جامعة طيبة التكنولوجية بالأقصر تطلق مؤتمرها الرابع لشباب التكنولوجيين منتصف ديسمبر    سفارة روسيا فى مصر: بوتين يشارك بالفيديو كونفرانس فى احتفال تركيب وعاء ضغط مفاعل الضبعة    النيابة العامة تكشف تفاصيل تحويل مضبوطات ذهبية لاحتياطى استراتيجى للدولة    أخبار مصر اليوم.. الصحة: مصر آمنة تمامًا من فيروس ماربورج، أسماء الفائزين بالجولة الأولى في انتخابات مجلس النواب، النيابة العامة تسلم البنك المركزي 265 كيلو جرام ذهب    حماس: مزاعم إسرائيل لتبرير قصف مخيم عين الحلوة "كذب صريح"    اسكتلندا تنتزع بطاقة التأهل لكأس العالم بفوز درامى على الدنمارك    منتخب بلجيكا يكتسح ليختنشتاين 7-0 ويحجز مقعده بكأس العالم 2026    سويسرا والنمسا يتأهلان لكأس العالم 2026    فضيحة الفساد في كييف تُسقط محادثات ويتكوف ويرماك في تركيا    العدد يصل إلى 39.. تعرف على المتأهلين إلى كأس العالم 2026 وموعد القرعة    أحمد فؤاد ل مصطفى محمد: عُد للدورى المصرى قبل أن يتجاوزك الزمن    إيطاليا والدنمارك بالتصنيف الأول والسويد في الرابع.. كل ما تريد أن تعرف عن الملحق الأوروبي    زيورخ السويسري يرد على المفاوضات مع لاعب الزمالك    تحريات لكشف ملابسات العثور على جثة شخص في الطالبية    "النيابة العامة" تُحوِّل المضبوطات الذهبية إلى احتياطي استراتيجي للدولة بحضور رئيس الوزراء    اليوم، الحكم في قرار منع هدير عبد الرازق من التصرف في أموالها    تقترب من الثلاثين، درجات الحرارة غدا الأربعاء فى مصر    ضربه على رأسه بالشيشة، السجن 5 سنوات للمتهم بقتل والده ليلة العيد ببني سويف    نجوم «بنات الباشا» يحتفلون بالعرض العالمي الأول في مهرجان القاهرة السينمائي.. صور    أبطال فيلم ولنا في الخيال حب يحتفلون بعرضه بالسينمات غدا    مشروبات طبيعية تساعد على النوم العميق للأطفال    بدائل صحية للوجبات السريعة داخل البيت، طعم لذيذ بدون سعرات عالية    طيران الإمارات يطلب 65 طائرة إضافية من بوينغ 777X بقيمة 38 مليار دولار خلال معرض دبي للطيران 2025    بعد 7 سنوات من الغياب ..ابن سلمان يزور واشنطن ويقدم مزيدا من الرز الخليجي والتطبيع المجاني؟!    وزير المالية: مبادرة جديدة لدعم ريادة الأعمال وتوسيع نظام الضريبة المبسطة وحوافز لأول 100 ألف مسجل    «مصر العليا للكهرباء»: 4.3 مليار جنيه مشروعات للغير وفائض تشغيل كبير    أوكرانيا تطالب روسيا بتعويضات مناخية بقيمة 43 مليار دولار في كوب 30    محكمة الأسرة ترفض استئناف إبراهيم سعيد وتؤيد إلزامه بسداد نفقة ومصروفات ابنتيه    جامعة دمياط الأهلية تطلق ندوة حيوية حول أخلاقيات الطالب الجامعي    رولا ابنة الراحل محمد صبرى: والدى كان يوقع على بياض للزمالك    فيلم وهم ل سميرة غزال وفرح طارق ضمن قائمة أفلام الطلبة فى مهرجان الفيوم    القادسية الكويتي: كهربا مستمر مع الفريق حتى نهاية الموسم    في غياب بن رمضان والجزيري.. تونس تتعادل مع البرازيل    مديرة وحدة علاج الاضطرابات النفسية تحذر من الآثار السلبية للتنمر على نفسية الطفل    هند الضاوي: إسرائيل لا تحترم إلا القوي.. ودعم السلطة الفلسطينية ضرورة عاجلة    أحمد موسى: الرئيس السيسي استلم البلد وكانت كل حاجة على الأرض    رمضان 2026| انطلاق تصوير «اتنين غيرنا» ل آسر ياسين ودينا الشربيني    إيهاب الخولي: الرئيس السيسي يثمن إرادة المصريين ويؤكد على الشفافية    رئيس جامعة العريش يترأس الملتقى العلمي الثالث لكلية الطب البيطري    حملات لفرض الانضباط في حي العجوزة    هيئة الدواء: نعتزم ضخ 150 ألف عبوة من عقار الديجوكسين لعلاج أمراض القلب خلال الفترة المقبلة    ياسر ثابت: إدارة ترامب لا تسعى لمعركة طويلة الأمد في فنزويلا    إطلاق الموقع الإلكترونى الرسمى المخصص لمؤتمر اتفاقية برشلونة cop24    داعية: حديث "اغتنم خمسًا قبل خمس" رسالة ربانية لإدارة العمر والوقت(فيديو)    "تعليم القاهرة" تشدد على أهمية تطبيق لائحة التحفيز التربوي والانضباط المدرسي    حماة وطن ينظم مؤتمر حاشد لدعم مرشحه محمود مرسي بالقليوبية    هل يجوز أداء العشاء قبل الفجر لمن ينام مبكرًا؟.. أمين الفتوى يجيب    على أنغام الحب كله.. أحمد حلمي يتغزل فى منى زكى بعيد ميلادهما.. فيديو    لقاء تنسيقي بين "الكهرباء" و"الأكاديمية الوطنية للتدريب" لتعزيز التعاون وبناء القدرات    التنسيقية تنظم رابع صالون سياسي للتعريف ببرامج المرشحين بالمرحلة الثانية لانتخابات النواب    مواقيت الصلاه اليوم الثلاثاء 18نوفمبر 2025 فى المنيا....اعرف صلاتك    الشيخ رمضان عبد المعز يبرز الجمال القرآني في سورة الأنبياء    تفاصيل خطة تطوير المطارات ورفع كفاءة إجراءات دخول السائحين    الكنيسة تحتفل اليوم بتذكار تجليس البابا تواضروس ال13    التحقيق في حادث غموض مصرع ميكانيكي بالشرقية    بث مباشر.. المغرب يواجه أوغندا اليوم في ودية استعدادية لكأس أمم إفريقيا 2025    الملتقى الفقهي بالجامع الأزهر: مقارنة المهور هي الوقود الذي يشعل نيران التكلفة في الزواج    كيف يحدث هبوط سكر الدم دون الإصابة بمرض السكري؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المخططات والأبعاد
نشر في الأسبوع أونلاين يوم 15 - 09 - 2019

لم يعد سرًا الحديث عن علاقة الولايات المتحدة الأمريكية غير الطبيعية بإسرائيل، وبات القاصي قبل الداني يتحدث عن خدمات تبادلية بين إسرائيل وبين من صنعوه وفرضوه على الفلسطينيين والعرب والمنظمة الدولية والعالم أجمع. وإذا كان المحللون والمتابعون قد خلصوا إلى نتيجة مفادها أن إسرائيل تفرض سياساتها ورؤاها واستراتيجياتها منذ عدة عقود على صانع القرار الأمريكى عبر مراكز النفوذ واللوبيات الصهيونية في الولايات المتحدة وذراعها الأقوى الايباك، فإن هؤلاء أنفسهم عادوا اليوم إلى الحقيقة الثابتة والبديهية الواضحة التي تقول بأن دولة إسرائيل هي مجرد مخفر متقدم للامبريالية العالمية في المنطقة ليحافظ على مصالحها ويحمي شركاتها وقواعدها المتقدمة.‏
وفي نظرة سريعة ولكن معمّقة لأحداث اليوم ومحاور حرب «الربيع العربي» التي تشنها إسرائيل والقوى الغربية الداعمة لها، نجد أن الهدف النهائي لهذه الحرب هو إبادة العرب جميعًا كأمة وكدول وقد اعتمدت خطط الحرب على شرذمتهم وتفريقهم ومنع كلّ أسباب الوحدة أو التنسيق بينهم لأن هذا هو الشرط الأول والجوهري للتحكم بمصائرهم وعدم تمكينهم من امتلاك أسباب القوة. ولهذا السبب المهم حرصت إسرائيل على نشر الفرقة والفتنة بين العرب طوال تاريخهم واعتبرت أن أي تنسيق بين بلدين عربيين يشكل خطرًا وجوديًا عليها.
فها نحن نقرأ أو نسمع من كل الدول العربية الحديث عن أيد خفية تطول هذا البلد وذاك وعن مخططات تستهدف هذه الحكومة أو تلك، وحقيقة الأمر هي أن هذه التفاصيل هي جزئية من خطة أعم وأشمل تستهدف الجميع وما يجري في بلد دون آخر وتوقيت دون آخر ما هي إلا تفاصيل مدروسة لاستكمال الخطة الأكبر والتي سوف تبدو جليّة للعيان حين ينضج الوضع على الساحة العربية. وبهذا فإن احتلال فلسطين كان نقطة الانطلاق فقط ونقطة الارتكاز وإجراء التجارب لمعرفة أفضل السبل للانقضاض على سورية ولبنان ومصر والعراق وليبيا بل على الأمة بأسرها. واليوم وبعد كل الجهود التي بذلت لقضم أرض فلسطين كلها وتهجير أهلها العرب جميعًا وبعد تقسيم السودان واستنزاف العراق وخلق مشكلة الصحراء بين المغرب والجزائر وتحطيم ليبيا وتدمير اليمن أصبح واضحًا أن «صفقة القرن» لا تستهدف فلسطين وحدها بل تستهدف العرب برمتهم ونحن لا نتحدث عن الغد المباشر بل عن العقد أو العقدين القادمين.
فإسرائيل تشكل حلقة ثابتة في الموقف الأمريكي من قضايا السياسة الخارجية، وهذا ينطبق على السياسات المتبعة إزاء دول وأحزاب وقضايا دولية، وباستثناء المصالح الاقتصادية مثل مصادر الطاقة والأسواق والصراع على مناطق النفوذ في روسيا والصين وغيرها من الدول الصاعدة، لا نجد سوى ‹›إسرائيل›› محركًا للسياسات والقرارات الأمريكية. وفي كثير من الأحيان تتكلف الولايات المتحدة أثمانًا باهظة من دماء مواطنيها وأبنائها وخزينتها وسمعتها ومكانتها في العالم من أجل إسرائيل، بحيث تبقى إسرائيل دائمًا هي «الرابح الأول» في السياسات الأمريكية، أما تنافس الحزبين فلا يخرج عن سياق القضايا الداخلية المختلفة اقتصادية أو اجتماعية أو ثقافية وأغلبها اجتماعي. وفي جميع الحالات الداخلية تبقى إسرائيل هي الأساس والمنطلق، ويلعب الصوت الإسرائيلي دورًا فاعلًا ومؤثرًا إلى أبعد الحدود في هذه الحالات جميعًا.
الولايات المتحدة تعلن في مناسبة وبغير مناسبة أنها إلى جانب الاحتلال الإسرائيلي، وأنها مع الاستيطان والتوسع، وكذلك مع الاستئصال الكامل لجذور الفلسطينيين. وهي هنا لا تجد نفسها تخالف القوانين الدولية، أو تعتدي على حقوق الشعوب صاحبة الحق في الأرض. وما يدفع الولايات المتحدة لفعل هذا، هو قوتها الغاشمة، ومصالحها في الشرق الأوسط. وهذا ما دفع القادة الإسرائيليين لأن يتباهوا بقوة اللوبي الإسرائيلي في صياغة وتشكيل سياسة الولايات المتحدة، حيث سمحت لهم الإدارات الأمريكية المتعاقبة بارتكاب المجازر والاغتيالات وهدم البيوت والعقوبات الجماعية وممارسات الإبادة الأخرى التي تقوم بها إسرائيل ضد الفلسطينيين، حتى إن رئيس وزراء الكيان الصهيوني السابق «أرييل شارون» تباهى مرة بتأثيره في الرئيس الأمريكي جورج بوش قائلًا: «إن الولايات المتحدة تحت سيطرتنا».‏
لقد أخذت الولايات المتحدة حكومة كل العالم تسعى علنًا لتصفية حساباتها مع كل من كان يقف في وجه مشاريعها ومؤامراتها، ومن يعارض خططها لتصفية قضية فلسطين، وإلحاق الوطن العربي كليًا بالقرار الأمريكى، وإخضاعه لهيمنة الشركاء العنصريين، ولصالح الإدارة الأمريكية وإسرائيل، اللتين أعلنتا بوضوح، على لسان الرئيس السابق «بيل كلنتون» في لقائه مع رابين 15 مارس 1993 إذ قال: «لقد بدأنا حوارًا يهدف إلى رفع علاقاتنا إلى مستوى جديد من الشراكة الاستراتيجية: لنكون شركاء في السعي إلى السلام وشركاء في السعي إلى الأمن». وأخذ «الإرهاب» يشكل سلاحًا من الأسلحة التي تشهر على العرب الذين يقاومون الاحتلال، والهيمنة الأمريكية، والوجود الاستيطاني العنصري الصهيوني، ويُشهَر على المسلمين والإسلام ذاته، في سياق إعلان الولايات المتحدة الأمريكية بعد انتهاء حرب الخليج الثانية عن غزو مفتوح للآخرين، ولا سيما العرب والمسلمين، حيث قال الرئيس بوش: «إن القرن القادم أي القرن الحادى والعشرين سيكون قرن انتشار وهيمنة القيم الأمريكية، والسلوك الأمريكى، والثقافة الأمريكية». وعزز مفسرون ومتطرفون غربيون ذلك ووضحوه بالقول: «إنه كما شهد القرن الحالي أي القرن العشرين انهيار الشيوعية والماركسية، سيشهد القرن القادم انهيار العروبة والإسلام».
وهكذا بدأ استخدام «الإرهاب» سلاحًا عسكريًا وسياسيًا وإعلاميًا ونفسيًا ضدنا، لتدميرنا من الداخل، لتبرير عمليات التدمير والإبادة البطيئة التي تتم ضدنا، باسم «مكافحته» وتمرير كل فعل إجرامي يرتكب بحقنا، من خلال التزييف والتشويه والقفز فوق الحقائق والوقائع. فبعد العمليات الفدائية الموجهة ضد العدو الإسرائيلي داخل الأرض المحتلة وخارجها، وازدياد المواجهات حدة بين أجهزة الأمن والمخابرات الإسرائيلية من جهة، والمنظمات الفلسطينية العاملة في مجال المقاومة من جهة أخرى، تنامت خلال العقود الأخيرة من القرن العشرين، الجهود الرامية إلى تحديد أسباب «الإرهاب» ومقاومته، وازدادت معها حملات الإعلام والسياسة والتهديد، التي جعلت مفهوم الإرهاب يكاد يلتصق بالفلسطيني، والعربي، ليصبح من صفاتهما، ثم ينسحب على المسلمين فالإسلام.
وللأسف، منذ الحرب العالمية الأولى والدور البريطاني الفرنسي في تجزئة واقتسام الوطن العربي لا يتوقف ومن لا يريد الاقتناع بهذه الحقيقة فلينظر إلى الدور الإسرائيلي الذي تستند الاستراتيجية الأمريكية إليه ولقواعدها العسكرية في المنطقة. وحول هذا الموضوع يعترف المحلل الإسرائيلي «لازار بيرمان» في تحليل سابق نشره في الموقع الإلكتروني (ذي تايمز أوف إسرائيل) أن السياسة الإسرائيلية تريد من الولايات المتحدة إنجاز تقسيم وتجزئة دول كثيرة عن طريق إنشاء دول ودويلات على أساس طائفي أو إثني وخصوصًا في العراق وإيران وتركيا وسورية ومصر، ويرى ‹›بيرمان›› أن واشنطن قد لا تتشجع لفرض هذه السياسة في تركيا لكن التطورات المتلاحقة وظهور لاعبين صغار جدد في هذه الدول وتعزيز قدراتهم سيحمل معه النجاح لمشروع من هذا القبيل.
ويستشهد محللون إسرائيليون آخرون بحالة (الفوضى) غير المسبوقة في تاريخ دول كثيرة في المنطقة من مصر إلى سورية إلى العراق إلى اليمن إلى لبنان إلى ليبيا وتونس.. ويعتبرونها الفرصة غير المسبوقة أيضًا لإعادة تشكيل الكيانات السياسية بطريقة أكثر تجزئة من أي مرحلة تاريخية ماضية. ولا أحد يشك أن إسرائيل وحدها وبقدراتها وحدودها الحالية لا يمكن أن تتولى إدارة أو تنفيذ مشروع كهذا إلا إذا ما وضعت خطته وأدارته الولايات المتحدة الأمريكية.
ففي دراسة أعدها أحد الخبراء الإسرائيليين «رالي أهاروني» جاء أن مصر يمكن تقسيمها إلى أربع دول، واحدة منها في سيناء وأخرى مستقلة قرب قناة السويس والجهة الأخرى وثالثة تمتد حتى الصحراء على حدود ليبيا، ورابعة في الشمال، واعتمد «أهاروني» في دراسته على مبدأ جيوسياسي يوفر لإسرائيل تحالفًا مع (دويلة سيناء) ودويلة (منطقة قناة السويس) لأنهما ستشكلان حاجزًا جغرافيًا وبشريًا ومائيًا تستند إليه إسرائيل في حماية مشروعها الصهيوني. فمنذ عام 1982 نشر الصحفي الإسرائيلي «عود يدينون» المقرب من وزارة الخارجية الإسرائيلية، دراسة بعنوان (إستراتيجية إسرائيل في الثمانينيات) كشف فيها عن دعوة إسرائيلية بتحويل الجبهة الشمالية والشرقية إلى دويلات صغيرة تنشأ على خلفية طائفية واثنية تمتد من العراق إلى الأردن إلى سورية ولبنان، فتتخلص إسرائيل من هاتين الجبهتين بعد أن جمدت جبهة الجنوب التي كانت تشكلها مصر قبل كامب ديفيد، وتمكنت إسرائيل من فرض تقسيم بعد عام 2006 بين الضفة الغربية وقطاع غزة واعتبرته مثالًا يجب تطبيقه على الدول المحيطة بها بما في ذلك مصر.
وتشكل المصالح الإسرائيلية ضمن الاستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط الكبير وتحقيق المجال الحيوي لدولة إسرائيل البعد الثاني لمرتكزات الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة. واللافت في تاريخ مواقف الإدارات الأمريكية المتعاقبة من الدعم الأمريكى لإسرائيل، أن الجمهوريين والديمقراطيين لم يختلفوا يومًا إزاء هذا الدعم بالغًا ما بلغت خلافاتهم على مواضيع أخرى. فالإدارات الأمريكية المتعاقبة التي تتشدق بحماية حقوق الإنسان ونشر الديمقراطية والحرية والعدل والمساواة في العالم، تكذب على شعبها أولًا ثم على الشعوب والأمم الأخرى بتصدير مثل هذه الشعارات الجوفاء ومن ثم هي تؤكد عبر دعمها المستمر والمتصاعد لإسرائيل على أنها الداعم الرئيسي للإرهاب العالمي، ولاحتلال أراضي الغير ونهب خيراتها وطرد شعبها منها، وعلى تأجيج سباق التسلح في المنطقة، وهذا كله يؤدي حتمًا إلى قتل السلام والاستقرار في العالم، فالسلام والاحتلال ضدان لا يلتقيان أبدًا.
والحقيقة المؤكدة لدينا ولدى كل شرفاء هذا العالم، أنّ التاريخ أثبتَ عبر عصوره المتواليات أن ما يخالف سنن الكون لا ديمومة له، وإسرائيل خالفت قوانين الأرض وشرائع السماء والسنن الكونية في كل ما أقدمت عليه. بل إن وجودها نفسه على أرض اغتصبتها، وشعب شردته وقتلت ما لا يحصيه عدد من أبنائه، فضلًا عما أحاقت به من مآس وويلات لا حصر لها، سوف يفضي في نهاية المطاف إلى زوالها شأنها شأن غزوات كثيرة عرفها التاريخ على هذه الديار المقدسة. فالعد التنازلي لأمريكا وإسرائيل بدأ، وإن غدًا لناظريه قريب. ونعرِّج على الحالة الإسرائيلية في وقتنا الراهن، فما تعانيه هذه ليس أقل مما تعانيه أميركا، إن لم يكن أشد سوءًا، حيث إنها هي نفسها باتت تدرك أنها بدأت عدها التنازلي المفضي، في نهاية المطاف، إلى زوالها كيانًا ووجودًا، من هذه المنطقة التي فرضت نفسها عليها بدعم من قوى معادية لأمتنا، لحقبة من الزمن، أشاعت فيها الموت والدمار لشعب مسالم يعيش على أرض فلسطين منذ آلاف السنين، فإسرائيل تعتمد في وجودها نفسه على أميركا، وما يصيب أميركا سينعكس عليها بالقطع.
لقد تغيرت الأوضاع كلها اليوم، فها هي إسرائيل تلحق بها سلسلة من الهزائم المتلاحقة بدءًا من عام 1973، في حربها مع مصر وسورية، ثم تتلقى بعد ذلك هزيمة أخرى عام 1982 في لبنان، ثم تخرج في عام 2000 من جنوب لبنان صاغرة تحت ضربات المقاومة اللبنانية، أعقب ذلك هزيمة منكرة لها عام 2006 في جنوب لبنان، كما حدث الشيء نفسه في غزة عامي 2008/2009، تلك الرقعة الصغيرة من الأرض التي لا تزيد مساحتها عن 260 كم2، المفتوحة ميدانيًا وتضاريسيًا، حيث لا جبال ولا غابات تقيها ضربات الطيران الإسرائيلي وقصف دباباته ومدفعيته وأسلحتها المحرمة دوليًا على شعب أعزل، ولا ننسى هنا ما بدأ من ضعفها المزري أمام الانتفاضات الفلسطينية المتتالية، حتى أمام حجارة أطفالها ومقاليعهم.
من هنا نرى أن المستقبل ينبئ بأن هاتين الدولتين المتغطرستين تواجهان مستقبلًا مشتركًا واحدًا، سوف يحيل البيت الأبيض إلى بيت أسود، كما يحيل إسرائيل إلى خبر كان، الظواهر المشهودة اليوم والمتغيرات المتسارعة على الصعيد العالمي تؤكد هذه الحقيقة. لقد تنبأ الفيلسوف العالمي الشهير «أرنولد توينبي» بانهيار الإمبراطورية الأمريكية، وأكد أن الأمم القوية تظل في حالة صعود مستمر إلى أن تتحول إلى أمم مستبدة طاغية، ثم تتوقف عن الصعود ويبدأ نجمها بالأفول وذلك بفعل ظهور قوى أخرى تعمل على إسقاطها عن عرش الزعامات، وهذا ما سيحصل للإمبراطورية الأمريكية مما سيجبرها على الإسراع في التقوقع داخل حدودها ويسرع من انهيارها.
نحن في مرحلة إعادة تكوين المنطقة لتكون على حساب العرب وبشكل تتحول دويلاتها ضمن «الولايات المتحدة الإسرائيلية» وتدور في فلكها، وما لم يفهم العرب العلاقة الأمريكية الإسرائيلية على حقيقتها وما لم يستجمع العرب عناصر القوّة خارج إطار هذه العلاقة لن نفهم سرّ كلّ ما يجري في منطقتنا وما يتمّ تخطيطه لنا وتنفيذه ضد مستقبل أجيالنا وشعوبنا. وما لم يع العرب هذه الحقيقة ويتخذوا الإجراءات الضرورية كي يكونوا هم أسياد هذه المنطقة فإن العدو المتربص بهم جميعًا يهدف إلى التحكم بالمنطقة علميًا وتقنيًا ومعلوماتيًا وتاريخيًا وجغرافيًا حيث لا يكون لوجود الملايين من العرب صدى أو دور في تشكيل هويتها ومستقبلها، ناهيك عن أي دور إقليمي أو دولي يحسب له حسابًا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.