في ذكرى العيد القومي لمحافظة مطروح التي توافق موقعة وادي ماجد فى 105م، والتي تعد من أولي الثورات التي اندلعت ضد المحتل البريطاني ، واجهت القبائل العربية في صحراء مصر الغربية قوات الجيش الإنجليزي، وتمكنت من قتل قائد القوات حينذاك "إسناو". يقول الباحث منعم العبيدي كانت مصر تحت الحماية البريطانية وكانت المنطقة الغربية مستقرة ولم يكن هناك تواجد أجنبي يذكر سوى مرور دوريات بحرية من قبل السفن الحربية البريطانية في البحر المتوسط .. وقوة ضعيفة جدا علي الأرض تتكون من أربعة ضابط و17 جندي ..منتشرين بين جنود حرس الحدود المصرية علي طول الساحل والذين كان تعدادهم 134 ضابط وجندي . وكان قائد القوة الإنجليزية في الصحراء الغربية المقدم ( سيسيل سنو ) او ما يعرف محليا باسم سناو – وكان ضابط مخابرات بريطاني يتحدث العديد من اللغات ويتميز بالمكر والمراوغة . وكا قائد قوة حرس الحدود الهجانة البيكباشي المصري محمد صالح حرب ابن محافظة اسوان – ومعه الصاغ محمود لبيب الذي تم نقله للحدود الغربية بسبب تظاهره في القاهرة مع زملائه لرفض اعلان الحماية البريطانية على مصر. أشار العبيدي إلي أن القبائل كانت تعيش في الصحراء في المباني الحجرية والخيام بنجوع ممتدة في كل إرجاء الصحراء وقدر تعداد القبائل حينها ب 120.000 نسمة .وذكرت بعض المصادر أن تعدادهم يقترب من 200.000 نسمة وربما تأثر هذا العدد بعد ذلك بأمراض وبائية ضربت القطر المصري مرات عديدة ، والهجرات الجماعية التي حدثت ابان الحرب العالمية الثانية. وتتكون قبائل الصحراء الغربية المصرية من خمس قبائل كبيرة تتفرع منها قبائل أصغر . ( القطعان – السننه – علي أحمر – علي أبيض – الجميعات ) وكان الاعتماد بشكل أساسي علي الزراعات الموسمية كالقمح والشعير وعلي تجارة ورعي الأغنام والماعز والإبل .. و البعض يزرع أشجار التين والزيتون. وكان هناك عدد من التجار اليونانيين والايطاليين يسكنون في مرسى مطروح يعملون بصيد الأسفنج وتجارة الصوف ومنتجات البيئة المحلية وبعض هذه الأسر مازال متواجدا في مطروح حتى الآن. وأوضح الباحث أن هذه الفترة كان تتميز بقوة الترابط بين القبائل وندرة الخلافات القبلية . والتحاكم للعرف القبلي المسمى بدربة أولاد علي . كما انتشرت حينها الكتاتيب والزوايا التابعة للحركة السنوسية الليبية التي كانت ترسل بمعلميها في كل أرجاء شمال إفريقيا يحفظون القرآن الكريم ويدرسون علوم الدين . وجدير بالذكر أيضا هو مساعدة قبائل غرب مصر للمقاومة الليبية بإرسال المجاهدين و الأموال والأغنام والإبل والخيول والحبوب والعتاد وغيرها وهو ما ثابت بعضه في سجلات الحركة السنوسية بأسماء المساهمين و ما هية مساعدتهم . وأكد الباحث منعم العبيدي أن الاحداث التي أدت لمعركة وادي ماجد ان الدولة العثمانية وجدت مقاومة من الجيش الإنجليزي في محاولاتها السيطرة علي قناة السويس في الشرق المصري لخدمة مصالحها في الحرب العالمية الأولي. فخططت لتشتيت القوة الإنجليزية المتواجدة في مصر حينها بفتح جبة جديدة في الغرب. ولكي تفعل ذلك استعانت بحليفتها المانيا التي أرسلت غواصة حربية قامت بقصف باخرتين انجليزيتين في السلوم واغرقتهما في يومي 5 و 7 نوفمبر عام 1915 ثم أرسلت اثنين من كبار المستشارين العسكريين في الجيش العثماني للسيد احمد الشريف في ليبيا لتحريضه علي الهجوم علي مصر. ولكن السيد احمد الشريف رفض الهجوم لانشغاله بمقاومة الاحتلال الإيطالي في ليبيا من جهة ولاعتماده علي المساعدات التي تصله من مصر بعلم الانجليز من جهة أخرى، كما ان الجيش السنوسي وقتها كانت موارده وتسليحه محدود وغير مستعد لفتح جبهات جديدة خارج الحدود الليبية. ولكن المستشاريين العسكريين العثمانيين (نوري بيك ) و ( جعفر باشا العسكري ) لما يستسلما لرغبة السيد أحمد الشريف وقاما بالتخطيط لزعزعة استقرار الحدود المصرية الليبية. فقاما بتزوير توقيع السيد احمد الشريف علي امر عسكري موجه لاحدى كتائب الجيش السنوسي يأمر بالهجوم علي السلوم. وبالفعل حدث الهجوم دون علم السيد أحمد الشريف يوم 17 نوفمبر 1915، وكان وقتها سيسل سنو متواجدا في السلوم لمعاينة السفينتين الغارقتين، ففر هاربا الي مرسى مطروح وارسل استغاثة عاجلة للقيادة البريطانية في مصر . تحركت علي اثرها القوات الإنجليزية من الإسكندرية الي مرسى مطروح كالتالي 20 نوفمبر 1915 صدرت أوامر إلي وحدات الجيش المتمركزة في الإسكندرية بالتحرك علي دفعتين إلي مرسى مطروح وكانت هذه القوات كالتالي :- الدفعة الآولى : وصلت إلي مرسى مطروح بحرا في يوم 23 نوفمبر وتم التمركز والتخيم صبيحة يوم 24 فبراير . وكان التحرك في المياه ليلا فقط خوفا من ان تسمع الغواصات الألمانية أصوات المحركات فتقوم بمهاجمتهم . وتم نقل هذه القوات علي متن ستة سفن صيد وأربعة بواخر صغيرة واثنين من الطرادات الصغيرة التابعة لخفر السواحل . وكانت تتبعهم سفينة خاصة بالخدمات الطبية . الدفعة الثانية : أرسلت عبر القطار الي الضبعة وهي اخر خط السكة الحديدية التي أنشئت في عهد الخديوي عباس ومنها تم التحرك بريا إلي مرسى مطروح في يوم 7 ديسمبر1915 انتقلت القيادة الي مرسى مطروح تحت قيادة اللواء الكسندر والاس كما ذكرنا سابقا أن قوة حرس الحدود المصرية التي كانت متواجدة في مطروح بقيادة البيكباشي محمد صالح حرب واذي كان يكره الانجليز في الأساس، عندما رأي كم المعدات العسكرية الإنجليزية التي نزلت في مطروح قرار الفرار والانسلاخ من الجيش الإنجليزي هو وجنوده البالغ عددهم 134 واخذ معه الجمال وبعض الأسلحة والذخيرة. يوم 23 نوفمبر عام 1915 وكان من ابرز الجنود الذين رافقوه محمد عزام باشا الذي اصبح بعد ذلك أول امين عام لجامعة الدول العربية. والصاغ محمود لبيب مؤسس جمعية الشبان المسلمين . معركة وادي ماجد الأولى " وادي السنب " " يوم ماجد الأول" وهي المعركة الأولى في تاريخ النضال المسلح ضد المستعمر البريطاني وقواته في مصر وهي أيضا المعركة الأكثر شعبية عند أهل الصحراء الغربية .والتي ظلت خالدة في ذاكرة أبناء محافظة مطروح المصرية إلي اليوم . كما أنها المعركة التي تحتفل بذكراها محافظة مطروح في العيد القومي للمحافظة في كل عام. والتي حدثت يوم 11 ديسمبر عام 1915 وسميت في كتب التاريخ الرسمي العسكري البريطاني بمعركة (وادي السنب) وهي معركة مصرية خالصة قاوم فيها أهالي مطروح وبعض ضباط وجنود الجيش المصري اقوي جيش في العالم آنذاك، بل أنهم هزموهم شر هزيمة واعادوهم لمعسكرهم وقتلوا أحد قادتهم وعدد من ضباطهم وجنودهم. ولنسرد المعركة كان لازما علينا التمهيد لها بكل المقدمات التي ذكرناها سابقا في هذا البحث، حتى نضع القاريء في صلب الحدث ويتشرب الخلفية التاريخية والسياسية لتلك الحقبة ويكون قادرا على الرد علي أي شبه تقلل من قدر المعركة أو تنسبها لغير أهلها. عند فرار صالح حرب ومعه الجنود يوم 23 نوفمبر1915 من المعسكر الإنجليزي، اتجهوا جنوبا ناحية (تين عطيوه) أو ما يعرف بعزبة الشيخ عطيوه حاليا، وترك صالح حرب جنوده واتجه للشيخ فرج زهويق – في ذلك الوقت لم تكن تعرف القبائل مصطلح عمدة ، بل كان لكل قبيلة شيخ مسؤول عن شؤونها وعواقلها، واستحدث منصب العمدة فيما بعد . ثم عاد صالح حرب بصحبة فرج زهويق واتجهوا جنوبا مرورا بوادي التويويع ثم عندما اعتلوا الهضبة خطب صالح حرب في جنوده خطبة مفادها أنه اعلن الجهاد ضد الانجليز وخيرهم بين الانضمام إليه او العودة لمعسكرهم. فاختاروا جميعا الانضمام لصالح حرب، وارسلوا رسلهم للقبائل في طريقهم نحو الغرب بإعلان الجهاد على الانجليز، حتى وصلوا لدوار حسين العاصي في منطقة وادي ماجد في مساء يوم 23 نوفمبر 1915 فنحرت لهم الذبائح وزغردت النساء تأيدا لقرار الجهاد، وكان دوار حسين العاصي مركزا للقيادة والتدريبات. ومنه تم ارسال الرسل للقبائل المجاورة تنفيرا وطلبا للفرسان. اجتمع صالح حرب مع قادته من شيوخ القبائل وكبار مجهاديهم من أمثال حسين العاصي و صالح بوزريق العشيبي وعلي ارحيم المالكي و فرج زهيويق و ختال العلواني الفردي و حميده عطيوه الفردي وعوض خميس الصنقري و عبدالعزير بوطيب العميري و محجوب عبدالمولى العميري و محمد راغب الدربالي و إبراهيم بوزعلوك و نوح العكش و مطرود بساط بوعثمان المحفوظي و لوجلي سحنون القطيفي و محمد بوالعرويه الحنّوني المحفوظي و رحومه قويه السمالوسي وغيرهم من المجاهدين , حول التخطيط للخطوة القادمة، فكان امامهم أحد خيارين اما أن يذهبوا للقاء الكتيبة التي هجمت من جيش السنوسي في سيدي براني، أو أن يبقوا في الوادي لمحاولة صد جيش الاحتلال ومنعه من كسب الأراضي ناحية الغرب. فكان الاختيار الأصوب هو البقاء لعدة أسباب. 1- المنطقة بعد وادي ماجد وحتى براني هي منطقة مكشوفة وإذا تحرك الجيش البريطاني ورائهم سرعان ما سيدركهم في منطقة لا تصلح للمقاومة، خاصة أن أعداد وتجهيزات الجيش البريطاني أقوي وأكثر. 2- بقائهم في وادي ماجد سيحقق لهم غطاءا طبيعيا ممتازا ، نظرا لارتفاع موقعهم عن موقع العدو، وثراءه بالعديد من الأودية التي تمكنهم من التحرك والمراوغة. 3- وجودهم في مكان مرتفع ناحية الغرب سيعطيهم ميزة إضافية اذا استمرت المعركة حتي بعد الظهر ، نظرا لميلان الشمس ناحية الغرب في وجه العدو الأمر الذي سيسبب انعدام للرؤية. خطة المعركة برع صالح حرب وقوته من المجاهدين في اعداد خطة عظيمة لخداع الانجليز ، وكان موقعهم هو الموقع المثالي لتنفيذها، فوجود الوديان والمرتفعات والتلال عنصر مهم لنجاح خطتهم التي اعتمدت على المناوبة، فظهور بعض الفرسان اعلي احدي تلة ثم اختفائهم وظهورهم اعلى تلة ثانية ، فثالثة، كفيل بان يخدع الانجليز ولا يعطيهم فكرة حقيقة علي عدد المجاهدين الحقيقي خلف تلك التلال، واعتقادهم بأن جيش السنوسي مشترك معهم في هذه المعركة، وهذه الخطة انجلت عليهم وبلعوا طعمها وكتاباتهم عن المعركة شاهدا حقيقيا عليها. التجهيزات الحربية واعداد القوات يقول العبيدي أن التجهيزات الحربية للمجاهدين بسيطة جدا وبدائية ، من البنادق التي تعبأ يدويا بواسطة الأسياخ، والأسلحة البيضاء ، والذخيرة كانت محدودة وتأثيرها ضعيف، باستثناء مدفع حربي واحد كان بحوزة صالح حرب وجنوده. الامر الذي جعل عدد الجرحي في صفوف العدو أكثر من عدد القتلى لأن السلاح يصيب غالبا ولا يقتل لضعف قوته، وأشارت المصادر الإنجليزية ان اعداد المجاهدين في تلك المعركة كان في حدود 500 مجاهد، وهو عدد لا يدعمه دليل نظرا لموقع المجاهدين الذي نوهنا عنه سابقا على خلاف التجهيزات الحربية للجيش البريطاني التي كانت من أحدث تجهيزات الحرب وقتها ، من البنادق الحديثة والرشاشات والمدافع والبطاريات مع وجود غطاء بحري لسفن الحربية التي كانت تقصف الوادي بمدفع عملاق قطره 14.5بوصة. فكانت قوات الانجليز في حدود 3000 مقاتل تصنيفها كالتالي: لوائين من قوات ملاك الأرض – (على الخيول) لواء قوات السيخ الهندية بقيادة اللواء جوردن(مشاة) ثلاثة سرايا من الأسلحة الرشاشة سرية نوتنجهام شير (بطاريات حربية) قوات فرسان المدفعية الملكي (على الخيل) (ست سيارات مصفحة حربية، واحدة للاتصالات الاسلكية). قوات ميدلاند بعربات الإسعاف مدفعية بحرية بقطر 14.5بوصة سرية فرسان استرالية ( دعم للعدو بعد الظهر) اسرية بريكتشير (مشاة) سير المعركة حيث انطلقت المعركة في الساعة 7 صباحا، حيث تحركت قوات الجيش البريطاني غربا من الطريق الساحلي، وصولا لوادي السنب، وكان أول من وصل من سلاح الفرسان، تعامل معها المجاهدون بقوة كبيرة، واستمر القتال واشتدت حدة بعد وصول المشاة، حتى أضطر الجيش البريطاني لطلب الامدادت والدعم . وصلت قوة استرالية من الفرسان لتعزيز موقف الجيش البريطاني، ولكن المجاهدين نفذوا خطتهم ببراعة ولم يمكنوهم من اختراق الوادي. الامر الذي جعل سيسيل سنو يحاول الالتفاف خلف الوادي بصفته أدرى الضباط بالمنطقة، وكان معه قوة من الجنود، فألتجأ إلي خيم النساء خلف الوادي والتي كانت مقرا لتطبيب الجرحى وملء البنادق، وفور اقترابه ارداه المجاهد صالح ابوزوير السمالوسي بطلقة اصابت معدته، وصب الجنود غضبهم باطلاق النيران على الجرحي والنساء قبل أن يحملوا قائدهم ويفروا به. وكان لمقتل سنو تأثيرا عظيما في صفوف الانجليز إذ يعد هو المفوض بتحركات الجيش البريطاني نظرا لكونه خدم في المنطقة لمدة عشرين عام ويعرف كل دروبها. يقول العقيد ستيفن بايكر استاذ تاريخ عسكري ومحاضر بأكاديمية ساندهيرست العسكرية الملكية" ان خسارتنا في هذا الضابط كانت خسارة فادحة" وقال أيضا" كنا نحارب جيشا من القناصة، وكل رجل منهم يبدو كقائد" دليلا علي استبسال المجاهدين في هذه المعركة، التي أدت إلي مقتل سنو و و 16من الرتب الأخرى واصيب اثنين من الضباط و معظم الذين جاءوا من السرية بيركشاير. ( ولم يحدد ستيفن عددا لهؤلاء الجرحى) واستشهد في هذه المعركة علي حسب الرواية الانجليزية 83 شهيد من قوات القبائل في هذه العملية، وان كنا لا نعول كثيرا على هذا العدد لان القوات الإنجليزية تراجعت بعد مقتل سنو وحلول الظلام الي مرسى مطروح- فكيف لهم أن يحصو اعداد الشهداء؟ نتائج معركة وادي واجد الأولى وادي السنب - مقتل سيسيل سنو و16 من الرتب الأخري واصابة ضابطين ومعظم جنود السرية بريكتشير - استشهاد 83 شهيد حسب الرواية الانجليزية ( المشكوك فيها) - تراجع القوات الإنجليزية الي مرسى مطروح – وهذا لم يكن يحدث ابدا في الحروب القديمة التي تعتمد علي كسب الأراضي إلا في حالة الهزيمة. - استعداد المجاهدين للالتقاء مع السيد أحمد الشريف في مساعد علي الجدود الليبية المصرية، واقناعه بالنزول بجزء من جيش السنوسي للمساندة وهذا ما حدث بالفعل في معركة وادي ماجد الثانية.( انتظروها) - كما ان من نتائج المعركة هو أسر سبعة من قادة المجاهدين والعودة بهم الي مطروح وهم المجاهد حسين جبريل العاصى القناشى والمجاهد حميدة جبريل العاصى القناشى والمجاهد كريم حميدة العاصى القناشى والمجاهد فرج ازهيويق العزومى والمجاهد هارون بدر القناشى والمجاهد محمد الدربالى الجميعى والمجاهد حميدة عطيوة الفردى والمجاهد ختال العلونى الفردى والمجاهد داود زهيويق العزومى.