- نجا من الموت مرات - حاصره العدو 6 أشهر - ودفن زملاؤه بيديه الشرقية منبع الشهداء، قدمت ولا ماتزال تقدم العديد والعديد من الشهداء وفي ذكرى أكتوبر المجيدة نسترجع مع أبطال حرب أكتوبر من أبناء المحافظة ذكرياتهم التي لازالوا يتفاخرون بها من جيل إلى جيل ليخلدوا ذكري النصر بطريقتهم الخاصة، يزرعون في ابنائهم وأحفادهم حب الوطن والتضحية من أجله، وأن حرب أكتوبر صنعت ملحمة أبديه وواقعية بين شعب مصر وجيشها العظيم . وكان ل "الأسبوع" هذا اللقاء مع البطل ماهر غالب الطحاوي "الحي الميت"، كما أطلق عليه أبناء مدينته "الحسينية"" تلك المدينة التي شهدت الجريمة الأبشع للعدو بقتل أطفال "بحر البقر"، حيث تخلد ذكراها إلى الآن، يسترجع "غالب" ذكرياته مع ابتسامه مصحوبه بنظرة فخر، لقد تم تجنيدي عام 1970، سلاح مشاة ميكانيكي مدفعية م.د، أتذكر ليلة السادس من أكتوبر كان كل شئ كما هو، لا جديد لا مؤشرات لخوض حرب، ولكننا كنا نتدرب وقد حصلت على فرقة وتدربت علي جهاز وكان تمركزنا حينها ما بين السويس والهايكستب ، وفي تمام الواحدة ظهرًا يوم السادس من أكتوبر انقلب كل شئ وجاء قائد الكتيبة وقال لي بالحرف "إنت شايف عربية الاستطلاع اللي هناك دي؟ قولتله شايفها يافندم قالي خليك جاهز وحط عينك عليها علشان ربع ساعة وهديك أمر بضربها" واستطرد قائلا بعد 10 دقائق لم أعد أراها فقد اختفت، وخلال ذلك رأيت الطيران المصري يحلق فوق رؤوسنا عائدًا من ضرب خطوط العدو، وكانت تلك الضربة الأولي للجيش المصري ثم تقدمنا وكانت خلفنا المدفعية التي أطاحت بخط برليف وفي دقائق أصبح كومة من الرماد، ثم رأيت وحوش الجيش المصري في ثواني قد قاموا بعمل قوارب وأخذونا وصعدوا بنا خط بارليف، والمدفع الذي كنت أعمل عليه يبلغ وزنه 350كيلو ومعي أربعة آخرون لم نعرف كيف صعدنا ووصلنا فقد حملونا وصعدوا بنا ثم تقدمنا وكانت الأوامر أن ندخل مسافة 10كيلو متر، ولكننا أكملنا 20 كيلو مترًا ولم نجد أية مقاومة من الجيش الإسرائيلي، ثم بقينا نستمتع بنصرنا ليوم 20 أكتوبر، وحدث بعد ذلك اختراق من الجيش الاسرائيلي لتبدأ حربًا جديدة مع الإسرائيليين منذ يوم 22اكتوبر 1973وحتي أبريل من عام1974، فقد حوصرنا وكنا حوالي 15ألف جندي أمامنا العدو وخلفنا ايضا بقينا 6اشهر كانت حينها المفاوضات مستمرة، وظلت المناوشات بينا وبين الإسرائيليين مستمرة طوال تلك الأشهر ظهرت حينها قوتنا الحقيقية، حيث توقف الدعم والطعام والأدوية وحتي كنا نجد الماء بصعوبة، كان يفصلنا بالعدو حوالي150 مترا من امامنا وهم مباشرا خلفنا لم يكتفوا بالحرب بالأسلحة ولكن كان هناك حرب نفسيه طوال الليل تشغل الموسيقي واصوات مدافع ونهارا مناوشات بالأسلحة وخسرنا حينها الكثير من الجنود المصريين ولكننا صمدنا، وذات ليله قمنا باختراق معسكرهم واخدنا مدافعهم ووجدنا طعاما اخذناه ايضا كان الوضع لا يوصف ولكن شجاعة الجنود واصرارهم كان اقوي من جميع حروبهم ضدنا. وبسؤاله ما قصة الميت الحي التي أطلقت عليك حينها، قال كان تشابه في الاسماء وجاء الخبر وأقاموا أهلي العزاء وانقضي الأمر لمدة 6 أشهر كامله وكانت ايام الحرب لم يستطيع أن يعلن الجيش وقتها عن عدد المفقودين وعناوينهم، ولكن أمي أطال الله في عمرها كانت هي الوحيدة التي لم تصدق أنني استشهدت ورفضت أن تأخذ عزائي، وظلت في انتظاري مع يقينها أنني سوف أعود وأنني حي، وحينما عدنا لم أتوقع رده فعل الشعب تجاهنا حينما نزلنا أول إجازة لنا، حملنا المصريين علي الأعناق واستقبلونا في محطة مصر بالطعام وكل ما تشتهي الأنفس ثم حملونا علي الأعناق وكان معي 3 زملاء من الشرقية ذهبنا لنستقل سيارة من الموقف الخاص حتي نعود لمنازلنا وإذا بالسائق رفض أن يركب معنا أحد آخر وأقسم أنه سوف يوصلنا ولن يأخذ أجرا، شهدنا حفاوة وفرحة باستقبالنا، كانت المدينة بأكملها تسير خلفي وفرحة أهلي بعودتي لن أنساها ما حييت . لقد نجوت من الموت عده مرات أثناء الحرب، وقمت بدفن زملائي بيدي، رأيتهم يموتون أمام عيناي، لم يزيدني هذا إلا إصرارًا علي البقاء، ليس حبا في الحياة؛ وإنما حبا في أرضي ووطني حتي أستطيع أن أكمل تلك الأيام، أيام الحرب وأقضي علي عدوي الذي أتي لاغتصاب أرضي ووطني، كنت ذات ليلة عائدًا إلى السرية من نوبة حراستي علي المدفع فإذا بالرصاص يحاوطني، دفنت نفسي في الرمال ما يقارب ساعتين حتي توقف الإسرائيلي وتعب من الضرب، وكانوا زملائي يشهادونني وقالوا أنني مِت ، ولكنني نجوت وعدت زحفا إليهم ومرة أخرى كنت أحمل تعيينا وحين صعودي التبة أخذه مني زميلي وصعد وأنا خلفه، وكان هناك جندي إسرائيلي متربص لنا، رأيت الرصاص قسم زميلي إلى نصفين أمام عيني وكنت أنا من سيصعد بدلا منه، كان القادة يحثوننا علي الشجاعة والتمسك بتراب مصر لا تخف ولا تتردد .. الرصاصة التي تم صنعها كتب عليها اسم من ستستقر في جسده ما هو مقدر لك سوف تراه وأن مت فمت شجاعا، كانت تلك الكلمات تزيدنا قناعة وصبر وتحمل وقوة، لم نستسلم صمدنا علي خط النيران 6 أشهر كامله دون طعام وماء إلا القليل، ونجونا بفضل الله وما علمتنا إياه الحرب كانت سعادتي بالغة وفرحتي باسترداد الأرض كبيرة جدًا، لم أفكر في شئ حتي أهلي أكثر مما فكرت في تراب وطني ، وافتخر دائما بكوني نلت شرف المشاركة في حرب اكتوبر العظيم.