ان الذي حدث في مصر لم يكن يتوقعه اكثر الناس تفاؤلا ممن يتكلمون عن التغيير في مصر , فقد انقسم الناس في هذا الشأن الي فريقين , احدهما يري انه ليس في الامكان ابدع مما كان , وان الحياه في مصر بكافة اشكالها ستستمر علي نفس المنوال , فالحزب الوطني الحاكم يضم في صفوفه مايقارب من مليونين وثمانمائة عضو , القليل منهم يؤمنون بايدلوجيات الحزب , والبعض منهم ارتبط بالحزب في محاوله لتحقيق مكاسب ما او لتحقيق الامن الخاص باسرته , اما الفريق الثاني فيري ان الحياه اصبحت في مصر لاتطاق , فالحكومه والحزب الوطني في وادي والشعب في وادي اخر , فالمواطن المصري يعيش في جحيم دائم سواء في الامن الداخلي من خلال الممارسات القاسيه لجهاز الشرطه وانفصاله الشبه التام عن الشعب , وفي الفشل الاقتصادي والاجتماعي والسياسي علي الصعيدين الداخلي والخارجي , والتردي في الخدمات الحكوميه حتي اصبح المواطن المصري يعاني الامرين من الجهاز الحكومي , لقد خرج الاف الشباب يوم الخامس والعشرين من يناير , لم ينتموا الي جماعه او الي حزب معارض , لم يكن يقودهم احد , بل كانت تقودهم امال عريضه وسنوات من الاحباط , وفقدانهم للثقه في المستقبل تحت قيادة النخبه الحاليه , لقد حدث في عام 2010 الكثير من الحوادث الجسيمه والتي اعتقد انها كانت الوقود الذي اشعل الشراره داخل اولئك الشباب , مثل مقتل الشاب خالد سعيد علي يد عنصر من جهاز الشرطه , او ما ثار حول التزوير الذي حدث في الانتخابات التشريعيه تحت سمع وبصر وبمساعدة جهاز الشرطه . الملاحظه الاولي علي الاحداث الجاريه في مصر ان تعليقات وتصريحات النخبه التي تقود البلاد بداية من الرئيس مبارك في البيانين الذين اعلنهما او رئيس مجلس الشعب او رئيس مجلس الوزراء الجديد ان كل طلبات الشباب مشروعه وكذلك من البعض الذي سعي لايجاد موقفا وسطا او متميعا بين المحتجين او النخبه الحاكمه مثل المستشار السابق لرئيس الجمهوريه د. مصطفي الفقي او عضو لجنة السياسات د . جهاد عوده والذي اكدا علي انهما نبها علي هذه الاوضاع التي اثارت الشباب وانهما طلبا مرارا وتكرارا التنبه لها ومعالجتها – وانني لم اطلع علي مواقف لهما الا مؤيده بشكل كامل للنخبه الحاكمه – وانني استغرب من كل تصريحات النخبه حيث انني لاافهم كيف تعلن النخبه انها توافق اولئك الشباب علي مطالبهم ويرون مشروعيتها , وفي نفس الوقت تتمسك النخبه بمواقعها , مع ان المعلن للدنيا كلها ان مطالب الشباب - الموصوفه من النخبه بانها مشروعه – تتمثل في رحيل النخبه الحاكمه ؟؟. اما الملاحظه الثانيه فسؤال لا اجد له اي اجابه الي الان الا وهو كيف ذاب مليون ونصف رجل – هم قوام قوات الشرطه والامن المركزي - بهذه السرعه العجيبه وكأن الارض ابتلعتهم في لحظة واحده ؟ هل من الممكن ان يكون ذلك بمحض الصدفه ان يتملك المليون ونصف شخص الخوف والهلع او التعب او خيانة الواجب اوالتخلي عن الامانه في لحظة واحده علي مستوي الجمهوريه حتي في المحافظات التي لم تمتد اليها المظاهرات , وحتي الان لم يجب احد علي هذا السؤال. الملاحظه الثالثه وبعد ان انكسر مابين وزارة الداخليه وبين الشعب بتصرف المسئولين عن الداخليه الغير ذكي يوم الثلاثاء والجمعه , هل تريد النخبه الحاكمه ان تكسر ايضا مابين الشعب و الجيش والتي ازعم انه اذا حدث ذلك فان البلاد ستغرق في حربا اهليه سوف تدمر مصر تدميرا كاملا وتقضي علي كل مكتسبات الشعب المصري منذ عهد محمد علي باشا الي الان , وستتحول مصر الي خرابه ينعق فوقها البوم والغربان وعندها لن تجد النخبه شعبا لتحكمه , وانما بقايا او حطام شعب. الملاحظه الرابعه دائما نردد لطلابنا ان التوقيت في اتخاذ القرار قد يفصل بين الحياه والموت , بين الأسر والفرار , بين خيط الصواب وخيط الخطا , فلماذا كانت كل توقيتات النخبه الحاكمه متأخره والتي ازعم انها كانت تغري المحتجين برفع سقف مطالبهم مما ترتب عليه تأجج الموقف وتصاعد الاحداث بطريقه دراميه سريعة الايقاع. الملاحظه الخامسه كيف تسمح النخبه لمؤيديها بتشويه صورتها امام العالم اجمع والظهور بمظهر البلطجه واستخدام العنف المفرط ضد محتجين مسالمين , في الوقت الذي تحتاج فيه النخبه اشد ما تكون الي تحسين صورتها امام العالم بعد ما حدث يوم الثلاثاء والجمعه الماضيتين والتي ظهرت فيهما – علي كل القنوات الفضائيه - بانها تضرب المتظاهرين بيد من حديد ودون رحمه وترشهم بالماء وهم يؤدون الصلاه , وتدهسهم بالمصفحات التابعه لجهاز الشرطه ؟ ان ما يحدث اليوم في مصر جد خطير وان التصاعد في الاحداث قد يؤدي الي كارثه تعصف بنا جميعا , لاتبقي ولاتذر تأكل الاخضر واليابس ولاتبقي علي احد. [email protected] *خبير بالمنظمه العربيه للعلوم الاداريه