سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
37 عاماً علي زلزال أكتوبر .. الذي حطم الغطرسة الإسرائيلية "8" اللواء أ. ح متقاعد أيمن حسب الدين ل " المساء ": تعلمت دروساً كثيرة في حرب الاستنزاف.. وطبقتها في 73 سجلت رقماً قياسياً في إسقاط طائرات العدو.. واختاروا كتيبتي كأفضل كتائب الدفاع الجوي
37 عاماً مضت علي ذكري أعظم الانتصارات العسكرية في التاريخ العسكري العالمي.. سجله المقاتل المصري بأحرف من نور بروحه ودمائه الذكية التي روت رمال سيناء.. فالمقاتل المصري هو خير اجناد الأرض والفرد المقاتل والجندي البطل كان مفاجأة حرب 1973 هذا البطل شهد له العدو قبل الصديق.. ستظل العسكرية المصرية علي مر العصور نبراساً يحتذي به في كل العصور.. وبطولات الجيش المصري سجلها التاريخ منذ عهد مينا موحد القطرين حتي حرب أكتوبر.. سالت دماؤهم وصعدت أرواحهم في بورسعيد والإسماعيلية والسويسودمياط والمنصورة والشرقية في قاهرة المعز والصحراء الغربية في الإسكندرية وفي جنوبالوادي قصص وبطولات سجلها التاريخ وشهد بأن المقاتل المصري هو بحق خير أجناد الأرض كما قال رسول الإنسانية صلي الله عليه وسلم. ولم ينقطع دور فرسان العسكرية المصرية المرابطين خلف اسلحتهم في كل شبر من أرض الوطن عيون ساهرة لحماية سماء ومياه وأرض مصر الكنانة مدافعين عنها ضد كل من تسول له نفسه الاقتراب أو المساس بأمن مصر الغالي.. "المساء" التقت مع أحد فرسان العسكرية المصرية الذين شاركوا في حرب أكتوبر فماذا قال اللواء أ. ح متقاعد أيمن أحمد حسب الدين من سلاح الدفاع الجوي والذي تدرج في تقلد الوظائف القيادية بسلاح الدفاع الجوي. قال لم يكن يدور بخاطري أبدا وأنا أحاور العدو الجوي بطائراته الحديثة أن يكون لي هذا الشرف وأن أسجل رقما قياسيا في إسقاط الطائرات الإسرائيلية ولكن دعيني أسترجع معكم بعض الذكريات الخالدة للدفاع الجوي المصري فلقد كانت ملحمة بكل المقاييس. إنني أفخر بأنني أحد أبناء المؤسسة العسكرية وشاركت في حرب 67 والاستنزاف و1973 ولكن حرب الاستنزاف أخذنا منها دروسا كثيرة أنا وزملائي ظهرت آثارها يوم السادس من أكتوبر. أضاف: إنني فخور بما قاله العدو عنا كسلاح دفاع جوي بل أفخر بما قاله المشير أحمد إسماعيل في مجلس الشعب يوم 19 فبراير 1974 حيث تم اختيار كتيبتي كمثل لأفضل كتائب الدفاع الجوي ولا أنسي مطلقا ولن ينسي التاريخ أبطال الدفاع الجوي الذين ضحوا بكل غال ونفيس لحماية سماء الوطن وفي بورسعيد حيث ركز العدو علي مواقع الدفاع الجوي بها وكنت أنا وزملائي بأحد مواقع الدفاع الجوي ورغم قيام العدو بتوجيه ضرباته نحو موقعنا إلا أننا صمدنا ثلاثة أيام متوالية رغم تدمير عدد من قاذفاتنا ورغم أننا كتيبة دفاع جوي كاملة إلا أن الله أكرمني في هذه المعارك بشهيد واحد و8 جرحي خرجوا في نفس اليوم. ولقد كرمني قائد قوات الدفاع الجوي الفريق محمد علي فهمي وحصلت علي شهادة تقدير هي أغلي عندي من كنوز الدنيا أفخر بها وأضعها فوق مكتبي لأنها فخر لكل جندي شارك في الميدان. ويكمل اللواء أيمن حديثه في صباح يوم 3 أغسطس 1970 تم استكمال حائط الصواريخ وأصبح متماسكا وقادرا علي إرهاب العدو وحماية الجيوش الميدانية وما أن قاربت عقارب الساعة الخامسة من الفجر إلا ودبت الحياة لاستقبال اليوم الجديد وكان كل من موقع قتال كتيبة الدفاع الجوي يسأل نفسه عماذا يخبئ لهم طلوع شمس يوم جديد. أهي استمرار لما تم بالأمس من مجهود طوال الليل في إعداد وتجهيز المعدات أم ماذا سيحدث؟ أضاف: وجهت حديثي للجنود بالكتيبة بأنه لابد وأن نواصل صمودنا ولا نترك فرصة للطيارين الإسرائيليين أن يهاجمونا. بدأ أطقم العمل بالفعل في عمليات الاستعداد والتجهيز وكنت أنا رئيس لعمليات الكتيبة أتبادل مع قائد الكتيبة قيادة مركز العمليات وإدارة النيران والاشتباك مع الطائرات علي مدار الساعة بمعني أنني أعمل 12 ساعة علي فترتين كل فترة 6 ساعات وأيضا قائد الكتيبة يعمل 6 ساعات ويأخذ فترة راحة من عناء مراقبة شاشة الرادار ومتابعة الموقف الجوي ست ساعات أخري وفي هذا اليوم كان مناوبتي عن الفترة الصباحية حيث تسلمت قيادة الكتيبة والموقع كله. عندما بزغت الشمس في الصباح لتنير الأفق لتعلن عن نضال يوم آخر جديد كنا الضباط والصف والجنود نتسابق لتجهيز معداتنا وكان الملازم أول حسن هو السهران طوال الليل يراقب العدو وأخذ يشرح لزميله النقيب فاروق القاضي ضابط التوجيه ما شاهده ولاحظه من نشاط معادي. استلم النقيب فاروق عمله بمركز القيادة وأخذ يداعب أفراد طاقم القتال يا محمد من منكم الذي سيقوم ويعمل لنا الشاي النهارده؟!. وهنا يتسابق محمد وعبدالشافي بكل الحب كل منهما يود أن يكون الدور عليه أو يبادر بخدمة زملائه وشربنا شاي الصباح المتين علي حد قول النقيب فاروق ومعه الدخان أو السيجارة التي نادرا ما فارقت فمه.. وبعد أن فرك الجنود أعينهم وبدأ مركز القيادة في الانتظام مع الشفت الجديد.. هذه هي حياتنا كنا جميعا قادة وضباطا وصفا وجنودا رجلا واحدا. وأضاف اللواء أيمن قلت يا محمد خد بالك كويس من شاشة الرادار.. اوعي تفوت هدف وقلت لعبدالشافي عليك الطيران البعيد راقب تحركاته وأبلغني عن أي أحد يحاول أن يقترب.. ثم قلت لحسنين خلي بالك وانت بستمع بلاغات الإنذار وحاسب تفوت منك حاجة. وقلت لنصر اختبر صلاحية الصواريخ التي علي منصات الإطلاق.. ثم قلت لهم إحنا في الصف الأول يعني لازم نكون علي أهبة الاستعداد. لقد كانت الحوارات بيننا لا تنتهي طوال اليوم.. حوارات بدأنا بها نهار يوم جديد.. أخذ كل واحد يراقب عمله جيدا ومتوقع المفاجأة ولكن من أين..؟؟ لا نعرف ودار حديث الذكريات التي نسترجع فيها ما حدث خلال الأيام السابقة. وقال لي فاروق شوف يا افندم امبارح كنا فين والنهارده إحنا فين. امبارح كنا في النسق الثالث. وكنا شايفين الطيران الإسرائيلي بيهاجم مواقع مدفعية الجيش الثاني والثالث ولكن بعيدا عن مرمي الصواريخ ومش قادرين نطوله كان يدوب يقرب من أقصي مرمي للخط الأول لنيران الصوارخ. ويرجع ثاني بسرعة قبل ما حد يضرب عليه. بس النهارده بقي لو حصل كده يبقي لنا إن شاء الله حظ نضربهم وندمرهم. ورددت عليه.. فعلا كلامك ده أنا مستنيه بشوق لأنهم بعد ما شافوا طياراتهم الفانتوم وقعت بالصواريخ أصبحوا بيهربوا بسرعة منا. ومبيدخلوش مناطق تدمير الصواريخ. وده علي فكرة انتصار لنا يا فاروق. ولازم نعرف إن الله - سبحانه وتعالي - يكافئ اللي يتعب في التدريب. شوف إحنا تعبنا أد إيه في التدريب وفي المشاريع.. كفاية بس فك وتركيب المعدات والتي استطعنا فكها وتركيبها في وقت قياسي بدلا من ست ساعات. مين يصدق إحنا امبارح حتي الساعة السابعة قبل المغرب كنا علي بعد 40 كيلومترا من الموقع بتاعنا دلوقتي. ومن اللي يتصور إننا نتحرك في ظلام الليل وبدون إضاءة من موقعنا هناك علي وصلة الروبيكي إلي هنا علي طريق الملاك مسافة 30 كيلومترا من القناة ونجهز المعدات ونكون جاهزين نضرب الصواريخ قبل الشمس ما تطلع. وأضاف اللواء أيمن: قاطعت الدردشة وسألت: يا تري يا فاروق محمد اللي كان عليه مناوبة ليلة أمس شرح لك الموقف الجوي ولا إيه؟. رد قائلا: الملازم حسن هو اللي كان يراقب الموقف الجوي طول الليل وبلغني إنه كان هادي جدا وده معناه إن هناك حفلة أو اثنين حسب التساهيل. وقاطعنا الجندي حسنين سالم قائلا: الظاهر إن الحفلة قربت أصل احنا كنا بنسمي هجمات العدو الجوية حفلات يعني طائرات العدو ظهرت علي الإنذار العام وإنها تحاول مهاجمة القوات البرية في منطقة فايد زي عادتها كل يوم.. وبالفعل ظهرت علي خرائط تسجيل الموقف الجوي طائرات إسرائيلية تقترب وتعبر قناة السويس من جهة الشرق بين منطقة الدفرسوار.. ومنطقة فايد وهي تطير علي ارتفاع متوسط يتفادي معها الطيار نيران المدفعية المضادة الأرضية. ولكن مسافتها لاتزال بعيدة عن متناول مرمي الصواريخ. وبالطبع فكرنا ازاي نخدعهم ونفاجأهم بنيراننا لازم نجعلهم لا يشعرون بمكاننا.. لذلك بدأنا العمل ضدهم بمعلومات الإنذار العام وليس من رادار الكتيبة. والتنشين المكشوف بالتلسكوبات وصمت كامل للرادار.. ثم تجرأت الطائرات واقتربت إلي الداخل لمسافة أعمق في أراضينا.. وكان ذلك هو المطلوب بعينه.. وظلت تقترب إلي أن أصبحت علي مسافة 20 كيلومتر من الموقع.. لقد دانت لحظة الحسم وبدأ مركز العمليات في اتخاذ خطوات الاشتباك الفعلية.. هنا أصدرت الأمر باستخدام الرادار لالتقاط الهدف وعمت بالفعل الفرحة الساكنة بين طاقم القتال إنها بهجة مصحوبة بشيء من الرهبة أو الخوف من الفشل في تنفيذ الواجب وإسقاط الطائرة. ثم هب ضابط التوجيه بالعمل واستخدام الرادار في التفتيش والتقاط الطائرة وخلال ثانية أو اثنتين كان قد نجح في التقاط الهدف علي الرادار وأصدرت الأوامر بالتتبع بالرادار تمهيدا لإطلاق الصواريخ.. وهنا ركز كل عامل تتبع في شاشاته وأمسك بعجلة التتبع يحركها ليضع الهدف في نقطة التسديد ويحافظ عليه داخل مصلب التتبع.. حملقت العيون تترقب الهدف وهو يقترب علينا. وقلت يا نصر عمّر الصواريخ وجهزها علي وضع الإطلاق بسرعة.. وهنا سمعت زئير القاذف وهي تتحرك حاملة عليها الصواريخ الحية ومسددة اتجاه العدو.. وأضاءت لمبة توافق المعدات لتعلن جاهزيتها لانطلاق الصواريخ.. ما أن وصل الطائرة إلي المرمي المناسب حتي أصدرت الأمر بإطلاق الصاروخ. الصاروخ الأول وضغط النقيب فاروق علي زر الإطلاق. واشتعلت النيران خلف الصاروخ الأول لتحمله بسرعة تصل إلي 1000 متر كل ثانية من علي القاذف وهو يطير في خط سيره إلي الطائرة المعادية.. وشعر الطيار المعادي بخروج الصاروخ من علي القاذف. وفجأة رأيت الطائرات الإسرائيلية تلقي حمولتها بصورة عشوائية وتدير أنوفها من الرعب للهروب اتجاه الشرق مسرعة. تحاول عبور القناة قبل أن تصل إليها الصواريخ. حاولت الطائرة المناورة للهرب ولكن الصاروخ كان لها بالمرصاد يلاحقها أينما ذهبت صعدت لأعلي فتسلق خلفها. انحرفت يمينا فتابعها. كان لها بالمرصاد في كل تحركاتها فالطائرة تناور ويتتبعها الجنود بمناجل التتبع ويصدر الرادار للصاروخ أوامر تعديل المسار فيتجه إليها مع كل مرة مناورة واقترب الصاروخ من الطائرة وأصبحت المسافة بينهم تسمح بتدمير الطائرة. فهببت إلي ضابط التوجيه وأصدرت الأمر مباشرة بالضرب وقلت له فجر الصاروخ يا فاروق. وبالفعل أرسل أمر التفجير. وتحول الصاروخ الذي كنا نتابعه علي شاشة الرادار إلي كرة كبيرة من اللهب أحاطت بالطائرة من جميع الجوانب حتي لم نكن نلحظ للطائرة أي أثر.. ولكن بعد أن زال أثر انفجار الصاروخ من علي شاشات الرادار لاحظت أن الطائرة لاتزال تطير ولكن قلت سرعتها وتخيلت للحظة أن الطيار يترنح علي كرسيه داخلها. حزنت كثيرا وعم صمت رهيب علي طاقم القتال فقد طبقنا كل قواعد الاشتباك ولكن قدر الله وما شاء يكون. ولم تكد دموعنا تجف حتي جاءنا رنين تليفون قيادتنا وأبلغتنا أن نقط المراقبة بالنظر شاهدت الصاروخ وهو يتجه نحو الطائرة المعادية وينفجر فيها ويصيبها ويتركها تعود مشتعلة وتعبر القناة لتسقط علي البر الشرقي. ثم تلي ذلك بلاغ آخر من قيادتنا أفادنا أن الاستطلاع اللاسلكي التقط بلاغا من الطيار وهو ينادي قادته بعد إصابته. الله أكبر وانطلق الهتاف الله أكبر تلك الصيحة المدوية التي خرجت مجمعة من كل أفراد طاقم القتال فور إعلاني لهم النبأ السعيد بتدمير الطائرة كانت هذه المهمة القتالية هي الأولي لي وأول اختبار عملي إيجابي مع طائرات العدو والدرس الذي تعلمته وشجعني علي التصميم علي النجاح في المواجهات التالية والتي رفعت رصيدي في الاشتباكات إلي أكثر من 31 اشتباكا نجحت والحمد لله فيها من إسقاط 16 طائرة إسرائيلية خلال حرب أكتوبر 1973 من موقع شهير جدا يعلمه العدو في بورسعيد. وأضاف اللواء أيمن.. هناك العديد من قصص حية لما شاهدته خلال رحلتي مع سام 2 سواء من مشاعر المدنيين من بطولات الجندي المصري في الدفاع الجوي. ويكمل اللواء أيمن حواره: إنني لا يمكن أن أنسي تلك الأيام العطرة من تاريخنا العسكري فهو شرفنا وعزتنا علي مر التاريخ من بطولات وفدائية للشعب المصري أجمع الذي وقف يساند ويشد من أزر قواته المسلحة حتي تحقق لنا النصر العظيم. أضاف: لا أنسي طفل دمياط الذي لم أعرف اسمه كنا نسير يوم 10 أكتوبر 73 في طريقنا للكتيبة وكنا نسير في كول من ناقلات وعربات ومعدات الصواريخ نتجه إلي بورسعيد وعند نقطة الشرطة العسكرية في بداية الطريق جمعت كول الكتيبة وبدأت أعطي تعليماتي لتنظيم التحرك علي الطريق بعد آخر ضوء بما لا يسمح للعدو أن يلاحظ دخولنا للموقع في بورسعيد. وأثناء ذلك حضر لي طفل لم يتجاوز عمره 11 عاما بملابسه الريفية البسيطة وسألني باللهجة الدمياطية المميزة أنتوا رايحيين تحاربوا إسرائيل فرددت عليه بالإيجاب وهنا أكمل الطفل حديثه أنا شايف صواريخ فوق العربات هي دي الصواريخ التي تسقط الطائرات الإسرائيلية فأجبته.. نعم. فقال لي ممكن تنتظرني قليلا وأجبته للمرة الثالثة.. نعم فلقدكان أمامي بعض الوقت قبل التحرك وإذا بالطفل يجري في اتجاه منزل قريب من الطريق ونادي علي والدته وخرجت تنظر إليه من البلكونة ثم أنزلت "سبت" أخذ الطفل منه لفافة وقام بالجري نحوي مرة أخري ومعه كيس وبسذاجة الأطفال قال لي خذ هذا الكيس به لب وسوداني لتفرقه علي العساكر حتي يسقطوا لنا طائرات إسرائيلية كثيرة أنا اشتريت هذا الكيس من مصروفي لأوزعه علي العساكر ويا رب تجبلونا النصر. وقمت بالفعل احتراما لهذا الطفل الذي يمثل رمزا لهذا الشعب الأصيل المؤمن بما تقوم به القوات المسلحة ووزعت هذا الكيس علي الجنود وكانت فعلا الدموع تملأ عيني من مشاعر طفل مصري من أبناء ريف مصر.. وأتمني من شباب اليوم أن يكونوا مثل هذا الطفل يتفهمون ما قامت به قواتهم المسلحة والشعب المصري. أيضا لا أنسي مطلقا أهالي بورسعيد البواسل هذا الشعب العظيم في تلاحم أهالي بورسعيد بطل حرب 1956 وحتي حرب .1973 لقد كان هؤلاء المواطنون البسطاء كلما شاهدوا صاروخا يطلق من كتيبتنا ليصيب طائرات العدو ويشاهدوا الطائرات وهي تهوي علي الأرض إلا ونفاجأ بهم يحملون لنا الحلوي والفاكهة تعبيرا عن مشاعرهم وفرحتهم بقطع الذراع التي طالما آلمتهم ودمرت منازلهم وحصدت أرواح رجالها ونسائها وأطفالها. لا أنسي أبدا مشهدا ظل أمام عيني سواء كانت مغمضة أو في اليقظة عندما خرجت من مركز القيادة لأري شابا في منتصف العمر يتصرف بانفعال شديد ويقبل كل جندي وصف وضابط ويبحث عن قائد الكتيبة. وعندما رآني فوجئت به يتعلق في رقبتي فترة لم تقل عن الربع ساعة ما بين ضاحك وباكي وعندما هدءت من روعه وسألته إيه الحكاية قال لي لقد كنت داخل المعدية التي تسير في القناة بين شرق القناة للغرب ومعي عدد من الأهالي المدنيين وإذا بنا نشاهد طائرة إسرائيلية تتجه نحو المعدية في غطرسة الطيار الإسرائيلي راغبا في حصد أرواحنا ونحن مدنيون عزل لا نحمل سلاحا وإذا بالمارد المصري القابع في غرب القناة ينطلق كالسهم نحو الطائرة والطيار المتغطرس ليقسم الطائرة إلي شطرين وتتناثر أشلاؤها في سماء الوطن وسط قناة السويس لبهو هذا الطيار مع أشلاء طائرته وظللت أنظر أنا ومن معي في المعدية أننا نجونا من موت محقق ولم نشعر إلا ونحن جميعا نهلل ونكبر "الله أكبر".. "الله أكبر" والحمد لله وجئت لأقبل جبين كل فرد من الكتيبة العظيمة التي دافعت عنا وحطمت هذه الطائرة. كانت هذه الكلمات تنطلق من فم الشاب كالصواريخ والسهام بينما دموعه تنسال كالأنهار من الفرحة هذه قصص من مئات آلاف القصص التي كنا نشاهدها نحن رجال قواتنا المسلحة علي طول الجبهة. ومن هذه المفارقات الغريبة أن أري هذا الشاب الذي جاءني في الكتيبة في 1973 فيما بعد حيث سعي للعمل في المعامل المركزية للقوات المسلحة بعد أن أصبح مديرا بها.