رئيس أساقفة الكنيسة الأسقفية يهنئ السيسي بذكرى ثورة 23 يوليو    التعليم العالي: استمرار العمل بقواعد قبول الالتحاق بالجامعات الأهلية    رئيس حزب العدل يقود جولات "طرق الأبواب" في القاهرة    "مصر كانت ملاذًا آمنًا".. 940 سودانيًا يغادرون مصر بذاكرة من المحبة والدعم في أصعب الأوقات    تداول 10 آلاف طن و491 شاحنة بضائع بموانئ البحر الأحمر    السيسي يوجه بتسريع الاكتشافات البترولية وتوسيع الاستثمارات: توفير احتياجات المواطنين ودعم الاقتصاد بخريطة طاقة جديدة    طلاب "ميكاترونيكس بحلوان" يبتكرون ذراعا روبوتية ليزرية بتقنيات التحكم الذكي    الأردن في مجلس الجامعة العربية: الاحتلال الإسرائيلي يمعن في التهجير والتجويع    أردوغان عن مجاعة غزة: لا كرامة إنسانية لمن يقبل بهذه القسوة    صحة غزة: ارتفاع عدد ضحايا المجاعة إلى 101 شهيد بينهم 80 طفلا    بوتياس تثق بقدرة إسبانيا على إنهاء سلسلة عدم الفوز على ألمانيا قبل لقائهما بأمم أوروبا للسيدات    كريم نيدفيد: الإصابة وزحمة نص الملعب عرقلت مشواري مع الأهلي..تريزيجيه رجع بدري وزيزو انهى مقولة المستحيل في الكرة    ارتفاع نسبة النجاح في نتيجة الثانوية العامة 2025 مقارنة بالعام الماضي    الاستعلام عن المخالفات المرورية: دليلك الشامل    طقس الكويت اليوم الثلاثاء 22 يوليو 2025    تموين الفيوم يضبط 15 مخالفة تموينية ويُحبط تهريب دقيق مدعم وسجائر مجهولة المصدر    ضبط مندوب لاستيلائه على 2 مليون جنيه أثناء تغذية ماكينات الصرف بشبرا الخيمة    راغب علامة يكسر الصمت: لست مسؤولًا عن أي تصرّف عفوي... ومصر بلدي الثاني    استعراضات مبهجة للفلكلور البورسعيدي في ليالي مهرجان صيف بلدنا بمطروح    «بيت الزكاة والصدقات» يصل المنوفية لدعم 5400 طفل من حفظة كتاب الله    «عبدالغفار» يشهد فعاليات مؤتمر التميز في جراحة المخ والأعصاب    مديرية أمن أسيوط تنظم حملة للتبرع بالدم    لحقت بأخواتها.. وفاة فرحة الطفلة السادسة من أسرة واقعة دلجا في المنيا    جامعة القاهرة تنظم مؤتمرها الدولي الأول للذكاء الاصطناعي    فتح باب التقديم الإلكتروني لمدارس STEM والمتفوقين بعين شمس    شعبة الذهب: 194% قفزة في صادرات القطاع لتسجل 3.9 مليار دولار بالنصف الأول من 2025    هل يجوز عمل عقيقة واحدة ل 3 أطفال؟.. أمين الفتوى يجيب    أمين الفتوى: يجب على كل مسلم تعلم القدر الضروري من الأحكام لضمان صحة عباداته    بحد أدنى 85%.. شروط ورابط تنسيق القبول بمعهد الكوزن المصري الياباني    الخطيب يطمئن على حسن شحاتة في لفتة إنسانية راقية    للأطباء.. تفاصيل برنامج الزمالة المصرية بمعهد تيودور بلهارس    «أونروا»: سكان غزة يصابون بالإغماء من شدة الجوع    استقرار سعر الريال السعودي في بداية تعاملات اليوم 22 يوليو 2025    ضبط أحد الأشخاص لإدارته كيانا تعليميا "دون ترخيص" بالجيزة    اتحاد المهن الطبية يحذر من التصديق على قانون الإيجار القديم    الجامعة الألمانية توقع اتفاقية مع Ghorfa لدعم التعليم والتدريب عبر الحدود    تعرف على إجمالي إيرادات فيلم "المشروع X"    مصطفى كامل: راغب علامة لم يخطئ عن قصد.. وسيحضر للنقابة    محمد أوتاكا: مفيش عمل مضمونه النجاح.. وفيلم "فار ب7 أرواح" نصيبه كده |خاص    تفاصيل تجربة الكاتب يوسف معاطي مع الزعيم عادل إمام في الدراما    مدافع الأهلي: الموسم المقبل سيكون صعبًا ولدينا الطموح لتحقيق البطولات    تقارير: مصطفى محمد على رادار نيس الفرنسي    تنسيق الثانوية العامة 2025.. مؤشرات معهد فني صحي 2024 بالدرجات    أسعار الذهب تتراجع وسط ترقب المستثمرين لأي تقدم في المحادثات التجارية    نتنياهو: ليست هناك فرصة للسلام مع النظام الحالي في إيران    «البحوث الإسلامية» يطلق حملة دولية لمواجهة سياسة التجويع الصهيونية ضد أهالي غزة (تفاصيل)    «الصحة» تبحث التعاون في الذكاء الاصطناعي مع شركة عالمية    لترشيد استهلاك الكهرباء.. تحرير 146 مخالفة لمحال غير ملتزمة بمواعيد الإغلاق    عراقجي: غير مستعدين للمفاوضات المباشرة مع واشنطن حاليا    راتب ضخم وقيمة انتقال باهظة.. الأهلي يستبعد ساليتش من المرشحين لخلافة وسام أبو علي    رانيا محمود ياسين غاضبة: «منفعلتش على أمي.. كنت بدور عليها ومش لاقياها»    «هل انتهت القصة؟».. جون إدوارد يرفض كل سُبل الاتصال مع نجم الزمالك (تفاصيل)    البيت الأبيض: ترامب يسعى إلى حل دبلوماسي لصراعات الشرق الأوسط    لاعب مفاجأة يخطف أنظار ريبيرو في معسكر الأهلي بتونس (تفاصيل)    لا علاقة له ب العنف الجسدي.. أمين الفتوى يوضح معنى «واضربوهن»    تفسير آية| «أفحسبتم أنما خلقناكم عبثًا» الشعراوي يوضح سر وجود الإنسان وغاية خلقه    تحذير بشأن حالة الطقس اليوم: منخفض الهند وقبة حرارية في القاهرة والمحافظات    بمشاركة مروان موسى وعفروتو.. أحمد سعد يكشف عن بوسترات «حبيبي ياه ياه»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحزب الوطني تغير‏..‏والواقع أيضا‏!‏
نشر في الأهرام اليومي يوم 23 - 12 - 2010

هذه دعوة لقراءة الكثير من تفاصيل انتخابات مجلس الشعب الأخيرة‏..‏ تفاصيل تفسر أسباب فوز الحزب الوطني بعدد كبير من المقاعد‏. وأيضا عوامل هزيمة المعارضة الحزبية ومرشحي جماعة الإخوان المحظورة في عدد من الدوائر‏..‏ قد تكون الوتيرة السريعة للانتخابات وحدوثها علي مستوي‏222‏ دائرة في يوم واحد لم يمكنا الإعلام من قراءة ما هو أبعد من النتائج بمجرد إعلانها‏..‏ لكن ما حدث يستحق أن نتأمله ونفكر فيه بروية‏,‏ حتي يمكن أن نفهم الصورة الكاملة‏.‏
ومن الطبيعي أن تكون أول لقطة في الصورة هي مقارنة بين مصر في‏2010‏ ومصر في‏2050.‏
صحيح أن أي حزب يحتاج لبذل جهد تنظيمي لحفز الناخبين لدعم مرشحيه في أي انتخابات عامة‏..‏ إلا أن هذا الجهد ليس هو الحد الفاصل بين الفوز بأغلبية أو خسارتها‏..‏ خاصة إذا كنا نتحدث عن حزب الأغلبية المشكل للحكومة‏..‏ في هذه الحالة‏,‏ فإن جزءا مهما من أي تصويت في أي انتخابات عامة يكون اقتراع ثقة علي ما حققته أو ما لم تحققه الحكومة القائمة‏..‏ ذلك هو العامل الرئيسي المحرك لاتجاهات التصويت‏.‏
انتخابات مجلس الشعب الأخيرة جرت علي خلفية رئيسية مفادها أن مصر‏2010‏ أفضل في كثير من المجالات عما كانت عليه في‏2005..‏ في الوقت الذي كانت فيه المعارضة وبعض وسائل الإعلام التي أصبحت تقوم بدور المعارضة تشكك في كل إنجاز يتحقق‏..‏ تحاول خلق شعور عام بأن مصر تتدهور‏,‏ لا تتطور‏..‏ كانت الحكومة تنفذ برنامجا انتخابيا رئاسيا رقميا‏,‏ ربما لأول مرة في أي دولة عربية‏.‏
حقا لم نحقق كل طموحاتنا‏..‏ لكنها مثلت طفرة قوية في الولاية الحالية للرئيس مبارك‏,‏ فقد تحقق فيها أعلي متوسط لمعدلات النمو في مصر علي مدار أربعة عقود‏..‏ أكبر زيادة حقيقية في الإنفاق العام‏..‏ أكبر نسبة زيادة في الإيرادات العامة‏..‏ زادت فيها صادراتنا غير البترولية بأكثر من الضعف‏..‏ شهدت زيادة‏7‏ أمثال في الاستثمارات الأجنبية المباشرة‏..‏ خلقنا‏4‏ ملايين فرصة عمل في‏5‏ سنوات‏..‏ متوسط الدخل السنوي للفرد زاد من‏7700‏ جنيه ل‏15500‏ جنيه‏..‏ العاملون بالحكومة مرتباتهم زادت بنسبة‏100%..1.5‏ مليون مدرس مرتباتهم زادت بنسب من‏100-200%..‏ ما يقرب من‏300‏ طبيب مقيم في وزارة الصحة دخلهم الشهري زاد من‏630‏ جنيها ل‏1380‏ جنيها‏..‏ العمالة الزراعية بلغ متوسط الزيادة في أجرها في بعض محافظات الوجه البحري ما يقرب من‏100%..‏ العمالة بقطاع الإنشاءات ارتفع أجرها في المتوسط بنسبة لا تقل عن‏80%..‏ بالنسبة لعمال اليومية في هذا القطاع‏,‏ أجرهم الشهري زاد في المتوسط من نحو‏250‏ جنيها عام‏2005‏ إلي أكثر من‏700‏ جنيه عام‏..2010‏
عموما ارتفع مستوي معيشة الطبقة المتوسطة المصرية‏..‏ يشهد علي ذلك المليون و‏600‏ ألف طالب في المدارس الخاصة‏..‏ والعدد يتزايد بمعدل‏20%‏ في السنة‏..‏ مليون مصري اشتروا سيارات جديدة في ال‏5‏ سنوات الماضية‏..(80%‏ من هذه السيارات سعرها أقل من‏75‏ ألف جنيه‏)..‏ تصاريح المباني السكنية زادت أكثر من‏10%‏ خلال عام‏2009‏ فقط‏..‏ يعمل في مصر الآن‏39‏ بنكا خاصا ومشتركا وأجنبيا لهم أكثر من‏3400‏ فرع بمحافظات مصر المختلفة‏..‏ توفر هذه البنوك بالتوازي مع شركات الاتصالات والكمبيوتر ومكاتب الاستشارات الهندسية وشركات البناء والتشييد الآلاف من فرص العمل لأبناء هذه الطبقة‏..‏ وفرص عمل تعني تحسنا في الدخل‏.‏
صاحب هذا انحياز كامل للمواطن الأقل دخلا خلال السنوات الماضية‏..‏ فنحن نصرف خمس إيراداتنا العامة لتغطية أجور‏5‏ ملايين موظف حكومي‏..‏ نصرف ثلث إيراداتنا علي برامج الدعم والحماية الاجتماعية‏..‏ أصدرنا‏1.4‏ مليون بطاقة تموينية جديدة‏..‏ نصيب المواطن من الدعم زاد من‏680‏ جنيها ل‏1300‏ جنيه في‏5‏ سنوات‏..‏ أنشأنا‏300‏ ألف وحدة سكنية للشباب‏..‏ طورنا‏169‏ مستشفي عاما ومركزيا و‏1826‏ وحدة صحية أساسية‏..‏ استثمارات تخدم بالأساس المواطن المصري البسيط‏..‏ كل هذه البرامج يتم تمويلها بالأساس من خلال الضرائب‏..‏ ضرائب أغلبيتها يتم تحصيلها من شرائح المجتمع الأعلي دخلا‏..‏ حقا نحتاج لبذل المزيد في هذا الإطار‏..‏ لكن هذا لا ينفي حجم ما تحقق‏.‏
البنية الأساسية باتت أفضل‏..60‏ مليار جنيه تم صرفها علي مشروعات مياه الشرب خلال السنوات الخمس الماضية‏..‏ لا يمكن أن تكون قد ضاعت هباء‏..‏ لابد وأن يكون المواطن شعر بأثرها علي حياته‏..‏ أضفنا‏33%‏ في حجم الطاقة الاستيعابية لشبكات الصرف الصحي‏..‏ انتهينا من إجراء تصوير جوي أدي إلي اعتماد أحوزة عمرانية جديدة لكافة قري الجمهورية‏..900‏ قرية وتابع تمت إنارتها في الأربع سنوات الأخيرة‏..377‏ ألف أسرة من سكان العشوائيات تم ربطهم بشبكة الكهرباء بصورة قانونية‏.‏
كل هذه مؤشرات قد لا يستشعرها عدد من وسائل الإعلام التي تحصر تركيزها في المناطق الحضرية أو مناطق ما حول العاصمة‏..‏ لكنها مؤشرات تصنع فارقا في حياة الملايين من المصريين في الريف‏..‏ بالمناسبة‏,‏ الريف المصري يشكل الكتلة التصويتية الرئيسية في‏72%‏ من دوائر الجمهورية‏..‏ أمانة السياسات في الحزب‏,‏ وهي تدرس ظروف المواطن‏,‏ وتصيغ السياسات الملائمة التي تنفذها الحكومة‏,‏ كانت تعرف جيدا أن هذه المؤشرات هي التي تصنع الفارق في حياة الفلاح الذي وجد ربما لأول مرة منذ‏30‏ عاما أن الدولة وضعت نظاما للتوسع العمراني المنظم يسمح له ببناء مسكن له وعائلته بالقرب من زراعته‏..‏ هو نفس الفلاح الذي استشعر زيادة حقيقية في دخله علي مدار الأعوام الخمسة الماضية ربما باستثناء عام‏2009‏ كنتيجة لسياسة الحكومة الخاصة بأسعار توريد المحاصيل الزراعية‏..‏ هذه المؤشرات صنعت الفارق في حياة المواطن الذي لاحظ تحسنا ملحوظا في خدمة مياه الشرب والصرف الصحي‏..‏ في حياة مئات الآلاف من العاملين في المحليات الذين رأوا تصحيحا ثوريا في هيكل الأجور لصالحهم‏..(‏ في مايو‏2008,‏ تم رفع الحد الأدني لحافز الإثابة لحوالي‏3‏ ملايين موظف بالإدارة المحلية من‏25%‏ إلي‏75%,‏ بالإضافة إلي ال‏30%‏ التي حصل عليها جميع العاملين في الدولة في هذا العام‏)..‏ قلل ذلك من خلل كان موجودا علي مدار سنوات لا يمنح موظفي الإدارة المحلية نفس رواتب العاملين بالوزارات المركزية ممن علي نفس الدرجة الوظيفية‏.‏
انتخابيا‏,‏ تلك كتل تصويتية كبيرة وضخمة‏..‏ بعض منها اتجه للتصويت العقابي ضد الحزب في انتخابات‏..2005‏ في انتخابات‏2010‏ تحسن أحوالها عكس هذه الظاهرة‏..‏ صحيح أنه لا يزال أمامنا الكثير لتحقيق طموح أي مواطن مصري‏..‏ لا نقول إنه ليس في الإمكان أبدع مما كان‏..‏ لا ندعي أن ما حدث من تحسن إيجابي هو كاف‏..‏ لكن التحسن في أي مجتمع يتم قياسه بصورة نسبية‏..‏ ما حدث لا يمكن إنكاره‏..‏ ما حدث كان حتما سينعكس علي صندوق الانتخاب‏..‏ شكل هذا الأساس العملي لاختلاف نتائج انتخابات‏2010‏ عن انتخابات‏..2005‏ خاصة أنه في المقابل‏,‏ كل القوي الأخري كانت تسعي إلي تيئيس الناس‏..‏ تحاول أن توهمهم بأن كل ما يطرأ علي حياتهم من تغيير غير حقيقي‏.‏
أضف إلي ذلك أن الحزب الوطني في‏2010‏ لم يكن هو نفس الحزب في‏..2005‏ إعدادنا كحزب لانتخابات‏2010‏ تم منذ عام‏..2005‏ أدخلنا الكثير من التغييرات والمبادرات التي أعلت من قيمة العضو‏..‏ عززت من مبدأ الالتزام الحزبي للعضو العامل‏..‏ للنائب البرلماني‏..‏ ولعضو المجلس المحلي عن الحزب‏..‏ بداية من إجراء انتخابات داخلية لشغل عضوية لجان الحزب علي مستوي جميع تشكيلاته التنظيمية‏..‏ انتخابات تجربتها الأولي كانت في‏2007‏ ثم كررنا نفس التجربة في‏..2009(‏ عدد المقاعد التي كان يتم التنافس عليها كانت في المتوسط‏140‏ ألف مقعد علي مستوي الجمهورية‏)..‏ خلال هذه الأعوام أيضا دربنا كوادرنا‏3‏ مرات فيما كان يعرف ب منتديات الوطني للأعضاء التنظيميين‏..‏ المحتوي التدريبي تضمن موضوعات تنظيمية فضلا عن عدد من القضايا العامة وسياسات الحكومة للتعامل معها‏..‏ تجربة من التدريب السياسي أعتقد أنها فريدة سواء من حيث المحتوي التدريبي‏,‏ أو ضخامة عدد القيادات المشاركة فيها‏(‏ أكثر من‏5‏ آلاف متدرب في المرة الواحدة‏).‏
بدأ بعد ذلك الاستعداد المباشر لانتخابات‏..2010‏ نقطة الإنطلاق كانت اختيار‏3‏ مسارات للترشيح‏..‏ المجمعات الانتخابية‏,‏ والانتخابات الداخلية‏,‏ واستطلاعات الرأي‏..‏ الجمع بين المسارات الثلاثة معناه عملا أننا استطلعنا آراء أكثر من‏2‏ مليون مصري علي مدار‏5‏ أشهر قبل الدفع بأي من مرشحينا‏..‏ أعددنا خطة للتحرك الحزبي بتكليفات ومهام محددة لأعضائنا التنظيميين‏..‏ تقوم علي تكوين حلقات اتصال مع الناخبين تتفرع لدوائر أوسع لضمان تغطية ما يقرب من‏5‏ ملايين ناخب علي مستوي الجمهورية‏..‏ شكلنا ودربنا لجان استقبال ناخبين لتوجيه ناخبينا أمام كل مقر انتخابي‏..‏ يوم الانتخابات أدرنا منظومة تضمنت غرفة عمليات مركزية في مقر الأمانة العامة بقوة‏260‏ مسئول اتصال وأخري في مقر الحزب بكل محافظة‏..‏ النتيجة كانت أننا كنا علي اتصال دائم كل ساعة بكافة المقار الانتخابية التي يزيد عددها عن‏10‏ آلاف‏..‏ كنا نقوم بمتوسط‏8218‏ اتصالا في موجة الاتصال الواحدة‏..‏ منظومة مكنتنا من الرصد والمتابعة بصورة نادرا ما تتوفر لأي حزب سياسي آخر في مصر‏.‏ كل هذه التطورات الجذرية أنشأت حزبا أكثر كفاءة في العمل‏..‏ أكثر قدرة علي حفز ناخبيه‏..‏ أكثر استعدادا للحفاظ علي أغلبيته في انتخابات‏.2010‏
والسؤال التلقائي هنا‏:‏ ماذا حدث علي الجانب الآخر؟‏!‏
الإجابة ببساطة هي أن الجماعة المحظورة في‏2010‏ أضعف من‏.2005‏
صحيح شهدت انتخابات‏2005‏ أكبر تمثيل برلماني لجماعة الإخوان المحظورة في تاريخها‏..‏ عاملان رئيسيان ساهما في حصول مرشحي الجماعة في هذه الانتخابات علي هذا العدد الكبير من الأصوات‏..‏ أصوات تعرف حتي قيادات الجماعة نفسها أنها أكبر بكثير من قوتها التصويتية الحقيقية‏.‏
العامل الأول تمثل في استخدام الشعارات الدينية علي نطاق غير مسبوق‏..‏ شعارات مدعومة في نفس الوقت بعدد كبير من مرشحي الجماعة في الدوائر‏..‏ المجتمع المصري مجتمع متدين بطبعه‏..‏ احترامه وتقديره الشديدان للدين يدفعه لاحترام وتقدير أي شخص يتحدث باسم الدين‏..‏ النتيجة كانت حالة تشبه الانبهار بمرشحي الجماعة في‏2005‏ وبشعاراتهم الدينية القوية في اللفظ والتعبير وبالتالي التأثير‏..‏ شعارات ولدت لدي المواطن في عدد من الدوائر شعورا خاطئا بأنه أمام تيار جديد من السياسيين ربما لم يعهده من قبل‏..‏ انعكس هذا الشعور علي صندوق الانتخابات في هذه الدوائر بصورة ضخمة من الكتلة التصويتية الرئيسية للجماعة‏.‏
العامل الثاني كان حسن استغلال مرشحي الجماعة لطبيعة النظام الانتخابي المصري‏..‏ قد يكون الاسم المتعارف عليه لدي المواطن العادي وبعض وسائل الإعلام للنظام الانتخابي المطبق في مصر أنه نظام فردي‏..‏ الواقع أن النظام الانتخابي المصري ليس نظاما فرديا بصورة كلية‏..‏ فعلي عكس أي نظام فردي بحت‏,‏ في إطار النظام الانتخابي المصري ينجح عن الدائرة الانتخابية الواحدة مرشحان اثنان‏..‏ قانونا‏,‏ بطاقة الاقتراع تصبح باطلة لو لم يتم فيها اختيار مرشحين اثنين‏..‏ النتيجة المباشرة هي ضرورة نشأة تحالفات بين أزواج من المرشحين في كل دائرة‏..‏ تحالف بموجبه يحصل كل مرشح علي أصوات مؤيدي المرشح الآخر وبالعكس‏..‏ غالبا ما تكون هذه التحالفات بين أحد مرشحي الفئات من جهة وأحد مرشحي العمال‏/‏الفلاحين من جهة أخري‏..‏ تلك التحالفات تسمح لكل مرشح طرف فيها الحصول علي تأييد مركز ثقل المرشح الآخر الذي ما كان له أن يحصل عليه لولا هذا التحالف‏..‏ واقعنا الانتخابي هو صعوبة فوز مرشح بأي من مقعدي الدائرة دون حليف من المرشحين علي المقعد الآخر‏..‏ التعبير المتعارف عليه في الريف المصري‏:‏ مين حيرمي علي مين‏(‏ هذا الواقع قد يدفع المجتمع إلي إدخال تعديلات علي هذا النظام ليصبح فرديا بصورة كلية‏).‏
مرشحو الجماعة أحسنوا استغلال هذه الصفة الهيكلية للنظام الانتخابي المصري في‏..2005‏ أبرم مرشحوهم تحالفات علي مستوي كل دائرة إنتخابية سمحت لهم بالحصول علي أصوات مؤيدي مرشح آخر في ذات الدائرة‏..‏ حدث هذا في نفس الوقت الذي فتت فيه الحزب الوطني آنذاك كتلته التصويتية في الدائرة الواحدة بعد أن أصر علي دعم مرشح واحد من أبنائه مما أغضب أعضاءه الآخرين الذي رغبوا في الترشيح‏..‏ دفع هذا هؤلاء إلي خوض الانتخابات كمستقلين والتحالف مع مرشحي الإخوان عتابا منهم للحزب‏..‏ وفر هذا السياق أرضية خصبة لمرشحي الجماعة لتحقيق التكتيك الانتخابي القائم علي تعظيم كتلة المؤيدين من خلال التحالفات‏.‏الوضع في‏2010‏ اختلف كثيرا‏..‏ الاختلاف كان من شأنه ألا يتكرر حدوث هذين العاملين‏..‏ أو علي الأقل بنفس الأثر الذي كانا عليه في انتخابات‏2005.‏
نظرة الناخب المصري نفسه لنواب ومرشحي الجماعة اختلفت‏..‏ في عدد كبير من الدوائر بات الناخب المصري ينظر إلي نائب الجماعة علي أنه سياسي يخوض عملية انتخابية‏,‏ كأي نائب أو مرشح آخر‏..‏ تلاشت إلي حد كبير صورة مرشح الجماعة علي أنه رجل دين‏..‏ هذه نتيجة ساهمت تصرفات الجماعة فيها أكثر من أي شيء قلناه أو فعلناه‏..‏ بداية من حادثة العرض العسكري لميليشيات الجماعة في حرم جامعة الأزهر‏..‏ مرورا بتصريحات مرشد الجماعة السابق التي قال فيها حرفا طظ في مصر‏..‏ وأنه لا يمانع في أن يحكم مصر مواطن ماليزي أو نيجيري مادام مسلما‏.‏
أضف إلي ذلك أداء نواب الجماعة تحت القبة الذي كان عبارة عن اعتراضات لا نهائية وغير منطقية‏..‏ مماطلة لا معارضة‏..‏ أداء امتزجت فيه المعارضة بالتعريض‏..‏ أصبح فيه الهجوم شخصي أكثر منه موضوعي‏..‏ امتزجت فيه المعارضة بالامتعاض‏..‏ الأولي تعكس قدر من التفتح في حين أن الثانية تعكس نفورا سياسيا وفكريا‏..‏ النتيجة كانت أن الكتلة البرلمانية للجماعة لم تكن كتلة معارضة قد تشاركك الطريق نحو نفس الهدف ولكن برؤي مختلفة‏..‏ لكن كتلة معطلة بحيث تقطع أي طريق لأي هدف‏..‏ المشهد الختامي كان صورة امتزج فيها رفع الحذاء باعتراض ورفض عنيفين عندما اقترح نائبنا محمد أبو المجد نصار الإشارة إلي اسم الشهيد المصري علي حدودنا مع غزة أحمد شعبان في بيان للمجلس‏..‏ هذا الشهيد الذي أريق دمه برصاص من كنا نحسبهم أصدقاء‏..‏ لكن الأهم عند نواب الجماعة من دم هذا الشهيد‏,‏ كان عدم المساس بحركة حماس‏.‏
ملخص أداء نواب الجماعة تحت القبة طوال الخمس سنوات السابقة كان الإصرار علي رفض كل مشروع قانون‏..‏ بل كل مادة‏(‏ وكل فقرة في كل مادة‏)‏ في كل مشروع قانون دون أي مبررات منطقية‏..‏ نواب الحزب الوطني وحكومته شرعوا قوانين لحفز الاقتصاد المصري‏..‏ هم لم يوافق منهم أحد‏..‏ شرعنا قوانين لزيادة الأجور ورفع أسعار الطاقة علي الصناعات الثقيلة‏..‏ هم لم يوافق منهم أحد‏..‏ جرمنا ختان الإناث‏,‏ شرعنا للسماح بنقل الأعضاء لإنقاذ مرضانا‏..‏ هم أيضا لم يوافق منهم أحد‏..‏ نوابنا ناقشوا‏,‏ وعدلوا‏,‏ ثم وافقوا علي قانون يسمح بمشاركة القطاع الخاص في مشروعات البنية الأساسية لكي تتخطي بلدنا سقف إنفاق الموازنة‏..‏ هم لم يوافق منهم أحد‏..‏ نحن من شرع لقانون الضرائب العقارية‏..‏ الذي يؤسس لعدالة اجتماعية تفرض سعر ضريبة أعلي علي العقارات الأكثر قيمة‏..‏ هم لم يوافق منهم أحد‏..‏ بل برروا رفضهم بأنهم يريدون إعفاء المسكن الخاص بالرغم من أن‏95%‏ من المساكن الخاصة معفاة عملا طبقا للقانون‏..‏ المنازل الوحيدة التي يفرض القانون ضريبة عليها هي منازل المواطنين الأعلي دخلا‏..‏ وكأن نواب الجماعة أصبحوا نوابا عن هؤلاء بالأساس‏.‏
في الحلقة الثانية
أسرار عملية إسقاط مرشحي المحظورة وأخطاء حزب الوفد
وضعنا البلتاجي في كماشة شبرا الخيمة‏..‏ الكتاتني كان يواجه حصارا ثلاثيا في المنيا


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.