والأعين مفتوحة عن آخرها علي الصراع اليومي بين الفلسطينيين والإسرائيليين و همجية العدو الصهيوني ومسعي الصهاينة الجدي إلي إبادة مزيد من الفلسطينيين والسعي الحثيث لتهويد القدس وأخيراً قرارات القمة العربية فيما يخص فلسطين وفك الحصار عن شعبها وقضيتها، إحتلت فلسطين واجهة المشهد السينمائي في مصر ليس لكل ماسبق، بل لأنه أتيح لجمهور .. السينما مشاهدة فيلم فلسطيني هو "المر والرمان" لمخرجته نجوي نجار من خلال عرضه التجاري، وقد سبق عرض "الجنة الآن" إخراج هاني أبوأسعد، ولكن التحدي هذه المرة بدا أعظم خصوصاً مع عدد نسخ العرض القليلة، ولكنها في النهاية فتحت أفقاً آخر للحكاية الفلسطينية يراه الجمهور المصري علي الشاشة الكبيرة. ففي مقابل مسلسل الحروب الإسرائيلية العنيفة والدامية ضد الفلسطينيين، هناك سينما مستلة من واقع الحياة وأنماط العيش، ومن الرغبة الدائمة في مقارعة الموت الإسرائيلي بإعلان صادق وحيوي وجميل عن الانتماء إلي "ثقافة الحياة الفلسطينية". ربمالا تزال السينما في فلسطين مرتبكة أمام المشهد السياسي/ الإنساني في الوطن المحتل والارتباك سمة قد تكون إبداعية، إذا ترجمت إلي مشهديات سينمائية تعكس شيئاً من الواقع، ولعل هذا مافعله "المر والرمان" الذي غاص في أزمة العلاقة الإنسانية بين البشر أولاً، وبين البشر والبيئة المقيمين فيها ثانياً؛ في تنويع لافت للانتباه، لأن بعضاً منه منجذب إلي معاينة الحالة الإنسانية في فلسطين، من خلال معابر درامية وجمالية متحررة تقريباً من الانفعال والخطابية. فالفيلم الذي يسجل الخطوة الأولي في السينما الروائية الطويلة لمخرجته نجوي نجار، و شارك فيه الممثلون: ياسمين المصري، أشرف فرح، علي سليمان، هيام عباس، ينغمس أكثر في عالم الإنسان الفرد وتفاصيله في حياته اليومية وأنماط سلوكه الناتجة من تربية وموروثات، وهواجسه المتأثرة بالآني وعنف الواقع وغليان الجماعة، وهذا مانشعر به عبر "المر والرمان" الذي تدور أحداثه في مدينة رام الله ويبرز لنا كيف يجتمع طعم المر والرمان معاً من خلال قصة قمر 'ياسمين المصري' الراقصة في فرقة الدبكة الشعبية في مدينة رام الله، وزيد 'أشرف فرح' والتي يستهل الفيلم احداثه بزفاهما.. قمر المقدسية وزيد من رام الله، وموكب العرس يتحرك بين المدينتين في اصرار علي الفرح وطعم البهجة و الرمان حتي لو حاول جنود نقاط التفتيش الصهاينة أن يقطعوا الفرحة بطعم المر. وزيد يعمل في مزرعة الزيتون التي تملكها أسرته و لم تكتمل فرحته بزواجه، حيث يذق المر من البداية حين يدخل السجن لدفاعه عن أرضه عندما جاءت قوات الاحتلال لمصادرتها. فتضطر "قمر" للتوقف عن الدبكة الشعبية وتتوه بين البحث عن محامية، والأمر العسكري بمصاردة الأرض ومواعيد الزيارة وقوائم 'الصليب الأحمر'، وتصريح الزيارة، ومشقة الوصول إلي السجن، ومتابعة تجار الزيت لتسويق زيت الموسم، والعمل في الأرض في مواجهة المستوطنين، وتتنازع نفسياً بين وحدتها والتسلط الاجتماعي الذي لايتركها في حالها و "قيس" 'علي سليمان' مدرب الرقص الجديد.. الفلسطيني القادم من أحد مخيمات اللاجئين في لبنان مشرفاً علي تدريب فرقة الرقص، التي هي عضو فيها،لا يعرف "قيس" شيئاً عن فلسطين سوي تلك القصص والحكايات التي رواها له والده، فتجسدت له فلسطين في صورة "قمر"، التي قرأ فيها وفي الفرقة وفي مدينة الملاهي التي تضمنها إحياء لذكري والده الذي أدار مثلها كل تاريخ فلسطين وجغرافيتها. والصراع هنا يصل مداه حين يخرج "زيد" من السجن معاوداً الإشراف علي معصرة الزيتون، ومتابعاً قضية مصادرة الأرض، بينما تحسم "قمر" صراعها الخاص لصالح زوجها وهو مانلحظه مع ابتسامتها التي توجهها له أثناء العرض الراقص الأخير الذي أقامه قيس في نهاية الفيلم بمدينة الملاهي مطلقاً عليه "المر والرمان"، في دلالة واشارة علي حبها له وتمسكها به. وإذا كان هذا الفيلم لايرقي في مستواه الفني أفلام فلسطينية أخري عبرت عن القضية بإنسانية أكبر وتعاملت مع الشعب الفلسطيني ب"أنسنة" كشعب يعاني مثل البشر ويعيش مثلهم دون إضافة صبغة مختلفة لوضعهم الخاص تحت وطأة الاحتلال الصهيوني، الا أنه يحسب له أنه حاول أن يسير علي نفس الدرب كاشفاً عن صورة جديدة لطبيعة الشعب الفلسطيني ووضعيته الخاصة في مواجهة الاحتلال و التشريد و طعم المر والرمان. [email protected]