أكد المشاركون في مؤتمر الأوقاف "حوار الأديان والثقافات" أن الحوار الإيجابي بين الحضارات واحترام الخصوصية والإنصاف يؤدي إلي بناء جسور من التواصل الفعال بين الثقافات الشعبية والعالمية المختلفة ويمنع الحروب ويؤدي إلي التآلف وإلي التعاون وهي الوسيلة الوحيدة للتخلص من الفتن والسير علي خطي الأنبياء لبناء حضارة إنسانية عالمية بعيدًا عن أجواء القهر والظلم والهيمنة. جاء ذلك في الجلسة الخامسة لمؤتمر حوار الأديان الذي تنظمه وزارة الأوقاف تحت رعاية الرئيس عبد الفتاح السيسي خلال الفترة من 13 14 مارس الجاري. وفي البداية، أكد الدكتور أسامة العبد، الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي، عضو مجمع البحوث الإسلامية، أن الحوار الإيجابي الذي يعتمد حسن القصد والعلم والتزام القول الحسن والتواضع واللين والرفق والحلم والصبر والعدل والإنصاف يؤدي إلي بناء جسور من التواصل الفعال بين الثقافات الشعبية والعالمية المختلفة ويمنع الحروب. وأضاف العبد في كلمته أن الحوار الايجابي يهدف إلي المساهمة في منع اندلاع الحروب بين الدول من خلال الاعتماد علي التقريب الثقافي والفكري بين الشعوب وتعزيز دور التبادل الدبلوماسي بين الدول مما يسهم في بناء ترابط إيجابي عالمي، وتقديم الدعم للتعاون الاقتصادي وهو مجال من المجالات الإنسانية التي تعتمد علي وجود حوار بناء مستمر، ودعم دور الحوار الأخلاقي القائم علي الإيجابيات الثابتة بين الثقافات المشتركة، والسعي لتجنب السلبيات المختلفة قدر المستطاع. وأوضح العبد أهمية الحفاظ علي خصوصيات الأمم والمجتمعات واحترامها والتمسك بها عند التحاور، داعيا إلي التمسك بالخصوصية الدينية أي الدين الإسلامي واللغة العربية كمنبع للثقافة والحضارة العربية والإسلامية، وأن نركز علي أصول وثوابت ديننا الإسلامي الحنيف، وأن نثبت وجودنا علي الساحة العالمية، وأن نجعل خصوصياتنا الثقافة العربية والإسلامية تتفاعل مع الثقافات العالمية، حتي نستطيع أن نساير العالم في تقدمه مع الحفاظ علي هويتنا وثوابتنا. وتابع العبد قائلا، وأن يحترم المتحاورون خصوصيات الآخر احترامًا كاملًا في فكره وثقافته ومعتقده، حتي يستطيع الجميع أن يصل بالحوار إلي التعاون في كافة المجالات، فإن جوهر الدين الإسلامي الحنيف هو توجيه استخلاف الإنسان في الأرض حتي يصل إلي إقامة أمة متوازنة (أمة وسط) يسود فيها السلام والعدل والمساواة والإنسانية بين الناس جميعًا، فيعيش الإنسان حياة متسقة مع حركة الكون، والخطاب القرآني يحث المسلمين بل الناس جميعًا علي التعارف فيما بينهم، والتعارف يبدأ بالحوار فيما بينهم. وقال العبد إن الإسلام له دور أساس في تعزيز الحوار وذلك بشهادة بعض المستشرقين أمثال (سان سيمون) بقوله: (إن الدارس للحضارات الإنسانية المختلفة، لا يمكنه أن يتنكر للدور الحضاري الخلاق الذي قام به العرب والمسلمون في بناء النهضة العلمية لأوروبا الحديثة)، أما (أوجست كونت) فقد قال: (إن عبقرية الإسلام وقدرته الروحية لا يتناقضان البتة مع العقل كما هو الحال في الأديان الأخري، بل ولا يتناقضان مع الفلسفة الوضعية نفسها، لأن الإسلام يتماشي أساسًا مع واقع الإنسان، كل إنسان بما له من عقيدة ومن شعائر عملية مفيدة). وأضاف العبد قائلا: فقد أدرك هذا المستشرق قدرة الإسلام في التعامل واحتواء جميع العقول والفلسفات والأفكار الإنسانية، فاحترام الاختلاف في الآراء واحترام الخصوصية يؤدي إلي التقريب بين الشعوب والأفراد من الديانات المختلفة عن طريق بناء علاقات قائمة علي وحدة الفكر الثقافي الإنساني، وتجنب مظاهر العنصرية الدينية التي تؤدي إلي حدوث العديد من الكوارث بين الدول والشعوب. وبدوره، قال الدكتور محمد بشاري أمين عام المجلس العالمي للمجتمعات المسلمة، إن الحوار الديني لا يمكن عزله عن أي أشكال أخري للحوار، لأنه يتشابك معها بشكل أو بآخر تشابكا ظاهرًا أو خفيًّا أردنا أم لم نرد، وقد أكد علي هذه البديهية الأستاذ (هانز كونج ) أحد علماء الأديان المعاصرين المستنيرين في ألمانيا بقوله: " لا سلام في العالم إلا بالسلام بين الأديان، ولا سلام بين الأديان إلا بالتلاقي فيما بينها علي أخلاق عالمية للسلام والعدل والحرية والتسامح"، وهذا الذي لا يمكن إرساء قواعده وتعزيز مبادئه دون الحوار، الذي لا يمكن أيضاً الشروع فيه ما لم تتحقق المساواة بين كافة أطرافه، فالحوار لا يبني علي تمييز وتمايز ولا علي البدء بالكراهية. وأوصي بشاري في كلمته أمام المؤتمر بإنشاء مركز عالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات داخل المجلس الأعلي للشئون الإسلامية بهدف تعميق المعرفة بالطرف الآخر، وتعزيز ثقافة الحوار، ومراجعة الموروثات التاريخية السلبية التي تشكل عقبة أمام التفاهم المشترك بين أتباع الأديان السماوية، والدعوة إلي تعزيز القيم الأخلاقية لدي أتباع الأديان بصفة عامة، والأديان السماوية بصفة خاصة. كما دعا بشاري إلي الالتزام بلغة التفاهم والمصالحة والحوار وتعميمها بين أبناء الشعوب وبذل الجهد في نقل الروح الإيجابية لهذه الديانات والحوارات إلي القواعد العريضة من أتباع الديانات السماوية لكي تتحقق الأهداف المرجوة من هذه اللقاءات بين العلماء والقادة الدينيين، وتكثيف جهود المخلصين من علماء الديانات السماوية وأتباعها من أجل مواجهة تفشي ظاهرة الكراهية للآخر والعنصرية والتمييز علي أساس من الدين أو اللون أو العرق أو الجنس. وطالب بشاري بإدانة الإساءات للمقدسات الدينية ورموزها وآثارها وشخصياتها، والدعوة إلي تفعيل القرار الأممي رقم 65/241 القاضي بتجريم ازدراء الأديان وإدراج ذلك في الدساتير الوطنية، والعمل المنهجي الجاد علي تنقية وسائل الإعلام والكتب الدراسية والمناهج التعليمية والأعمال السينمائية والدرامية مما يشوبها من صور سلبية ومعلومات خاطئة عن الأديان السماوية وأتباعها والعمل علي إزالة سوء الفهم المتبادل لدي كل طرف إزاء الطرف الآخر، وإدانة التوظيف السياسي للدين بأي شكل من الأشكال ورفض نسبة الإرهاب إلي أي دين من الأديان، وبيان براءة الأديان من الأعمال الإرهابية وترويع الآمنين وقتل المدنيين المسالمين، إلي غير ذلك من الأعمال البشعة التي لا يقوم بها إلا إرهابي متطرف، والدعوة إلي تعزيز ثقافة المحبة والتسامح والتواضع بدلا من ثقافة الكراهية والاستيلاء والاستعلاء من أجل رباط متين بين أتباع الأديان و الثقافات ومعرفة بعضها لبعض لكون الجهل يؤدي إلي الخوف واللامبالاة