كلما تقابل مجموعة من الأصدقاء، أو الجيران، أو الأقارب، يجمعهم سؤال واحد «إيه جرى للدنيا؟.. إيه جرى لأخلاق البشر؟».. وعن الأسئلة الرئيسة، تنبثق أسئلة فرعية.. لا نهاية لها! لو أخذنا ما يحدث فى الطرقات العامة مثلا، ونموذجا، لازدادت دهشتنا من هذا التدنى الفاضح فى الأخلاقيات.. فحين تغيب إشارة المرور، تغيب معها كل أسس الاحترام لقواعد المرور، بل وحتى حين يتيقن البعض من تعطل الإشارة الحمراء، تجدهم يعبرون الطريق، بلامبالاة، وإذا كان هذا دأب المناطق الحضرية فى عواصمالمحافظات، والمدن الرئيسة، فإن الصورة تبدو أكثر عشوائية فى شوارع الأحياء، والمناطق المزدحمة، فمابين السير عنوة فى الاتجاه المضاد، والتسابق بين سائقى الميكروباص؛ للفوز بزبائن للركوب، يقفز التوك توك، وصغار الصبية الذين يقودونه، كوسيلة أكثر إزعاجا للمواطن، ليس فقط لسيره بعشوائية وسط المناطق المكتظة، ولا للألفاظ الساقطة التى يتبارى قائدو التوك توك فى تبادلها بينهم، أو مع الزبائن، بل الأخطر أن هذا التوك توك، تحول لوسيلة إفساد للشباب، ومدمر للأخلاق، حيث يستخدم كوسيلة للمتاجرة فى المخدرات فى بعض المناطق البعيدة عن عيون الأمن، وتمارس فبه الكثير من الأعمال المنافية للآداب، ناهيك عن حالة الصخب والرعب التى لاتهدأ على مدار اليوم، جراء غياب الرقابة والمتابعة، وإطلاق الحبل على الغارب لأمثال هؤلاء ليقدموا صورة شائهة لديدان الأرض، التى تعكر صفو الحياة فى المناطق الشعبية على مدار النهار والليل، بل إنها راحت تقتحم بعشوائيتها المناطق الحضرية، إذ لم يعد من الغريب أن تجد التوك توك وهو بسابق السيارات على كورنيش النيل، أوالأوتوستراد، أوغيرها من المناطق، التى كان مجرد ظهور مقل هذه النوعية من المركبات فيها، من سابع المستحيلات. لا يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل تجاوزه بخطوات فى السيارات الصغيرة، والتى تحتل أسفل الكباري، ومطالعها، وتحت الأنفاق، وفى مداخل المناطق والأحياء.. والتى يطلقون عليها»العشة».. هذه المركبات يقودها شبان متهورون، وهم جاهزون دوما للاشتباك مع أى شخص، كل جريرته الطلب منهم التزام الهدوء والنظام.. حيث يحلو لأمثال هؤلاء التراص بطوابير طويلة، فى مفارق الطرق، فيعرقلون سيرها، ويعطلون مصالح الناس، ومن يتجرأ على الكلام يلقى جزاءً وعرا من مجموعات تعيش وفق قيم متجانسة، يناصرون بعضهم فى الباطل، ويتجرأون بوقاحة على كل من يحاول مجرد الاعتراض على خطاياهم، وما أكثرها. والمثير فى الأمر، أنه قلما تجد رجل مرور فى مثل تلك المناطق يمارس دوره فى تنظيم حركة المرور، أو إغاثة من يطلب النجدة من هؤلاء، وممارساتهم الشائنة، حتى بدا الأمر لدى العامة من الناس، وكأن هناك اتفاقا بين بعض رجالات المرور وسائقى هذه المركبات، لفعل ما يريدون، ودون أن يتصدى لهم أحد، ليصبح المواطن هو الخاسر الفعلى من جراء هذه الممارسات غير المسئولة. وفى خضم حديثنا عن التحولات التى ظهرت فى المجتمع، تبرز قضية الألفاظ التى يجرى استخدامها فى مواجهة البعض، لأقل سبب من الأسباب، حيث اعتاد الناس على نوعية جديدة من الشتائم، تتجاوز كل التوقعات، تطلق كالقذائف فى وجه أى أحد يختلف مع من يزاحمه فى الطريق، حتى وإن كان الخطأ الذى ارتكبه غير مقصود، وبات مشهد شخصاين يتسابقان، كل يريد إيقاف الآخر، لمحاسبته على خطئه أمرا اعتياديا، بعد أن استهان الناس بالقانون وأحكامه، وراحوا ينفذون قوانينهم الخاصة، فيوقفون السيارات فى قلب الطريق، ليصفوا حساباتهم الخاصة..لايعبأون بتعطيل الطريق، أوعرقلة مصالح المواطنين، فكل واحد بات مشغولا بذاته، وكيفية حصوله على حقه بيده. وإذا كان ما أسلفنا القول فيه، يشكل جنوحا عن القيم التى سادت فى المجتمع لعقود عدة، فإن من أخطر إفرازات تلك الحالة، هو هذا التحول فى سلوك كثير من السيدات، ممن يقدن السيارات، حيث تتصرف كثير من السيدات بسلوكيات مغايرة، توجه أقذع الألفاظ، وتنطق بعبارات فظة، غير معهودة، فى تطور بات الأسوأ، ويضع علامات حمراء أمام دوائر الخطر التى باتت تحيط بمجتمعنا من كل اتجاه.