ألقى الدكتور عبد العزيز بن عثمان التويجري، المدير العام للمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة "إيسيسكو" ، م محاضرة في مقر المؤسسة الأوروبية العربية للدراسات العليا التي يوجد مقرها في غرناطة في منطقة الأندلس الإسبانية، حول موضوع (تحالف الحضارات ومواجهة التيارات العنصرية) . وأشار المدير العام للإيسيسكو في بداية محاضرته إلى أن موضوعها له علاقة بالأوضاع الدولية الحالية، لأن ثمة تهديدًا للأمن والسلم الدوليين يَتَعَاظَمُ خطره من جراء تصاعد موجات التيارات العنصرية التي تنشر الكراهية بين الشعوب، وتبث السموم التي تفتك بسلامة الأسرة الإنسانية من خلال إشاعة الشبهات الباطلة، وترويج الأباطيل والادعاءات والمعلومات الكاذبة، عن الأديان السماوية، وبخاصة الدين الإسلامي، وعن شعوب العالم، وفي مقدمة من يستهدف منها، الشعوبُ الإسلامية التي تتهم بالإرهاب والتطرف وتهديدها للحضارة الإنسانية. وأوضح أن التحالف بين الحضارات يأتي نتيجة ً للحوار بين الثقافات الذي يتأسّس على القواعد الثلاث التالية: التعارف، والتفاهم، والتقارب، مشيرًا إلى أن التعارف بالمفهوم العميق ذي الدلالات الإنسانية البعيدة، قد ورد في القرآن الكريم:(يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبًا وقبائلَ لتعارفوا). وأكد أنَّ تحالف الحضارات هو النتيجة الطبيعية للحوار بين الحضارات، وثمرةٌ له، وهو خلاصةٌ للجهود الخيّرة التي بذلها حكماء هذا العالم على مدى عقود من السنين، خاصةً في السنوات الخمس عشرة الأخيرة، منذ أن أعلنت الجمعية العمومية للأمم المتحدة عن قرارها بجعل سنة 2001 (سنةَ الأممالمتحدة للحوار بين الحضارات)، وأن التحالف بين الحضارات هو من أقوى الوسائل المتاحة لإصلاح شؤون العالم، وللإسهام في إنقاذ الأسرة الإنسانية مما تتخبط فيه من مشكلات تَتَراكَمُ وأزمات تَتَفاقَمُ، فشلت السياسة الدولية حتى الآن، في إيجاد تسوية عادلة وحلول حاسمة لها، بالدبلوماسية التقليدية، وبالأساليب الاعتيادية التي تفتقر إلى الصدق والجدّية والإخلاص، وتفتقد الروحَ الإنسانية. وذكر الدكتور عبد العزيز التويجري أنَّ تجديد البناء الحضاري للعالم أجمع، بالتحالف بين الحضارات وبالتعاون المثمر بين الأمم والشعوب، على هدي تعاليم الديانات السماوية والمبادئ الإنسانية، وفي إطار ميثاق الأممالمتحدة، هو المهمة الرئيسَة لأولي العزم والحكمة وذوي الإرادات الخيّرة والعقول النيّرة من مختلف المشارب والاتجاهات، ومن جميع الأديان والحضارات والثقافات، لمواجهة التيارات العنصرية والكراهية والعداء المتبادل، ولبناء مستقبل آمن ومزدهر، لا تُنتهك فيه كرامة الإنسان ولا تهدر حقوقه، ولا يطغى فيه القويّ على الضعيف، إنما يحتكم فيه الجميع إلى القانون، وتسوده قيم التعايش والتسامح والمواطنة الإنسانية. وأشار إلى أن العالم يمر اليوم بفترة خطيرة، تتطلب إدراك حجم التحديات التي تحفل بها، والوعي الرشيد بالتحوّلات العميقة التي يشهدها العالم، والتي تفرض على الأسرة الدولية، المبادرة إلى ترسيخ أسس الحوار بين الثقافات والتحالف بين الحضارات، من أجل تعزيز الأمن والسلم الدوليين، ولبناء نظام عالمي إنساني جديد، يقوم على قواعد القانون الدولي، واحترام الشرعية الدولية، وحماية حقوق الإنسان. وقال: « في هذا المناخ الدولي المحفوف بالتوترات التي تهدد استقرار المجتمعات الإنسانية، تتزايد الأهمية البالغة للعمل في إطار شراكة دولية وتعاون إنساني، من أجل تعزيز الحوار بين الثقافات وتعميق التحالف بين الحضارات على جميع المستويات، سواء على مستوى الحكومات والمنظمات الحكومية الدولية والإقليمية، أو على مستوى المجتمع الأهلي بمنظماته، ومؤسساته، وهيئاته، وجمعياته، ومواجهة دعاة الكراهية والعنصرية والتمييز والعدوان على الشعوب وحرمانها من تقرير مصيرها ونيل حقوقها المشروعة". وتحدث المدير العام للإيسيسكو عن اهتمام المجتمع الدولي بقضايا الحوار بين الثقافات والتحالف بين الحضارات، فقال إنه يتزايد، سواء على الصعيد الدولي من خلال الأنشطة التي تقوم بها المفوضية السامية لتحالف الحضارات واليونسكو، أو على الصعيد الإقليمي، من خلال البرامج التي تنفذها المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة التي تعبر عن الرؤية الحضارية للعالم الإسلامي إلى هذه القضايا، أو على مستوى المنظمات والهيئات والجمعيات الأهلية، التي تعنى بنشر قيم الحوار الثقافي المعزِّز للتحالف بين الحضارات، الذي هو عنوانٌ للمواطنة الإنسانية القائمة على أسس راسخة من الفهم والتفاهم والتسامح والتعايش والاحترام المتبادل للتعددية الثقافية وللخصوصيات الروحية والثقافية والحضارية للأمم والشعوب. وتساءل خلال محاضرته: " لماذا يخافون من الإسلام وينشرون الخوف منه عبر وسائل كثيرة وبأساليب شتى؟". ثم أجاب بأن الخوف من الإسلام، والتعامل مع المسلمين بالشك والتضييق في أماكن عديدة، ونشر التشويهات المسيئة له والمخالفة لحقيقته، كل ذلك يجد ما يسانده من تصرفات وسلوكات بعض المسلمين المنحرفين عن سواء السبيل. موضحًا أن بعضًا مما يجري على الساحة الإسلامية من أعمال إرهابية منبوذة، وما يروج من أفكار متشددة مرفوضة، ومن مفاهيم منحرفة ممقوتة، وما يُمارس في بعض البلدان من ألوان الاستبداد وقمع للحريات وانتهاك لحقوق الإنسان، يوفر الأسباب المباشرة لفئات من المجتمع الغربي لكراهية الإسلام، ولإثارة الخوف منه، ولتأليب الرأي العام ضد المسلمين بدون تمييز. وذكر الدكتور عبد العزيز التويجري أن ظاهرة الإسلاموفوبيا ترتبط بعوامل كثيرة، تَتدَاخَلُ فيها رواسب أحقاد الماضي وتنامي تعصّب الحاضر على المستويات الثقافية والدينية والسياسية، فهي ليست وليدة المرحلة الحالية، وليست من تداعيات الحادي عشر من سبتمبر سنة 2001، كما يروّج بعض الناس، ولكنها مزيجٌ من التأثيرات السلبية والانعكاسات السيئة، مما يجعلها من هذه الناحية، تيارًا دينيًا ثقافيًا سياسيًا يهدّد القيم الإنسانية المشتركة، التي هي جوهرُ القوانين الدولية. كما أشار إلى أن هذه الظاهرة لها تأثيراتها العميقة على مجمل العلاقات الدولية الحالية، بحكم أنها تَتعارَضُ كليًا مع ميثاق الأممالمتحدة، ومع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ومع الأوفاق والإعلانات والعهود الدولية ذات الصلة، وبخاصة المادة العشرين من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الفقرة 2، ونصّها : « تحظر بالقانون أية دعوة إلى الكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية تشكل تحريضًا على التمييز أو العداوة أو العنف». وقال إن هذا هو ما يُكسب هذه الظاهرةَ طابعَ الصراع في عصر ٍ تَتضَافَرُ فيه جهودُ المجتمع الدولي من أجل تعزيز ثقافة الحوار والتفاهم والوئام والتسامح والتحالف بين الحضارات. وخلص إلى القول إن ظاهرة الإسلاموفوبيا ضد حركة التاريخ، وضد القانون الدولي، وضد إرادة حكماء العالم وعقلائه، وضد إرادة الشعوب، تتنامى مخاطرُها وتتفاقم تداعياتها، وهي قضية ً من القضايا الخطيرة التي تهدّد الأمن والسلم الدوليين، باعتبارها تتعدَّى المجال الخاص، وهو الإسلام والمسلمين بصورة عامة، إلى المجال العام الذي يشمل العالم أجمع والإنسانية قاطبة؛ لأن من شأن ازدراء الدين الإسلامي وإشهار الحرب الفكرية والدينية ضده، أن ينعكسا سلبًا على جميع الأديان وعلى أتباعها من المؤمنين كافة. وقال المدير العام للإيسيسكو خلال المحاضرة : " إن مَن يوجّهون ظاهرة الإسلاموفوبيا ويقفون وراءها، وهم جماعات كارهة ٌ للسلام، ومخالفة ٌ لحقوق الإنسان، إنما يسيرون في الاتجاه المعاكس للإجماع الدولي حول قيم كونية مشتركة بين الأمم والشعوب، ويقفون في وجه المسيرة الإنسانية الداعية إلى تعزيز الحوار بين الثقافات والتحالف بين الحضارات، ونشر قيم التسامح والتفاهم والاحترام المتبادل بين بني البشر كافة". وأوضح أن العداء للإسلام والجهل بحقائقه وتعاليمه، هما الداعيان إلى محاربته وتشويه صورته المشرقة ونشر الأباطيل والشبهات والأحكام المسبقة المغرضة الباطلة عنه واستهدافه في كل الظروف. ويتجلى ذلك في الدعم الواسع من جماعات متطرفة متعددة، تلتقي مصالحها مع مصالح بعض القوى الدولية التي تسير في الاتجاه المضاد للسلام، بمدلولاته الواسعة، وبمفاهيمه الشاملة. وقال إن هذا هو ما يجعل العالم يقف أمام كارثة، إنْ لم تبادر الأسرة الدولية إلى مواجهتها والحؤول دون انفجارها، فستكون نتائجها ساحقة ً ومدمرة. واختتم الدكتور عبد العزيز التويجري محاضرته بقوله: " إن رسالة المثقفين الأحرار في كل مكان من العالم، هي في مواجهة تيارات العنصرية والتشويه والإساءة، أيًّا كانت وممن جاءت. ولذلك فإنّ من المسؤولية الأخلاقية عليهم، التعاون في نشر حقائق الأمور، وكشف الأباطيل والافتراءات ودحضها، لتعمّ ثقافة العدل والسلام بين البشر" .