«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



37 عاماً علي زلزال أكتوبر .. الذي حطم الغطرسة الإسرائيلية "8" اللواء أ. ح متقاعد أيمن حسب الدين ل " المساء ": تعلمت دروساً كثيرة في حرب الاستنزاف.. وطبقتها في 73 سجلت رقماً قياسياً في إسقاط طائرات العدو.. واختاروا كتيبتي كأفضل كتائب الدفاع الجوي
نشر في المساء يوم 12 - 10 - 2010

37 عاماً مضت علي ذكري أعظم الانتصارات العسكرية في التاريخ العسكري العالمي.. سجله المقاتل المصري بأحرف من نور بروحه ودمائه الذكية التي روت رمال سيناء.. فالمقاتل المصري هو خير اجناد الأرض والفرد المقاتل والجندي البطل كان مفاجأة حرب 1973 هذا البطل شهد له العدو قبل الصديق.. ستظل العسكرية المصرية علي مر العصور نبراساً يحتذي به في كل العصور.. وبطولات الجيش المصري سجلها التاريخ منذ عهد مينا موحد القطرين حتي حرب أكتوبر.. سالت دماؤهم وصعدت أرواحهم في بورسعيد والإسماعيلية والسويس ودمياط والمنصورة والشرقية في قاهرة المعز والصحراء الغربية في الإسكندرية وفي جنوب الوادي قصص وبطولات سجلها التاريخ وشهد بأن المقاتل المصري هو بحق خير أجناد الأرض كما قال رسول الإنسانية صلي الله عليه وسلم.
ولم ينقطع دور فرسان العسكرية المصرية المرابطين خلف اسلحتهم في كل شبر من أرض الوطن عيون ساهرة لحماية سماء ومياه وأرض مصر الكنانة مدافعين عنها ضد كل من تسول له نفسه الاقتراب أو المساس بأمن مصر الغالي..
"المساء" التقت مع أحد فرسان العسكرية المصرية الذين شاركوا في حرب أكتوبر فماذا قال اللواء أ. ح متقاعد أيمن أحمد حسب الدين من سلاح الدفاع الجوي والذي تدرج في تقلد الوظائف القيادية بسلاح الدفاع الجوي.
قال لم يكن يدور بخاطري أبدا وأنا أحاور العدو الجوي بطائراته الحديثة أن يكون لي هذا الشرف وأن أسجل رقما قياسيا في إسقاط الطائرات الإسرائيلية ولكن دعيني أسترجع معكم بعض الذكريات الخالدة للدفاع الجوي المصري فلقد كانت ملحمة بكل المقاييس.
إنني أفخر بأنني أحد أبناء المؤسسة العسكرية وشاركت في حرب 67 والاستنزاف و1973 ولكن حرب الاستنزاف أخذنا منها دروسا كثيرة أنا وزملائي ظهرت آثارها يوم السادس من أكتوبر.
أضاف: إنني فخور بما قاله العدو عنا كسلاح دفاع جوي بل أفخر بما قاله المشير أحمد إسماعيل في مجلس الشعب يوم 19 فبراير 1974 حيث تم اختيار كتيبتي كمثل لأفضل كتائب الدفاع الجوي ولا أنسي مطلقا ولن ينسي التاريخ أبطال الدفاع الجوي الذين ضحوا بكل غال ونفيس لحماية سماء الوطن وفي بورسعيد حيث ركز العدو علي مواقع الدفاع الجوي بها وكنت أنا وزملائي بأحد مواقع الدفاع الجوي ورغم قيام العدو بتوجيه ضرباته نحو موقعنا إلا أننا صمدنا ثلاثة أيام متوالية رغم تدمير عدد من قاذفاتنا ورغم أننا كتيبة دفاع جوي كاملة إلا أن الله أكرمني في هذه المعارك بشهيد واحد و8 جرحي خرجوا في نفس اليوم.
ولقد كرمني قائد قوات الدفاع الجوي الفريق محمد علي فهمي وحصلت علي شهادة تقدير هي أغلي عندي من كنوز الدنيا أفخر بها وأضعها فوق مكتبي لأنها فخر لكل جندي شارك في الميدان.
ويكمل اللواء أيمن حديثه في صباح يوم 3 أغسطس 1970 تم استكمال حائط الصواريخ وأصبح متماسكا وقادرا علي إرهاب العدو وحماية الجيوش الميدانية وما أن قاربت عقارب الساعة الخامسة من الفجر إلا ودبت الحياة لاستقبال اليوم الجديد وكان كل من موقع قتال كتيبة الدفاع الجوي يسأل نفسه عماذا يخبئ لهم طلوع شمس يوم جديد. أهي استمرار لما تم بالأمس من مجهود طوال الليل في إعداد وتجهيز المعدات أم ماذا سيحدث؟
أضاف: وجهت حديثي للجنود بالكتيبة بأنه لابد وأن نواصل صمودنا ولا نترك فرصة للطيارين الإسرائيليين أن يهاجمونا.
بدأ أطقم العمل بالفعل في عمليات الاستعداد والتجهيز وكنت أنا رئيس لعمليات الكتيبة أتبادل مع قائد الكتيبة قيادة مركز العمليات وإدارة النيران والاشتباك مع الطائرات علي مدار الساعة بمعني أنني أعمل 12 ساعة علي فترتين كل فترة 6 ساعات وأيضا قائد الكتيبة يعمل 6 ساعات ويأخذ فترة راحة من عناء مراقبة شاشة الرادار ومتابعة الموقف الجوي ست ساعات أخري وفي هذا اليوم كان مناوبتي عن الفترة الصباحية حيث تسلمت قيادة الكتيبة والموقع كله.
عندما بزغت الشمس في الصباح لتنير الأفق لتعلن عن نضال يوم آخر جديد كنا الضباط والصف والجنود نتسابق لتجهيز معداتنا وكان الملازم أول حسن هو السهران طوال الليل يراقب العدو وأخذ يشرح لزميله النقيب فاروق القاضي ضابط التوجيه ما شاهده ولاحظه من نشاط معادي. استلم النقيب فاروق عمله بمركز القيادة وأخذ يداعب أفراد طاقم القتال يا محمد من منكم الذي سيقوم ويعمل لنا الشاي النهارده؟!. وهنا يتسابق محمد وعبدالشافي بكل الحب كل منهما يود أن يكون الدور عليه أو يبادر بخدمة زملائه وشربنا شاي الصباح المتين علي حد قول النقيب فاروق ومعه الدخان أو السيجارة التي نادرا ما فارقت فمه.. وبعد أن فرك الجنود أعينهم وبدأ مركز القيادة في الانتظام مع الشفت الجديد.. هذه هي حياتنا كنا جميعا قادة وضباطا وصفا وجنودا رجلا واحدا.
وأضاف اللواء أيمن قلت يا محمد خد بالك كويس من شاشة الرادار.. اوعي تفوت هدف وقلت لعبدالشافي عليك الطيران البعيد راقب تحركاته وأبلغني عن أي أحد يحاول أن يقترب.. ثم قلت لحسنين خلي بالك وانت بستمع بلاغات الإنذار وحاسب تفوت منك حاجة.
وقلت لنصر اختبر صلاحية الصواريخ التي علي منصات الإطلاق.. ثم قلت لهم إحنا في الصف الأول يعني لازم نكون علي أهبة الاستعداد.
لقد كانت الحوارات بيننا لا تنتهي طوال اليوم.. حوارات بدأنا بها نهار يوم جديد.. أخذ كل واحد يراقب عمله جيدا ومتوقع المفاجأة ولكن من أين..؟؟ لا نعرف ودار حديث الذكريات التي نسترجع فيها ما حدث خلال الأيام السابقة. وقال لي فاروق شوف يا افندم امبارح كنا فين والنهارده إحنا فين. امبارح كنا في النسق الثالث. وكنا شايفين الطيران الإسرائيلي بيهاجم مواقع مدفعية الجيش الثاني والثالث ولكن بعيدا عن مرمي الصواريخ ومش قادرين نطوله كان يدوب يقرب من أقصي مرمي للخط الأول لنيران الصوارخ. ويرجع ثاني بسرعة قبل ما حد يضرب عليه. بس النهارده بقي لو حصل كده يبقي لنا إن شاء الله حظ نضربهم وندمرهم.
ورددت عليه.. فعلا كلامك ده أنا مستنيه بشوق لأنهم بعد ما شافوا طياراتهم الفانتوم وقعت بالصواريخ أصبحوا بيهربوا بسرعة منا. ومبيدخلوش مناطق تدمير الصواريخ. وده علي فكرة انتصار لنا يا فاروق. ولازم نعرف إن الله - سبحانه وتعالي - يكافئ اللي يتعب في التدريب. شوف إحنا تعبنا أد إيه في التدريب وفي المشاريع.. كفاية بس فك وتركيب المعدات والتي استطعنا فكها وتركيبها في وقت قياسي بدلا من ست ساعات.
مين يصدق إحنا امبارح حتي الساعة السابعة قبل المغرب كنا علي بعد 40 كيلومترا من الموقع بتاعنا دلوقتي. ومن اللي يتصور إننا نتحرك في ظلام الليل وبدون إضاءة من موقعنا هناك علي وصلة الروبيكي إلي هنا علي طريق الملاك مسافة 30 كيلومترا من القناة ونجهز المعدات ونكون جاهزين نضرب الصواريخ قبل الشمس ما تطلع.
وأضاف اللواء أيمن: قاطعت الدردشة وسألت: يا تري يا فاروق محمد اللي كان عليه مناوبة ليلة أمس شرح لك الموقف الجوي ولا إيه؟. رد قائلا: الملازم حسن هو اللي كان يراقب الموقف الجوي طول الليل وبلغني إنه كان هادي جدا وده معناه إن هناك حفلة أو اثنين حسب التساهيل.
وقاطعنا الجندي حسنين سالم قائلا: الظاهر إن الحفلة قربت أصل احنا كنا بنسمي هجمات العدو الجوية حفلات يعني طائرات العدو ظهرت علي الإنذار العام وإنها تحاول مهاجمة القوات البرية في منطقة فايد زي عادتها كل يوم.. وبالفعل ظهرت علي خرائط تسجيل الموقف الجوي طائرات إسرائيلية تقترب وتعبر قناة السويس من جهة الشرق بين منطقة الدفرسوار.. ومنطقة فايد وهي تطير علي ارتفاع متوسط يتفادي معها الطيار نيران المدفعية المضادة الأرضية. ولكن مسافتها لاتزال بعيدة عن متناول مرمي الصواريخ.
وبالطبع فكرنا ازاي نخدعهم ونفاجأهم بنيراننا لازم نجعلهم لا يشعرون بمكاننا.. لذلك بدأنا العمل ضدهم بمعلومات الإنذار العام وليس من رادار الكتيبة. والتنشين المكشوف بالتلسكوبات وصمت كامل للرادار.. ثم تجرأت الطائرات واقتربت إلي الداخل لمسافة أعمق في أراضينا.. وكان ذلك هو المطلوب بعينه.. وظلت تقترب إلي أن أصبحت علي مسافة 20 كيلومتر من الموقع.. لقد دانت لحظة الحسم وبدأ مركز العمليات في اتخاذ خطوات الاشتباك الفعلية.. هنا أصدرت الأمر باستخدام الرادار لالتقاط الهدف وعمت بالفعل الفرحة الساكنة بين طاقم القتال إنها بهجة مصحوبة بشيء من الرهبة أو الخوف من الفشل في تنفيذ الواجب وإسقاط الطائرة.
ثم هب ضابط التوجيه بالعمل واستخدام الرادار في التفتيش والتقاط الطائرة وخلال ثانية أو اثنتين كان قد نجح في التقاط الهدف علي الرادار وأصدرت الأوامر بالتتبع بالرادار تمهيدا لإطلاق الصواريخ.. وهنا ركز كل عامل تتبع في شاشاته وأمسك بعجلة التتبع يحركها ليضع الهدف في نقطة التسديد ويحافظ عليه داخل مصلب التتبع.. حملقت العيون تترقب الهدف وهو يقترب علينا.
وقلت يا نصر عمّر الصواريخ وجهزها علي وضع الإطلاق بسرعة.. وهنا سمعت زئير القاذف وهي تتحرك حاملة عليها الصواريخ الحية ومسددة اتجاه العدو.. وأضاءت لمبة توافق المعدات لتعلن جاهزيتها لانطلاق الصواريخ.. ما أن وصل الطائرة إلي المرمي المناسب حتي أصدرت الأمر بإطلاق الصاروخ.
الصاروخ الأول
وضغط النقيب فاروق علي زر الإطلاق. واشتعلت النيران خلف الصاروخ الأول لتحمله بسرعة تصل إلي 1000 متر كل ثانية من علي القاذف وهو يطير في خط سيره إلي الطائرة المعادية.. وشعر الطيار المعادي بخروج الصاروخ من علي القاذف. وفجأة رأيت الطائرات الإسرائيلية تلقي حمولتها بصورة عشوائية وتدير أنوفها من الرعب للهروب اتجاه الشرق مسرعة. تحاول عبور القناة قبل أن تصل إليها الصواريخ.
حاولت الطائرة المناورة للهرب ولكن الصاروخ كان لها بالمرصاد يلاحقها أينما ذهبت صعدت لأعلي فتسلق خلفها. انحرفت يمينا فتابعها. كان لها بالمرصاد في كل تحركاتها فالطائرة تناور ويتتبعها الجنود بمناجل التتبع ويصدر الرادار للصاروخ أوامر تعديل المسار فيتجه إليها مع كل مرة مناورة واقترب الصاروخ من الطائرة وأصبحت المسافة بينهم تسمح بتدمير الطائرة. فهببت إلي ضابط التوجيه وأصدرت الأمر مباشرة بالضرب وقلت له فجر الصاروخ يا فاروق.
وبالفعل أرسل أمر التفجير. وتحول الصاروخ الذي كنا نتابعه علي شاشة الرادار إلي كرة كبيرة من اللهب أحاطت بالطائرة من جميع الجوانب حتي لم نكن نلحظ للطائرة أي أثر.. ولكن بعد أن زال أثر انفجار الصاروخ من علي شاشات الرادار لاحظت أن الطائرة لاتزال تطير ولكن قلت سرعتها وتخيلت للحظة أن الطيار يترنح علي كرسيه داخلها.
حزنت كثيرا وعم صمت رهيب علي طاقم القتال فقد طبقنا كل قواعد الاشتباك ولكن قدر الله وما شاء يكون.
ولم تكد دموعنا تجف حتي جاءنا رنين تليفون قيادتنا وأبلغتنا أن نقط المراقبة بالنظر شاهدت الصاروخ وهو يتجه نحو الطائرة المعادية وينفجر فيها ويصيبها ويتركها تعود مشتعلة وتعبر القناة لتسقط علي البر الشرقي. ثم تلي ذلك بلاغ آخر من قيادتنا أفادنا أن الاستطلاع اللاسلكي التقط بلاغا من الطيار وهو ينادي قادته بعد إصابته.
الله أكبر
وانطلق الهتاف الله أكبر تلك الصيحة المدوية التي خرجت مجمعة من كل أفراد طاقم القتال فور إعلاني لهم النبأ السعيد بتدمير الطائرة كانت هذه المهمة القتالية هي الأولي لي وأول اختبار عملي إيجابي مع طائرات العدو والدرس الذي تعلمته وشجعني علي التصميم علي النجاح في المواجهات التالية والتي رفعت رصيدي في الاشتباكات إلي أكثر من 31 اشتباكا نجحت والحمد لله فيها من إسقاط 16 طائرة إسرائيلية خلال حرب أكتوبر 1973 من موقع شهير جدا يعلمه العدو في بورسعيد.
وأضاف اللواء أيمن.. هناك العديد من قصص حية لما شاهدته خلال رحلتي مع سام 2 سواء من مشاعر المدنيين من بطولات الجندي المصري في الدفاع الجوي.
ويكمل اللواء أيمن حواره: إنني لا يمكن أن أنسي تلك الأيام العطرة من تاريخنا العسكري فهو شرفنا وعزتنا علي مر التاريخ من بطولات وفدائية للشعب المصري أجمع الذي وقف يساند ويشد من أزر قواته المسلحة حتي تحقق لنا النصر العظيم.
أضاف: لا أنسي طفل دمياط الذي لم أعرف اسمه كنا نسير يوم 10 أكتوبر 73 في طريقنا للكتيبة وكنا نسير في كول من ناقلات وعربات ومعدات الصواريخ نتجه إلي بورسعيد وعند نقطة الشرطة العسكرية في بداية الطريق جمعت كول الكتيبة وبدأت أعطي تعليماتي لتنظيم التحرك علي الطريق بعد آخر ضوء بما لا يسمح للعدو أن يلاحظ دخولنا للموقع في بورسعيد.
وأثناء ذلك حضر لي طفل لم يتجاوز عمره 11 عاما بملابسه الريفية البسيطة وسألني باللهجة الدمياطية المميزة أنتوا رايحيين تحاربوا إسرائيل فرددت عليه بالإيجاب وهنا أكمل الطفل حديثه أنا شايف صواريخ فوق العربات هي دي الصواريخ التي تسقط الطائرات الإسرائيلية فأجبته.. نعم.
فقال لي ممكن تنتظرني قليلا وأجبته للمرة الثالثة.. نعم فلقدكان أمامي بعض الوقت قبل التحرك وإذا بالطفل يجري في اتجاه منزل قريب من الطريق ونادي علي والدته وخرجت تنظر إليه من البلكونة ثم أنزلت "سبت" أخذ الطفل منه لفافة وقام بالجري نحوي مرة أخري ومعه كيس وبسذاجة الأطفال قال لي خذ هذا الكيس به لب وسوداني لتفرقه علي العساكر حتي يسقطوا لنا طائرات إسرائيلية كثيرة أنا اشتريت هذا الكيس من مصروفي لأوزعه علي العساكر ويا رب تجبلونا النصر.
وقمت بالفعل احتراما لهذا الطفل الذي يمثل رمزا لهذا الشعب الأصيل المؤمن بما تقوم به القوات المسلحة ووزعت هذا الكيس علي الجنود وكانت فعلا الدموع تملأ عيني من مشاعر طفل مصري من أبناء ريف مصر.. وأتمني من شباب اليوم أن يكونوا مثل هذا الطفل يتفهمون ما قامت به قواتهم المسلحة والشعب المصري.
أيضا لا أنسي مطلقا أهالي بورسعيد البواسل هذا الشعب العظيم في تلاحم أهالي بورسعيد بطل حرب 1956 وحتي حرب .1973
لقد كان هؤلاء المواطنون البسطاء كلما شاهدوا صاروخا يطلق من كتيبتنا ليصيب طائرات العدو ويشاهدوا الطائرات وهي تهوي علي الأرض إلا ونفاجأ بهم يحملون لنا الحلوي والفاكهة تعبيرا عن مشاعرهم وفرحتهم بقطع الذراع التي طالما آلمتهم ودمرت منازلهم وحصدت أرواح رجالها ونسائها وأطفالها.
لا أنسي أبدا مشهدا ظل أمام عيني سواء كانت مغمضة أو في اليقظة عندما خرجت من مركز القيادة لأري شابا في منتصف العمر يتصرف بانفعال شديد ويقبل كل جندي وصف وضابط ويبحث عن قائد الكتيبة.
وعندما رآني فوجئت به يتعلق في رقبتي فترة لم تقل عن الربع ساعة ما بين ضاحك وباكي وعندما هدءت من روعه وسألته إيه الحكاية قال لي لقد كنت داخل المعدية التي تسير في القناة بين شرق القناة للغرب ومعي عدد من الأهالي المدنيين وإذا بنا نشاهد طائرة إسرائيلية تتجه نحو المعدية في غطرسة الطيار الإسرائيلي راغبا في حصد أرواحنا ونحن مدنيون عزل لا نحمل سلاحا وإذا بالمارد المصري القابع في غرب القناة ينطلق كالسهم نحو الطائرة والطيار المتغطرس ليقسم الطائرة إلي شطرين وتتناثر أشلاؤها في سماء الوطن وسط قناة السويس لبهو هذا الطيار مع أشلاء طائرته وظللت أنظر أنا ومن معي في المعدية أننا نجونا من موت محقق ولم نشعر إلا ونحن جميعا نهلل ونكبر "الله أكبر".. "الله أكبر" والحمد لله وجئت لأقبل جبين كل فرد من الكتيبة العظيمة التي دافعت عنا وحطمت هذه الطائرة.
كانت هذه الكلمات تنطلق من فم الشاب كالصواريخ والسهام بينما دموعه تنسال كالأنهار من الفرحة هذه قصص من مئات آلاف القصص التي كنا نشاهدها نحن رجال قواتنا المسلحة علي طول الجبهة.
ومن هذه المفارقات الغريبة أن أري هذا الشاب الذي جاءني في الكتيبة في 1973 فيما بعد حيث سعي للعمل في المعامل المركزية للقوات المسلحة بعد أن أصبح مديرا بها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.