الواضح أن الدول العربية حتى يومنا هذا لم تقف للأسف في مصاف الدول المتقدمة تكنولوجيا أو المصدرة للتقنيات الحديثة، والسبب ليس مجهولاً، فأمة أول ما نزل إليها من كتاب ربها «اقرأ» لا تخترع، وإذا اخترعت فأبحاثها تظل حبيسة الأدراج دون أن ترى النور! فمنظمة اليونسكو للتربية والثقافة والعلوم في تقرير صادر عنها تشير الى تدني نصيب الدول العربية من براءات الاختراع التكنولوجي على مستوى العالم فيما بلغ نصيب أوربا من هذه البراءات 47.4 في المائة وأميركا الشمالية 33.4 في المائة، واليابان والدول الصناعية الجديدة 16.6 في المائة. في الوقت نفسه تشرع دول العالم في تسجيل اختراعات مواطنيها حتى وصلت الآن إلى أكثر من 18 مليون براءة اختراع وتختلف نسبة كل دولة من حصيلة الاختراعات العالمية عن الدول الأخرى بناء على مستوى تقدمها العلمي والتكنولوجي، في سويسرا يوجد لكل 100 ألف مواطن، 1400 براءة سنويا، وفي اليابان 250 براءة لكل 100 ألف فرد، أما في الكيان الصهيوني فهناك 40 براءة لكل 100 ألف فرد، بينما في مصر مثلاً تصدر براءة واحدة لكل 100 ألف فرد في المتوسط» وفق الدراسات الحديثة. ومن الملاحظ أن براءات الاختراع للدول العربية تعادل 10 في المائة من اختراعات كوريا. مكتب براءات الاختراع الأميركية أظهر أن: «المملكة العربية السعودية تقدم مواطنوها ب 57 طلبا للحصول على براءات لاختراعاتهم ولم يصدر لأي منهم براءة، بينما في العام نفسه صدر لمواطني المملكة الأردنية الهاشمية 44 براءة اختراع، أما في مصر فصدرت 37 براءة فقط، بينما اليابان حصل مواطنوها على 129 ألفا و937 براءة عام 1997 وحصل الروس على 25 ألفا و644 براءة ونال الكوريون 14 ألفا و497 براءة اختراع ». ويبدو أن الأرقام والإحصاءات السابقة جرس إنذار يؤكد تراجع الاختراعات بشكل كبيرة في مختلف الدول العربية، مقارنة ب«إسرائيل»، بالإضافة إلى استمرار غالبيتها حبيس الأدراج، ولم يدخل مجال التطبيق والإنتاج منها إلا القليل، ولعل معظم استيرادنا وخاصة للآلات والمعدات الحديثة يكون من دول الغرب المهتمة بعملية الابتكار والاختراع أبرز دليل على ذلك، بينما نحن أهملنا المخترع العربي مقارنة بلاعبي الكرة ونجوم الغناء، ووضعناهم واختراعاتهم في الأدراج !. تجاهل المخترعين ومن المؤكد أن غالبية المخترعين يحملون القطاعين الحكومي والخاص مسؤولية عدم تبني مشروعاتهم الابتكارية. (عبد الله عبد الفتاح موظف) يقول متعجبا «اختراعي لم يجد طريقه للتنفيذ بسبب البيروقراطية والروتين في الأجهزة الحكومية والوعود الزائفة التي نتلقاها من أصحاب الشركات المختلفة». والمشكلة تكمن في أن الشركات لا تفتح أبوابها للمخترعين بل تستقدم الخبرات الأجنبية». وفيما يرى البعض ان غياب الوعي بأهمية البحث العلمي سبب تراجعنا على جميع المستويات، فليس هناك من يبدي اهتماماً بالمخترعين واختراعاتهم يؤكد آخرون أن هناك من حاول للأسف سرقة الأفكار وتنفيذها لصالحه، فالمشكلة ليست فيما ينفق على البحث العلمي ولكن في الوعي بأهميته. كفانا استيراداً ولعل العلم المقرون بالانتاج أهم من علم الافكار لما يترتب عليه من نهضة علمية وتكنولوحية على أرض الواقع. يقول د. على حبيش (مسؤول نقابي مصري): «لا نملك سياسة النفس الطويل ونبحث دائماً عن المضمون لذلك نلجأ إلى الاستيراد ولا نهتم أبداً بعملية الابتكار والاختراع» و«هناك عقبات كثيرة تواجه الاختراع منها عدم وجود المستثمر الذي يتبنى البراءة وينفق عليها ومدى توافر المواد المستخدمة في هذا الاختراع ومدى احتياج السوق المحلي له وقدرته على المنافسة في الأسواق العالمية». أين المخترع العربي؟! ويمكن القول إن توفير البيئة المناسبة للاختراع وتشجيع المخترعين أهم سبل الارتقاء بالبحث العلمي في مجتمعاتنا. رئيس مكتب براءات الاختراع المصري سابقاً د. فوزي الرفاعي يقول «لابد من دور يلعبه القطاع الخاص في الاستفادة مع العلم بأن العائد سيكون مجدياً على المدى البعيد، ويجب الاعتماد على الذات وتشجيع المخترع العربي وتنفيذ الاختراعات التي ستقدم جديداً، وينبغي عمل برنامج يهتم بتوفير المناخ العلمي والتعليمي والثقافي للمواطن العربي». بينما يرى البعض أن التكاتف المجتمعي سيساعد على ايجاد المخترعين والمبتكرين. تقول ليلى عبدالمنعم صاحبة كتاب «طريق الاختراع»: «لابد أن نمنح الفرص لأي مخترع ونعمل على صقل مواهبه، وألا نضع العراقيل أمامه حتى ينطلق إبداعهم واختراعاتهم». وتضيف: «النفع بمجهودات مخترعينا سيعود على المجتمع بدلاً من أن تصدر هذه الاختراعات إلى الخارج أو يتم سرقتها من قبل قراصنة الاختراعات».