أسباب كثيرة أدت إلى احتقان وغضب الشارع الجزائرى وحراكه الثورى المستمر فصولا منذ بدء الاحتجاجات الجماهيرية بالجزائر فى 22 فبرايرالماضى 2019، للمطالبة فى بادئ الأمر بعدم ترشح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لفترة رئاسية خامسة.. وذلكَ بعد أن دعاه إلى الترشح أحزاب الموالاة وحزب جبهة التحرير الوطنى للمشاركة فى السباق الانتخابي، ثم تطورت الأحداث على غرار أحداث ثورات الربيع العربى إلى مطالبات شعبية جريئة عكست بدورها معاناة الجزائريين وأوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية المتردية منذ عقود، وبحلمهم المشروع فى تغيير مستقبلهم، وبما تملكه الجزائر من ثروات ومقومات كبيرة تؤهلها لاسترجاع هيبتها ومكانتها، ومن أهم المطالب الجماهيرية التغيير الشامل لكل رجال الحكومة، والمطالبة باعتقال عدد من السياسيين القدامى ومنعهم من السفر لمحاكمتهم فى قضايا الفساد واستغلال النفوذ، وبتوقيف ضباط سابقين والمطالبة بسجن عدد من رجال الأعمال الأثرياء لمساءلتهم عن مصادر تربحهم،وبإبعاد كل السياسيين القدامى ومن لم يثبت تورطه فى المشاركة فى الحياة السياسية لمسئوليتهم السياسية والتاريخية عما وصلت إليه أوضاع الجزائر، وبرغم تدخل الجيش الجزائرى وبعض رجال الحكومة والبرلمان السابقين فى الاحتجاجات، وعملهم على الحفاظ على الحراك الشعبى وتلبية مطالبه مع الحفاظ على كيان الدولة، إلا أن الثورة الجزائرية ظلت ومن خلال كل مكونات المجتمع الجزائرى ومن خلال ثورتها البيضاء المكونة من الشباب وطلبة المدارس والجامعات ومن الشيوخ وأحزاب المعارضة ورموز المجتمع المدنى والنقابات ظلت مشتعلة ومتواصلة لأكثر من 42 أسبوعًا بسبب عدم تلبية أهم مطالبها وهو تغيير النظام برمته وإعادة تكوين دولة مدنية ديمقراطية. ومنذ بداية الثورة الجزائرية وإلى الآن ومن خلال خطة الطريق التى أعدها الجيش تمكن الجزائريون من تحقيق الكثير من المطالب ومنها عدم ترشح الرئيس بوتفليقة، وسجن وإبعاد وتوقيف الكثيرين من الرموز والقيادات السياسية المعروفة، ومن ثم تحديد موعد الاستحقاق الانتخابى وفتح باب الترشح استعدادا للانتخابات التى ستجرى يوم 12 من ديسمبر الجاري، واعتماد الهيئة العليا للانتخابات بالجزائر لخمسة مرشحين وهم رئيسا الوزراء السابقان على بن فليس وعبد المجيد تبون وكل من وزير الثقافة السابق عز الدين ميهوبى ووزير السياحة السابق عبد القادر بن قرينة، ثم عبد العزيز بلعيد رئيس حزب جبهة المستقبل، ورغم اقتراب الموعد الانتخابى للرئاسة الجزائرية فإن تلك الانتخابات مازالت مرفوضة من الشارع الجزائرى وتثير بدورها معارضة شديدة وحراكا مستمرا بهدف تأجيلها لفترة انتقالية كافية يمكن أن تمكن الوجوه والخبرات الشابة والقيادات الجزائرية النزيهة من خوض تلك الانتخابات للحفاظ على حراك الثورة بتحقيق أهدافها وشعاراتها، يحدث ذلك فى الوقت الذى يواجه هؤلاء المرشحون الخمسة المتقدمون فى حملة الرئاسة مقاطعة شعبية واسعة من خلال استمرار المظاهرات المضادة للانتخابات الرئاسية والتى تعبر عن رفض قطاع عريض من الشعب الجزائرى لخارطة الطريق التى تريد السلطة تطبيقها فهل ستؤثر تلك الاحتجاجات المتواصلة على الانتخابات الرئاسية المرتقبة يوم الثانى عشر من ديسمبر الجاري، وهل يمكن أن تنال الاحتجاجات المتواصلة من مصداقيتها وشرعيتها ؟ فمع النظر إلى الداخل الجزائرى فإن حملة الانتخابات الرئاسية الآن تثير بدورها انقساما واضحا داخل المجتمع الجزائري، إذ يرفض العدد الأكبر من أبناء الجزائر إجراءات الانتخابات على هذا النحو، وذلك لأن الجزائريين فى المجمل يرون فيه عدم الإنصاف إذ يعتبرون المرشحين الخمسة امتداداً وجزءًا من النظام السابق فى الوقت الذى يحلمون فيه بترشيح شخصيات توافقية، ولهذا فقد خرجت الألوف من سكان العاصمة الجزائرية خلال الأسبوع الماضى فى مسيرة حاشدة رفعوا خلالها شعارات قوية ومنها: لا للانتخابات، لا للعصابات، و لا للانتخابات مع العصابات، للدلالة على الرفض الشعبى الكبير لإجراء الانتخابات الرئاسية فى هذا الموعد والإصرار على رفض تلك الشخصيات ومطالبتهم بشخصيات توافقية. ومع هذا الحراك الشعبى الرافض للانتخابات هل ستتمكن السلطات الجزائرية من إجراء الانتخابات فى موعدها وتمكن المواطنين والمترشحين من التحرك ؟، وفى حالة إجرائها هل سيتمكن أحد هؤلاء المرشحين الخمسة أن يحصل على عدد الأصوات الانتخابية الكفيلة بحسم المقعد الرئاسى من الجولة الأولي، أم تؤجل لجولة ثانية ؟، أم أن الشعب الجزائرى بوسائله المبتكرة وحراكه الشعبى الصامد سوف يقرر بنفسه مصير تلك الانتخابات وإمكانية إجرائها من عدمه ؟ يحدث ذلك فى الوقت الذى تتواصل خلاله الحملة الانتخابية فى البلاد،إذ ينظم المرشحون الخمسة تجمعات شعبية فى العديد من المدن وسط تضارب كبير فى الرؤى بين السلطة و الشعب، حيث تتمسك السلطة بإقامة الانتخابات فى موعدها كمخرج وهو ما يرفضه المتظاهرون، مشاهد متضاربة ومتشددة بين مؤيد ومعارض وهو الشعار والسمة الغالبة لمظاهر الانتخابات الرئاسية الجزائرية خلال حراك الأسابيع الأخيرة والحاسمة، ليبقى مع ذلك كل من المرشح على بن فليس عن حزب طلائع الحريات، والمرشح الحر عبد المجيد تبون، والمرشح عبد العزيز بلعيد عن جبهة المستقبل الأقرب للفوز بالمقعد الرئاسى فى حالة إجراء الانتخابات الرئاسية فى موعدها.