مَن منّا لا يعرف سي السيد؟! هذا الرمز العظيم للرجولة، الذي عاش ومات قبل قيام الثورة إياها! وبمصطلح الثورة هنا لا أعني ثورة 1919 التي قادها سعد زغلول ولا الثورة البلشفية التي قادها البلاشفة تحت إمرة فلاديمير لينين وليون تروتسكي بناء علي أفكار كارل ماركس، بل الثورة النسائية التي طالبت بالمساواة الاجتماعية والاقتصادية وكافة الحقوق الإنسانية المتعلقة بالكرامة. منذ أيام لاحظت عرض فيلم " أنا حرة " علي أكثر من قناة، كما فاحت في الأجواء عبير الميموزا الصفراء، مع ارتفاع في درجة حرارة تسليط الضوء علي المرأة! فأدركت علي الفور أننا علي أبواب الشهر الكريم للمرأة - شهر مارس- حيث عيد الأم والعيد العالمي للمرأة الذي بُدأ الاحتفال به عام 1945 إثر عقد أول مؤتمر للاتحاد النسائي الديمقراطي الذي يتكون من المنظمات الرديفة للأحزاب الشيوعية، والذي يرجعه البعض لعام 1908 إثر إضرابات نسائية في الولاياتالمتحدةالأمريكية . وإني لأنتهز بركة هذا الشهر في أن أحثّ قلمي علي الصيام عن التحقيقات الصحفية والمقالات الفكرية، فقد أتعبتني كثيرا لكني أعترف أنه تعب حلو لا أتمرد عليه إلا في مثل هذه المناسبات لأنعم بقسط من الراحة علي مائدة القضايا اللطيفة كتلك المرفوعة علي الرجل من قِبل المرأة، وعلي المرأة من قِبل الرجل. ولمّا كانت ميولي اليوم هي الراحة، فقد قررت وأنا في كامل قواي العقلية أن أصدر الحكم قبل المداولة! شأني في ذلك شأن كل الأشياء في بلادي وكأن النيل يرفع- سرا وعلانية - يافطة كُتب عليها:" لا للتداول "! و "كُتب" نحويا، هو فعل مبني للمجهول، ونحن العرب دائمًا ما تكون أفعالنا مبنية للمجهول مع أننا نعرف الجناة ' عز ' المعرفة! اللّهم اخذيك يا شيطان، ما الذي جعلني أتكلم عن النحوِّ وشركاه من فروع اللغة العربية، وأنا التي قررت اليوم ألاّ أتحدث إلا عن " عصر سي السيد الذي ولي " وليته بقيّ متي بقيت الحياة علي وجه البسيطة! فأنا محبة لذلك العصر ولشخصية سي السيد وزوجته أمينة، وبالطبع كلاهما مجرد أسماء رمزية للرجال والنساء آنذاك، أما أنا ف أسماء المصرية التي تدرس في جامعات إيطاليا، وسكنت أرض الفلاسفة اليونان ردحًا من الدهرِ، وتعاملت مع الأثرياء في الإمارات وسويسرا، ومع سكان إيطاليا ومسنيها في دور الرعاية والمصانع، ومع البسطاء من شعب مصر الطيب. هذه الجولات الحياتية، وهذا الصعود والهبوط في بورصة مستواي المادي والنفسي جعلتني أترحم علي سي السيد! قد يندهش البعض من أن يكون هذا رأي كاتبة في العشرينات من عمرها، ومعكم كل الحق.. فأنا أيضا أدهش لتفكيري هذا! فرغم سلبيات ذلك العصر ورغم الجور والنظرة الدونية التي لاحقت المرأة وقتئذ إلا أنني - بشيء من الحيادية والتأمل العادل - أري أن عصر ما قبل الثورات النسائية كان أكثر رفقا بالقوارير حيث الأدوار المحددة، الرجل رجل، والمرأة مرأة، أما الآن فقد تشابهنا كثيرا- أي الرجال والنساء - سواء في المظهر أو في المخبر. الرجل اليوم لم يعد منزعجا من حدوتة المساواة؛ ذلك أنها أزاحت من علي عاتقه جزء كبير من المسئولية المادية، وأُزيحت من أمامه المرأة لفترة طويلة من اليوم! يشعر هو فيها بالحرية ويجد وقتا كي يحدث هذه ويغازل تلك ثم ليُسقط البنطلون ويرفع حاجبه ويمسح علي رأسه بالجل والذي منه! والمرأة كذلك غارقة ما بين العمل خارج المنزل وداخله وإن تَبقّي لديها وقت فغالبًا ستشاهد برامج حواء التليفزيونية؛ لا لتطلب المزيد من المساواة! وإنما لتلعن فيه اليوم الذي نادت فيه النساء بهذا المبدأ الأعرج. ومن المؤكد، أن أقبح أنواع المساواة التي تقشعر لها الأبدان العفيفة وتشمئز منها الفطرة السمحة هو النوع الذي نادت به فئة قليلة جدا من النساء مثل الطبيبة والكاتبة المصرية نوال السعداوي التي أعتادت دوماً أن تقف أمام المجتمع بأفكارها الغريبة حيث وصفت الأديان التي تبيح تعدد الزوجات بأنها أديان نشأت في مجتمع طبقي وعبودي، ورأت أنه لا يمثل حلاً إنسانيًا، وطالبت بمنح المرأة الحق في تعدد علاقاتها الجنسية مثل الرجل، بدعوي أن ذلك يحقق المساواة بين الجنسين!! وكذلك الكاتبة والمذيعة السعودية "نادين البدير" والتي طالبت خلال مقالتها بصحيفة "المصري اليوم" التي حملت عنوان " أنا وأزواجي الأربعة " بتعدد الأزواج للمرأة مخالفة بذلك الأعراف والشريعة الإسلامية بل جميع الديانات السماوية . وفي تقديري الشخصي ، كافة الأديان السماوية تحمل قيم إنسانية نبيلة قادرة علي تحقيق المساواة والعدل والحب والحرية، ولا تغلق الأبواب في وجه التطور والتقدم بل تسهم إسهاما حقيقيا في نهضة المجتمعات وأفراده سواء كانوا ذكوراً أم إناثاً . وفي النهائية، لا يسعني إلا أن أهنئ نساء العالم بأعيادهن، وإذا كان حتما ولا بد أن تحتفلن.. فليكن هناك عيد للرجل أيضا، وكذلك عيد للأب، وعيد للأخ، وعيد للعيد، وذكري سنوية لرحيل سي السيد! [email protected]