تُعَد اللغةُ العربيةُ اللغةَ الأكثر انتشارًا وبقاءً وأصالةً في العالم، ينطق بها ملايينُ البشر، لها قيمتها وقدرها، ولها مريدوها من الدارسين العرب وغيرهم ممن انبهروا بجمالها وقوتها وخصائصها التي لا تتوفر في أية لغة أخرى، ومما زادها شرفًا وألقًا كونها لغة القرآن الكريم، كلام رب العالمين، وعلى الرغم من تلك المكانة العظيمة التي نالتها تلك اللغة إلا أنه لم تتعرض لغة في التاريخ لمثل ما تعرضت له لغتنا العربية من التشويه، والتحريف، والتغيير، والهجر، ومن أشكال ذلك التشويه ما يأتي: - استعمال اللهجة العامية والخجل من التحدث بالفصحى، وخاصة في الأوقات التي يحتاج المتحدث إليها، كالمؤتمرات العلمية والندوات والمحاضرات...إلخ، وأنا لا أقلل هنا من اللهجة العامية، فمنها ما هو قريب من الفصحى، لكنها - يا للأسف- قد تدهورت واضمحلت حتى وصلت إلى ما نسمعه الآن في الأغاني الشعبية، وما يسمى ب(المهرجانات). - النطق غير الصحيح للكلمات العربية، ونجد ذلك عند كثير من المتخصصين والمثقفين، ولاسيما وسائل الإعلام، الأمر الذي يضيع رونق اللغة وبهاءها. - إلصاقها لنوعية معينة من الناس، كمدرس اللغة العربية الذي سخر منه الإعلام فأظهره بشكل مضحك، في الأفلام والمسلسلات ... وغيرهما. - التفاخر بالتحدث باللغات الأخرى، حيث ينظر المجتمع للمتحدث الذي يمزج بين العربية واللغات الأخرى في كلامه بأنه إنسان مثقف وواع ومتمكن، مما ترتب عليه هجر المدارس العربية والاتجاه إلى مدارس اللغات لتعليم أبنائنا. - تغيير دلالات كثير من الكلمات في اللغة، فمثلا عندما نريد أن نبالغ في وصف شيء محمود –مثلا - كلاعب الكرة إذا أردنا أن نصفه بأنه ماهر في لعبها نقول عنه: إنه (خطير، وجامد، وفظيع، وخرافة ورهيب ... إلخ)، فهذه الصفات في الأصل هي صفات ذم وليست للمدح، ولكن المجتمع غيّرها وجعلها تدل على المدح. كل ذلك يعد تشويهًا وتحريفًا للغتنا العربية، في الوقت الذى نرى فيه العالم من حولنا يعتز ويفتخر بلغته وبتراثه اللغوي، فهناك كثير من الدول قد وضعت أحكامًا وضوابط صارمة للحفاظ على لغاتها بأن ألزمت سكانها باستعمال لغتها في كل المعاملات الرسمية والمكاتبات، كفرنسا وألمانيا، بل إنهم فرضوا غرامات على أي كاتب يستخدم لفظًا من لغة أخرى طالما أن لهذا اللفظ مقابلا في لغتهم، أما نحن العرب فأصبحنا نستخدم اللغات الأخرى أكثر من لغتنا، ونتفاخر بذلك، ونسخر ممن يتكلم بالعربية الفصحى، وأطلقنا على محالِّنا ومطاعمنا أسماء أجنبية، واخترعنا أمورًا جديدة لهدم لغتنا مثل ظاهرة (الفرانكو-أراب)، وهي عبارة عن كلمات عربية، وأخرى إنجليزية، مكتوبة بطريقة معينة، وتستخدم الأرقام للتعبير عن بعض الأحرف باللغة العربية غير الموجودة في اللغة الإنجليزية، وإلى جانب ذلك كله -أيضًا- ما نراه من أخطاء إملائية جسيمة على مواقع التواصل الاجتماعي، أمثال: (في ذمت/ زمة الله، واللهي، انشاء الله، ... وغيرها)، وفي بعض كتابات طلاب المدارس والمعاهد والجامعات، وبعض ما ينشره الإعلام الإلكتروني، وعدد من لوحات المحال التجارية وغيرها. في ختام كلامي أستطيع أن أقول إن أية أمة بلا لغة خاصة بها تحافظ عليه وتفديها بروحها، هي أمة ضعيفة، يسهل احتواؤها، وتسهل السيطرة عليها، واللغة العربية الآن تعيش أضعف مراحلها، فيجب على المؤسسات التعليمية في المجتمع، والمجاميع اللغوية المعنية باللغة العربية، أن تقف وقفة صارمة تجاه مضيعي اللغة، والعمل -بكل ما أوتيت من قوة- على الرقي بها، وغرس حبها في قلوب شبابها. كاتب المقال عضو هيئة تدريس بكلية الآداب بقنا، جامعة جنوب الوادي