اندلعت في اليومين الماضيين حربا عربية – عربية في الفضاء الآلكتروني, بين كاتب قطري وبعض الناشطين المصريين وقيل ان الذي اطلق شرارة هذه الحرب الضروس هو استهزاء احد مقدمي البرامج النقدية الاستهزائية المصرية - والتي تلبس شكل الفكاهة والتي اضحت من الكثرة والغزارة بمكان في زمن ما يسمي بالربيع العربي – بدولة قطر العربية بعبارات اقرب الي الاستهانة والتجريح, مما حدا بانبراء الكاتب القطري بالدفاع عما اثاره مقدم البرنامج بعبارات قاسية وجارحة لمصر والمصريين, وقد تناول المحاربون والمجاهدون في هذه الحرب اللامقدسة بعضهم بعبارات وألفاظ ومعاني كشفت عورات العرب من المحيط الي الخليج, ولا ادري ان كان صحيحا - في زمن الترمل العربي – هل من الحكمة ان يعرض مواطني دويلات الطوائف العربية سوءاتنا وينكئوا جراحنا في مهزلة من أبشع مهازلنا التي نصحو كل يوم علي العشرات بل المئات منها, بدءا من خيانة الوطن والتنكر للشعب والنكوص عن الثورات وكراهية الاصلاح والمصلحين والتعدي بالقول علي الحكام والمصلحين والسياسين علي اختلاف مشاربهم وايدلوجياتهم, ناهيك عن الامراض المستعصية الاجتماعية والاخلاقية التي ضربت بجزورها فينا حتي النخاع, ومنها تحطيم الثوابت وتقويض الرموز في كل الدويلات العربية بلا استثناء, وقد استوقفني في هذه الحرب الافتراضيه ملاحظتين, الاولي ظاهرة الاعلام المنفلت الذي يسخر من كل شئ ومن كل احد وبكل ما يتاح له من أساليب سواء اكانت جارحة او مهينة او سافلة, والأغرب ان هذه البرامج تقدم امام جمهور استمرأ هذا الفعل واستحسنه وملئته السعادة وضحك من قلبه وملء شدقيه وهو يري مقدمي البرامج يستهزئون بالدول وبالحكام وبالشخصيات العامة بالفاظ بشعة وافعال عبثية, فيضجون بالضحك غير عابئين بما يخلفه ذلك المهرج من آلام للشعوب او الشخصيات التي يتناولها, والغريب ايضا ان الجميع في دويلاتنا العربية المبتلاه بأهلها قد تربو علي ان هذه الافعال لا تصح وان من قلة اللياقة الاستهزاء بخلق الله وخاصة ان كان اخوك في القوميةه المنهكة المكلومة المحطمة حضاريا وسياسيا. اما الملاحظة الثانية فقد درجنا نحن مواطني الدويلات العربية المتناحرة ان نستغل كل شئ اخترعه لنا الغرب في غير المخصص له ' هم يخترعون ونحن نستهلك ', و قد ابتلانا الله – او أنعم علينا – بمواقع التواصل الاجتماعي مثل تويتر والفيس بوك وغيرهما والتي أتاحت للناس ان يعبروا عن ارائهم او يطلقوا نصائحهم او افكارهم الخلاقة منها او الهدامة في اي وقت يشائون, مما أوجد سيلا عنيفا من الكتابات التي يقرأها الناس علي تلك المواقع الغث منها والسمين, وانني اعتقد ان مخترعي هذه المواقع كانوا يبغون من وراءها تواصل الناس فيما ينفعهم, ولكن كعادة البشر عامة وعادة الشعوب المنهزمة حضاريا المصابة بالاحباط اللارادي والمتعفنة فكريا وثقافيا ان تستخدم هذه المخترعات فيما يضرها ويضر الاخرين. لكن السؤال الذي يطرحه هذا المقال الي متي يظل مواطني دويلاتنا العربية المشرزمة ينظرون الي بعضهم البعض بنظرة دونية وينظرون لانفسهم نظرة استعلائية فوقية مريضة دون وجه حق, لماذا كل البشر يسعون الأن الي تكوين تجمعات كبيرة سواء علي مستوي الأعراق او القارات او الشركات او المصالح تكون قادرة علي مجابهة التحديات التي تفرضها الظروف العالميه ومواطني الدويلات العربيه يسعون الي تجزأة بلادهم المجزأه وتقسيم المقسم, لقد ظللنا عمرنا كله نقول ان التقسيم ارادة الحكام لكن الاحقاد والصراعات في الفضاء الالكتروني قد كشفت لنا ان هناك من المواطنين ممن يحبون هذه الفرقه ويسعدون بها انسياقا وراء اكاذيب ثبتت في عقولهم من انصار التغريب العربي الذين فلقوا رؤسنا بالنعرات الطائفيه المقيته التي حولتنا الي اشباه دويلات واشباه بني ادميين – الا من رحم الله –, لكن يبقي الامل ان يخرج جيل جديد من رحم مأساة واقعنا العربي المرير فيمسك بزمام المبادأه لا بمبدأ السلامه الممزوجه بطعم الذل والعار, واعني بالمبادأه الاخذ باسباب التقدم لا بظواهره, والتقدم لن يكون الا اذا فكر العرب واخترعوا وكانوا منتجين لا مستهلكين, ولن يحدث ذلك إلا اذا نسوا خلافاتهم التافه وكانوا يدا واحدة. * خبير بجامعة الدول العربية [email protected]