة لتعويض الركود الاقتصادي لا ينتهي إلا إلى إنتاج التضخم، ساعدت المدرسة النقدية في تطبيع الأفكار النمساوية والأوردوليبرالية، وسحبها من الهامش إلى القبول لدى التيار السائد."
توافق واشنطن وإعادة اختراع مؤسسات بريتون وودز
وضع الاقتصادي التنموي جون وليامسون عام 1989 قائمة من 10 سياسات هي الانضباط في المالية العامة، وإعادة ترتيب أولويات الإنفاق العام، والإصلاح الضريبي، وتحرير أسعار الفائدة، والحفاظ علي سعر صرف تنافسي، وتحرير التجارة، والاستثمار الأجنبي المباشر، والخصخصة، وإلغاء التنظيمات، وضعت من أجل التقاط مدى بطلان الأفكار القديمة المتعلقة باقتصاد التنمية.
كانت هي نفس السياسات التي تبنتها مؤسسة صندوق النقد الدولي التي فقدت دورها الرئيس وهو تأمين قروض قصيرة الأجل للدول التي تواجه صدمات علي صعيد سعر الصرف، يساعدها على تخطي الأزمة في ظل نظام سعر صرف ثابت، بعد إلغاء أمريكا للغطاء النقدي الذهبي في السبعينيات؛ لكي يؤمن الصندوق لنفسه دورا جديدا وهو تقديم مراقبة صارمة لسياسات الدول الأعضاء، لزيادة الشفافية العالمية في العالم المتقدم أما بالنسبة لدول العالم الثالت أصبح الصندوق يقوم بدور شرطة مالية تجبر الدول النامية علي ما سمي برامج التعديل الهيكلي. لتتحول سياسات النيوليبرالية التقشفية إلى سياسة عالمية أغرقت العالم.
التاريخ الطبيعي للتقشف
في هذا الفصل من الكتاب يستعرض مارك بليث التاريخ الطبيعي للتقشف منذ عام 1914-2012 عن طريق تتبع ثلاثة مسارات للتاريخ الطبيعي للتقشف.
الحالات التي تجعل التقشف فكرة خطرة للغاية: الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والسويد وألمانيا واليابان وفرنسا متتبعا سياسات التقشف في كل بلدة علي حدة خلال تطبيق معيار الذهب والتخلي عنه خلال عشرينيات القرن العشرين وثلاثينياته.
ثانيا: حالات يُزعم أنها حالات إيجابية للتقشف كالدنمارك وايرلندا واستراليا والسويد، ومقارنة أوضاعها مع منطقة اليورو للتأكيد علي أنها ظروف غير موجوده في أغلب بلدان العالم لكي تعمم.
ثالثا: يحلل وضع بلدان ال REBLL (رومانيا، استونيا بلغاريا، لاتفيا، ليتوانيا) وهل يمكن أن تكون نموذجا لتقشف ناجح، مستعرضا آليات الحفاظ علي أسعار الصرف هناك عن طريق معاناة هائلة من الانكماش والهجرة والبطالة وهل يمكن تطبيع هذه الآليات علي دول أكبر أم لا؟
الاستنتاج
يتساءل بليث في النهاية هل إنقاذ البنوك كان ضرورة حتمية؟ هل كانت هناك بدائل أخري؟ أم كانت البدائل إما إنقاذ المصارف أوتحمل الأخطار النظامية (أمريكا كمثال:: 150 مليون عامل 72% منهم يعتمدون علي وظائفهم فقط إضافة إلى 70 مليون قطعة سلاح في حيازة أفراد داخل المجتمع).
يرى بليث أنه كان من الخطأ إنقاذ نظام مصرفي يشهد نهايته الآن، فالنمو في جانب التجزئة التي تعتمد علي الاقتصاد الحقيقي يفوق النمو في جانب الصيرفة الاستثمارية، كما أن البنوك في كل مكان حاليا تخفض الرفع المالي مما يعني تخفيض قدراتهم علي الإقراض. كما يستعرض بليث أيسلندا وأيرلندا كدولتين إحداهما تركت المصارف لتنهار أما الثانية فدعمتها، وكيف أن أيسلندا التي تركت بنوكها تنهار لم تضار ضررا جسيما كأيرلندا.
كما يرى بليث في النهاية أن السياسات الضريبية وحدها، لا خفض الإنفاق الحكومي، هو ما سيمكننا من تخطي الأزمات الحالية. يقول"هذه هي الطريقة التي سنتعامل بها مع ديوننا – من خلال الضرائب وليس من خلال التقشف، ليس لأن التقشف غير عادل، وهو كذلك، وليس لأن هناك مدينين أكثر من الدائنين، وهو كذلك، لكن لأن التقشف ببساطة لا ينجح".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.