جودة غانم: بدء المرحلة الثالثة لتنسيق الجامعات الأسبوع المقبل    30 ألف جنيه للعجز و150 ألفا للوفاة، الصحة تحدد تعويضات مخاطر المهن الطبية    الكشف الطبي على 2770 طالبا بجامعة قناة السويس    كل ما تريد معرفته عن برنامج معلم اللغة الألمانية بجامعة حلوان    «الكنيسة القبطية الأرثوذكسية»: الأعياد مناسبة لمراجعة النفس والتقرب إلى الله    إزالة 16 حالة تعدٍ على أملاك الدولة بالشرقية    المشاط :مصر نفذت إصلاحات اقتصادية وهيكلية طموحة لتعزيز استقرار الاقتصاد الكلي    مدبولي يدعو مجموعة "تويوتا تسوشو" اليابانية للاستثمار بالمنطقة الاقتصادية لقناة السويس    السكك الحديدية تطلق خدمة جديدة، تعرف عليها    التمثيل التجاري: خطة عمل لترويج وتنمية صادرات مصر من الحاصلات الزراعية    وزير الإسكان يعلن الانتهاء من إجراء القرعتين 17 و18 للمواطنين الذين تم توفيق أوضاعهم بالعبور الجديدة    عماد الدين حسين: توقيت زيارة الرئيس السيسي للسعودية يحمل دلالات خاصة    وزير الأوقاف يدين الهجوم على مسجد في نيجيريا ويدعو للتصدي للتطرف والإرهاب    من حريق الأقصى إلى مواقع غزة.. التراث الفلسطيني تحت نيران الاحتلال    بين الخيانة ورسائل الكراهية.. خلاف ألبانيز ونتنياهو يتحول ل"إهانات شخصية"    وفد مجلس الزمالك يجتمع اليوم بوزير الإسكان لحل أزمة أرض أكتوبر    ننشر النص الكامل لتعديلات قانون الرياضة بعد تصديق الرئيس السيسى    مركز جديد ل حسين الشحات في الأهلي.. شوبير يكشف التفاصيل    ريبيرو يمنح لاعبي الأهلي راحة سلبية ويستكشف المحلة    ضبط أكثر من 15 طن دقيق في حملات لمواجهة التلاعب بأسعار الخبز    نصب واحتيال.. ضبط صاحب شركة وهمية لإلحاق العمالة بالخارج    مديريات التعليم تنظم ندوات توعية لأولياء الأمور والطلاب حول البكالوريا    إصابة 5 أشخاص فى حادث انقلاب سيارة سوزوكى بالفيوم    النيابة العامة تشكل لجنة ثلاثية لفحص أسباب انهيار عقار الزقازيق    تفاصيل شخصية بسمة داود في مسلسل "ما تراه ليس كما يبدو"    رحيل القاضي الأمريكي «فرانك كابريو».. أيقونة العدالة الرحيمة    المؤرخ للذاكرة من خلال التفاصيل الصغيرة    دار الإفتاء: سب الصحابة حرام ومن كبائر الذنوب وأفحش المحرمات    نائب وزير الصحة والسكان يتفقد مستشفى رأس الحكمة    بدء تنفيذ الخطة العاجلة للسكان والتنمية في قرية البرث برفح    جلوبو: توتنام يرفع عرضه لضم سافينيو إلى 80 مليون يورو    هل يوجد زكاة على القرض من البنك؟.. أمين الفتوى يجيب    3 وكلاء جدد بكلية الزراعة جامعة عين شمس    إجازة المولد النبوى .. 3 أيام متتالية للموظفين    هل يجوز سؤال الوالدين عن رضاهم عنا؟.. أمين الفتوى يجيب    وزيرة التنمية المحلية ومحافظ أسوان يتابعان مشروعات"حياة كريمة" والموجة ال27 لإزالة التعديات    القاهرة الإخبارية: مصر ترسل قافلة المساعدات الإنسانية العشرين إلى قطاع غزة    الأرصاد تحذر من حالة طقس يومي السبت والأحد    ضربها بملة السرير.. زوج يقتل زوجته إثر مشادة كلامية بسوهاج    "صحة لبنان": مقتل شخص في غارة إسرائيلية على بلدة دير سريان بقضاء مرجعيون    إعلام عبري: إطلاق نار على إسرائيليين قرب مستوطنة "ملاخي هشالوم" في الضفة    رئيس هيئة الرعاية الصحية: نجحنا فى مضاعفة معدلات الإنجاز والإيرادات    وزير الصحة يتفقد مشروع إنشاء المخازن الاستراتيجية للمنتجات والأجهزة الطبية بالعاصمة الإدارية    «اقتصادية القناة»: جهود متواصلة لتطوير 6 موانئ على البحرين الأحمر والمتوسط    دعاء الفجر| اللهم اجعل هذا الفجر فرجًا لكل صابر وشفاءً لكل مريض    أذكار الصباح اليوم الخميس.. حصن يومك بالذكر والدعاء    توقعات الأبراج حظك اليوم الخميس 21-8-2025.. «الثور» أمام أرباح تتجاوز التوقعات    نجم الأهلي السابق: مودرن سبورت سيفوز على الزمالك    حلوى المولد.. طريقة عمل الفسدقية أحلى من الجاهزة    الإسماعيلي يتقدم باحتجاج رسمى ضد طاقم تحكيم لقاء الاتحاد السكندرى    وزارة الأوقاف تطلق صفحة "أطفالنا" لبناء وعي راسخ للنشء    الجنائية الدولية: العقوبات الأمريكية هجوم صارخ على استقلالنا    "تجارة أعضاء وتشريح جثة وأدلة طبية".. القصة الكاملة وآخر مستجدات قضية اللاعب إبراهيم شيكا    بعد التحقيق معها.. "المهن التمثيلية" تحيل بدرية طلبة لمجلس تأديب    بعد معاناة مع السرطان.. وفاة القاضي الأمريكي "الرحيم" فرانك كابريو    ليلة فنية رائعة فى مهرجان القلعة للموسيقى والغناء.. النجم إيهاب توفيق يستحضر ذكريات قصص الحب وحكايات الشباب.. فرقة رسائل كنعان الفلسطينية تحمل عطور أشجار الزيتون.. وعلم فلسطين يرفرف فى سماء المهرجان.. صور    جيش الاحتلال يستهدف بلدة فى جنوب لبنان بصاروخ أرض أرض.. وسقوط 7 مصابين    شراكة جديدة بين "المتحدة" و"تيك توك" لتعزيز الحضور الإعلامي وتوسيع نطاق الانتشار    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل تتحوّل أمريكا إلي مستعمرة إسرائيلية.. !؟
نشر في الأسبوع أونلاين يوم 02 - 02 - 2014

لم يعد سراً الحديث عن علاقة الولايات المتحدة الأميركية غير الطبيعية بإسرائيل، وبات القاصي قبل الداني يتحدث عن خدمات تبادلية بين الكيان المصطنع وبين من صنعوه وفرضوه علي الفلسطينيين والعرب والمنظمة الدولية والعالم أجمع. وإذا كان المحللون والمتابعون قد خلصوا إلي نتيجة مفادها أن هذا الكيان يفرض سياساته ورؤاه واستراتيجياته منذ عدة عقود علي صانع القرار الأميركي عبر مراكز النفوذ واللوبيات الصهيوشنية في الولايات المتحدة وذراعها الأقوي الايباك، فإن هؤلاء أنفسهم عادوا اليوم إلي الحقيقة الثابتة والبديهية الواضحة التي تقول بأن الكيان الإسرائيلي العنصري هو مجرد مخفر متقدم للامبريالية العالمية في المنطقة ليحافظ علي مصالحها ويحمي شركاتها وقواعدها المتقدمة.
وأياً كانت النتيجة سواء أن تفرض إسرائيل رؤيتها علي أميركا أو أن تقوم هذه الأخيرة بتجنيد الصهاينة لخدمة أهدافها واستراتيجيتها، فإن الثابت أن هذا السرطان الغربي عمل عمله في الفتك بالجسد العربي وتأخير نهوضه لعقود من الزمن إن لم نقل لقرون كاملة.
فالكيان العنصري الذي اعتمد استراتيجية الاحتلال المباشر للأراضي العربية في فلسطين والجولان ولبنان وسيناء وتشريد أرضها وممارسة الإرهاب بحق من بقوا عليها، فإنه اليوم انتقل إلي مراحل أكثر خطورة عنوانها نشر الفوضي والارهاب والتخلف في طول الوطن العربي وعرضه.
ومن يقرأ الأحداث المأساوية التي يشهدها الوطن العربي اليوم يدرك أن ما جري ويجري للسودان وسورية ومصر وليبيا وتونس واليمن والصومال والجزائر والعراق ولبنان، والحبل علي الجرار لبقية الدول العربية، يدرك كم هي خطيرة هذه النقلة في طبيعة الاستعمار الصهيوني المدعوم غربياً سواء أكان بضغط صهيوني أم برغبة غربية لتشغيل هذا الكيان العنصري فهل يدرك أبناء المنطقة حقيقة ما يجري حولهم؟!
فإسرائيل تشكل حلقة ثابتة في الموقف الأمريكي من قضايا السياسة الخارجية، وهذا ينطبق علي السياسات المتبعة إزاء دول وأحزاب وقضايا دولية، وباستثناء المصالح الاقتصادية مثل مصادر الطاقة والأسواق والصراع علي مناطق النفوذ في روسيا والصين وغيرها من الدول الصاعدة، لا نجد سوي ''إسرائيل'' محركاً للسياسات والقرارات الأمريكية. وفي كثير من الأحيان تتكلف الولايات المتحدة أثماناً باهظة من دماء مواطنيها وأبنائها وخزينتها وسمعتها ومكانتها في العالم من أجل إسرائيل، بحيث تبقي إسرائيل دائماً هي ''الرابح الأول'' في السياسات الأمريكية، أما تنافس الحزبين فلا يخرج عن سياق القضايا الداخلية المختلفة اقتصادية أو اجتماعية أو ثقافية وأغلبها اجتماعي. وفي جميع الحالات الداخلية تبقي إسرائيل هي الأساس والمنطلق، ويلعب الصوت الصهيوني دوراً فاعلاً ومؤثراً إلي أبعد الحدود في هذه الحالات جميعاً.
من جهة فالوقائع في منتهي الوضوح لمن يريد رؤيتها علي حقيقتها دون تزويق ودون رتوش، من جهة أخري فإن بعض الحقائق من المفترض أن تصل إلي حدود اليقينيات العقلية والذهنية، فهي أصبحت بمثابة القوانين غير المكتوبة ومنها أن الإدارات الأميركية المختلفة لكافة الرؤساء الأميركيين هي بمثابة الواجهات 'ليس إلا' لصاحب الحكم الفعلي في أميركا وهو المجمع الصناعي العسكري بالتحالف مع رأس المال المالي علي صعيد السياسات الخارجية ومنها العلاقة مع إسرائيل. لذلك نري أن كل إدارة أميركية في عهد مطلق رئيس تطمح الوصول إلي مركز ''الأشد إخلاصاً لإسرائيل''. من جانبه يحاول كل رئيس أميركي الوصول إلي هذه الصفة. لذا فإن محللينا يصفون كل إدارة أميركية لأي رئيس جديد 'بأنها الأخلص لإسرائيل'! في الحقيقة أن كافة الإدارات الأميركية تُعتبر 'الأكثر إخلاصاً لإسرائيل'.
الولايات المتحدة تعلن في مناسبة وبغير مناسبة أنها إلي جانب الاحتلال الصهيوني، وأنها مع الاستيطان والتوسع، وكذلك مع الاستئصال الكامل لجذور الفلسطينيين. وهي هنا لا تجد نفسها تخالف القوانين الدولية، أو تعتدي علي حقوق الشعوب صاحبة الحق في الأرض. وما يدفع الولايات المتحدة لفعل هذا، هو قوتها الغاشمة، ومصالحها في الشرق الأوسط. وهذا ما دفع القادة الإسرائيليين لأن يتباهوا بقوة اللوبي الصهيوني في صياغة وتشكيل سياسة الولايات المتحدة، حيث سمحت لهم الإدارات الأمريكية المتعاقبة بارتكاب المجازر والاغتيالات وهدم البيوت والعقوبات الجماعية وممارسات الإبادة الأخري التي تقوم بها إسرائيل ضد الفلسطينيين، حتي إن رئيس وزراء الكيان الصهيوني السابق ''أرييل شارون'' تباهي مرة بتأثيره في الرئيس الأمريكي جورج بوش قائلاً: ''إن الولايات المتحدة تحت سيطرتنا''.
الديمقراطية الأمريكية تسمح ببساطة للكيان الصهيوني بمشاريع الإبادة الممنهجة، وهي أي الولايات المتحدة جاهزة بشكل دائم لرفع الفيتوهات في وجه أي إدانة للكيان الصهيوني الغاصب. ويعلن سادة العالم 'الحر' في الولايات المتحدة أن 'إسرائيل' خط أحمر.
يقول جيمس بتراس في كتابه السالف الذكر: ''إن طغيان 'إسرائيل' علي الولايات المتحدة له نتائج خطيرة علي السلم والحرب في العالم، وعلي استقرار وعدم استقرار الاقتصاد العالمي وعلي مستقبل الديمقراطية في الولايات المتحدة. وقد أدت مطالبات اللوبي مباشرة إلي قيام الولايات المتحدة بدعم حروب 'إسرائيل' العدوانية ضد الدول العربية في الأعوام 1967 و1973 و1982، وحرب الولايات المتحدة ضد العراق في 2003، ودعم الغزو الإسرائيلي علي لبنان وغزة في 2006، والتهديدات العسكرية المستمرة ضد إيران وسورية من 2001 حتي 2006، وليس من المستغرب أن الأغلبية الواضحة من الأوروبيين تري أن إسرائيل هي أعظم خطر يهدد السلم العالمي''.
وللأسف، مازال الرؤساء والملوك العرب الذين يعتبرون الولايات المتحدة دولة حليفة أو صديقة تحافظ علي صلاتها ودعمها لهم، يرتكبون خطأً كبيراً ثبتت مخاطره منذ بداية القرن الماضي حتي الآن أي منذ 'الشريف حسين' والحرب العالمية الأولي والدور البريطاني الفرنسي في تجزئة واقتسام الوطن العربي. ومن لا يريد الاقتناع بهذه الحقيقة فلينظر إلي الدور الإسرائيلي الذي تستند الاستراتيجية الأميركية إليه ولقواعدها العسكرية في المنطقة.
وحول هذا الموضوع يعترف المحلل الإسرائيلي ''لازار بيرمان'' في تحليل نشره في الموقع الإلكتروني 'ذي تايمز أوف إسرائيل' أن السياسة الإسرائيلية تريد من الولايات المتحدة إنجاز تقسيم وتجزئة دول كثيرة عن طريق إنشاء دول ودويلات علي أساس طائفي أو إثني وخصوصاً في العراق وإيران وتركيا وسورية ومصر، ويري ''بيرمان'' أن واشنطن قد لا تتشجع لفرض هذه السياسة في تركيا لكن التطورات المتلاحقة وظهور لاعبين صغار جدد في هذه الدول وتعزيز قدراتهم سيحمل معه النجاح لمشروع من هذا القبيل.
ويستشهد محللون إسرائيليون آخرون بحالة 'الفوضي' غير المسبوقة في تاريخ دول كثيرة في المنطقة من مصر إلي سورية إلي العراق إلي اليمن إلي لبنان إلي ليبيا وتونس ويعتبرونها الفرصة غير المسبوقة أيضاً لإعادة تشكيل الكيانات السياسية بطريقة أكثر تجزئة من أي مرحلة تاريخية ماضية. ولا أحد يشك أن إسرائيل وحدها وبقدراتها وحدودها الحالية لا يمكن أن تتولي إدارة أو تنفيذ مشروع كهذا إلا إذا ما وضعت خطته وأدارته الولايات المتحدة الأميركية.
ففي دراسة أعدها أحد الخبراء الإسرائيليين ''رالي أهاروني'' جاء أن مصر يمكن تقسيمها إلي أربع دول، واحدة منها في سيناء وأخري مستقلة قرب قناة السويس والجهة الأخري وثالثة تمتد حتي الصحراء علي حدود ليبيا، ورابعة في الشمال، واعتمد ''أهاروني'' في دراسته علي مبدأ جيوسياسي يوفر لإسرائيل تحالفاً مع 'دويلة سيناء' ودويلة 'منطقة قناة السويس' لأنهما ستشكلان حاجزاً جغرافياً وبشرياً ومائياً تستند إليه إسرائيل في حماية مشروعها الصهيوني.
فالملاحظ منذ عام 2010 وبداية الثورة الشعبية في تونس وفي مصر وفي اليمن وهي دول صديقة وحليفة للولايات المتحدة في عهود رؤسائها ''مبارك''، و''بن علي''، و''علي عبد الله صالح'' أن التطورات فيها ما تزال لم تفرز نتائجها المطلوبة من الشعب صاحب المبادرة في التعبير والإصلاح.
ومن الواضح أن التدخل والسيطرة الأميركية علي آلة الحكم والدولة في هذه البلدان توفر للمشروع السياسي الأميركي لإعادة رسم خريطة كيانات سياسية جديدة في هذه الدول وفي دول أخري في الشرق الأوسط والبقاء علي جدول العمل الأميركي الإسرائيلي.
فمنذ عام 1982 نشر الصحفي الإسرائيلي ''عود يدينون'' المقرب من وزارة الخارجية الإسرائيلية، دراسة بعنوان 'إستراتيجية إسرائيل في الثمانينيات' كشف فيها عن دعوة إسرائيلية بتحويل الجبهة الشمالية والشرقية إلي دويلات صغيرة تنشأ علي خلفية طائفية واثنية تمتد من العراق إلي الأردن إلي سورية ولبنان، فتتخلص إسرائيل من هاتين الجبهتين بعد أن جمدت جبهة الجنوب التي كانت تشكلها مصر قبل كامب ديفيد، وتمكنت إسرائيل من فرض تقسيم بعد عام 2006 بين الضفة الغربية وقطاع غزة واعتبرته مثالاً يجب تطبيقه علي الدول المحيطة بها بما في ذلك مصر.
وتشكل المصالح الإسرائيلية ضمن الاستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط الكبير وتحقيق المجال الحيوي للصهيونية العالمية والكيان الصهيوني البعد الثاني لمرتكزات الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة.
واللافت في تاريخ مواقف الإدارات الأميركية المتعاقبة من الدعم الأميركي للكيان الصهيوني، أن الجمهوريين والديمقراطيين لم يختلفوا يوماً إزاء هذا الدعم بالغاً ما بلغت خلافاتهم علي مواضيع أخري. فالإدارات الأميركية المتعاقبة التي تتشدق بحماية حقوق الإنسان ونشر الديمقراطية والحرية والعدل والمساواة في العالم، تكذب علي شعبها أولاً ثم علي الشعوب والأمم الأخري بتصدير مثل هذه الشعارات الجوفاء ومن ثم هي تؤكد عبر دعمها المستمر والمتصاعد للكيان الصهيوني اللقيط علي أنها الداعم الرئيسي للإرهاب العالمي، ولاحتلال أراضي الغير ونهب خيراتها وطرد شعبها منها، وعلي تأجيج سباق التسلح في المنطقة، وهذا كله يؤدي حتماً إلي قتل السلام والاستقرار في العالم، فالسلام والاحتلال ضدان لا يلتقيان أبداً.
واللافت في تاريخ المساعدات الأميركية للكيان الصهيوني والتي بدأت رسمياً عام 1949 أن هذه المساعدات ترتفع تباعاً في زمن الحرب وفي زمن البحث عما يسمي السلام أو معاهداته، وترتفع كذلك في زمن مكافحة الإرهاب. وعنوانا المساعدات الأوحدان هما ضمان أمن الكيان الصهيوني و''حدوده'' من حروب قد يشنها عليه العرب، وكذلك تعويض مفاعيل السلام المزعوم الذي وقعت اتفاقياته في كامب ديفيد مع النظام المصري ''أنور السادات'' وفي أوسلو مع قيادة منظمة التحرير الفلسطينية ''ياسر عرفات'' وفي وادي عربة مع النظام الأردني ''الملك حسين''.
لقد أجرت صحيفة ''ذي ماركر'' الاقتصادية التابعة لصحيفة ''هآرتس'' الإسرائيلية مؤخراً إحصائيات اقتصادية عن المساعدات المالية الأميركية لإسرائيل علي مدي 63 عاماً، وخلصت إلي نتيجة مفادها أن حجم المساعدات المالية الأميركية علي مدي هذه الفترة تساوي 113 مليار دولار 'تساوي في الزمن الحالي 234 مليار دولار'، إضافة إلي أكثر من 19 مليار دولار كضمانات مالية أميركية كي تنجح إسرائيل في تحصيل قروض في العالم.
لقد ظهر جلياً عجز الولايات المتحدة عن إلزام إسرائيل بالقرارات الدولية، ونزع السلاح النووي من منطقة الشرق الاوسط. وسخِر ''نتانياهو'' مراراً من دعوات ''أوباما'' لوقف بناء المستوطنات بل زاد في أعدادها، وأوقف عملية السلام بأكملها لتصبح إسرائيل طليقة اليدين في توسيع مستوطناتها في الضفة الغربية، وتهويد القدس، والتهديد بهدم المسجد الأقصي.
فقد انحازت إدارة ''أوباما'' بالكامل لجانب إسرائيل في ظروف عربية وشرق أوسطية بالغة التوتر. فالمشكلة الكردية تزداد تعقيداً وتهدد بتفتيت دول المنطقة، والأزمة السورية مستمرة، لأن الخارطة الجديدة لم تكتمل بعد، وما زلنا، بالتالي، حتي اللحظة في البرزخ الفاصل بين عالمين، لذلك من الطبيعي ألا يكون ''جنيف2'' نهاية الأزمة، والأزمة مستمرة في كل من ليبيا وتونس واليمن ومصر والبحرين.
واستناداً إلي تعنت إسرائيل، من المتوقع أن تطور إنتفاضات ''الربيع العربي'' مواقفها باتجاه العداء لإسرائيل وفك التبعية مع الأمريكيين.
لقد آن للأمريكيين أن يقرروا بأن ''إسرائيل'' يمكن أن تعتبر مستعمرة أمريكية إذا أراد الإسرائيليون ذلك، لكن أميركا لا يعقل أن تتحوّل إلي مستعمرة إسرائيلية، كما هو حاصل بالفعل من خلال مصادرة استقلالية القرار السياسي الأميركي. وآن لهم أن يقرروا أن أميركا شيء وأن إسرائيل شيء آخر، وأن ربط مصالح أميركا بأهواء إسرائيل فيه مصادرة لحرية الأمريكيين وحقوقهم الأساسية من خلال مصادرة القرار السياسي الأميركي المستقل، أو الذي يفترض المنطق أن يكون مستقلاً.
لقد تظاهر الصهاينة في الماضي بالتماهي مع الاستراتيجية الأمريكية العالمية والانخراط في خدمتها، ولكن لاستغلالها في خدمة مخططهم الخاص. ولم تكن أهدافهم تتطابق بالضرورة مع الأهداف الأمريكية، لكن هذا الاستغلال بات مكلفاً كثيراً الآن، حتي بحساب القدرة الاقتصادية الأمريكية، وعلي الصهاينة أن يدركوا هذه الحقيقة حتي لا يورّطوا أنفسهم بينما هم يحاولون توريط أميركا.
إن الصهيوني الطامع بالسيطرة علي العالم من خلال السيطرة علي أمريكا، والساعي لإقامة إسرائيل الكبري بين الفرات والنيل علي أنقاض العرب، لا يهمّه أن يدمّر العالم بما في ذلك أمريكا نفسها من أجل أن يبقي هو وأن يحقق أطماعه كما تزيّن له شياطينه. لكننا نفترض بأن صانع القرار في واشنطن ومهما كان حجم الحَوَل الصهيوني المؤثر عليه لا بدّ وأن يوازن بين المصلحة الأمريكية وبين الأهواء الصهيونية لكي يكون بوسعه أن يقدّم لشعبه تفسيراً لسياسته الخارجية.
فمن المؤكد أن العقل الصهيوني الغارق في أحلامه، يصعب عليه القبول بسياسة أمريكية تعتمد قرارات أميركية مستقلة قائمة علي فهم واقعي للتوازنات الدولية، وكون سورية وإيران عصيتين علي الأخذ، وكون مصر تعود إلي نهجها القومي من جديد.كما أن العقل الصهيوني الحالم الذي يري نمو الإرهاب السلفي وقدرته علي توظيفه في خدمته لا يريد أن يري بالمقابل نهضة قومية عربية، وصحوة إسلامية، تكون قادرة علي تطويق الإرهاب، وتحقيق انبعاث الأمتين العربية والإسلامية.
وها هو ''أبراهام فوكسمان'' رئيس المنظمة اليهودية الأميركية 'لمكافحة تشويه اليهود' يعترف في مناسبة مرور مائة عام علي تأسيس هذه المنظمة، بأن واشنطن بدأ يظهر في سياستها ضعف واضح وتراجع عن تبني أي حروب في المنطقة بعد فشلها في أفغانستان والعراق وانكفائها عن شن الحرب علي سورية. بل إنه يصفها بالغارقة في أزمات داخلية وخارجية خصوصاً مع حلفائها الأوروبيين في أعقاب فضائح التجسس علي زعماء أوروبا ودول أخري.
ويبدو أن ''شمعون بيريس'' رئيس الدولة وتلميذ ''بن غوريون'' أول رئيس حكومة إسرائيلية، أدرك مضاعفات هذه الظروف الدولية قبل أن يدركها ويعترف بها رئيس الحكومة ''نتنياهو'' الذي يشعر أن تراجع قدرة واشنطن العسكرية والسياسية عن فرض ما ترغب سيضع إسرائيل أمام وضع لا تفضل بقاءه.
فإسرائيل لا تستطيع تسخير واشنطن في شن حروب لا تجدها الإدارة الأميركية قابلة للنجاح وتحقيق الأهداف وهذا ما أدركه 'اللوبي الصهيوني' منظمة 'إيباك' المتخصصة بممارسة الضغط علي الإدارات الأميركية لحماية إسرائيل حين وافقت مع ثلاث منظمات يهودية أميركية كبيرة علي التعهد بالتزام الصمت وعدم التحرك ضد قرارات ''أوباما'' الدبلوماسية مع إيران فقد اجتمع قادة هذه المنظمات اليهودية مع مستشارة الأمن القومي الأميركي ''سوزان رايس'' وأبلغوها بهذا التعهد بعد أن وجدوا أن معارضتهم لسياسة ''أوباما'' ستجعلهم يفقدون مصالح كثيرة ويتحولون إلي كبش فداء تضحي به إدارة ''أوباما'' في ظل أزمة أميركا الخانقة.
ولاشك أن هذا التنازل من المنظمات اليهودية يدل علي مدي عجز إسرائيل عن تسخيرها لمنع استمرار لسياسة الدبلوماسية الأميركية تجاه إيران التي ترفضها إسرائيل وتحذر من أخطارها عليها.
ولذلك يري الباحثون في مركز دايان للدراسات أن إسرائيل تجد نفسها الآن في وضع من ينتظر ما سوف تسفر عنه عملية التكيف الأميركي مع تناقص القدرة الأميركية علي إدارة الأزمات في العالم.
إن المطلوب من بعض الحكام العرب التوقف عن لعب دور السمسار لواشنطن لبيع فلسطين والجولان وجنوب لبنان، لاسيما وأن مواقف الرؤساء الأمريكان تجاه عروبة فلسطين والقدس تشكل سابقة خطيرة جداً في العلاقات الدولية، وعلي حساب العرب والمسلمين ومباديء القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية.
ويجسد الانحياز الأمريكي المطلق ل ''إسرائيل''، والذي لا مثيل له في العلاقات الدولية علي الإطلاق، ذروة الاستهتار الأمريكي بحقوق ومصالح الشعوب والحكومات العربية والإسلامية، وبشكل خاص أمراء قطر الذين فتحوا بلادهم وخزائن المال فيها علي مصراعيها للصناعات والقواعد العسكرية الأمريكية..
وبناء عليه فقد أدارت قطر المتحالفة مع إسرائيل، والمتزعمة لعرب التطبيع، الظهر للمسألة العربية وقضاياها العادلة في تحرير الأراضي العربية المحتلة وإقامة الدولة الفلسطينية، وحماية الحقوق الثابتة، وعدم السماح بانتهاكها، فلم تعد إسرائيل هي العدو المهدد لتهويد القدس وإبادة العرب الفلسطينيين بل صارت مصر وسورية التي تخلو من مثل ما عندهم من برلمانات للحرية، ومؤسسات للديمقراطية، ودساتير عصرية، وتقدم كبير في قيم الشعب هي العدو، لأن تصنيف العدو لم يعد الذي سيهدم المسجد الأقصي ويقيم هيكل سليمان بل من لم يترك إسرائيل وأميركا تسودان في التاريخ العربي الحاضر والقادم هذا هو العدو فقط.
لقد تنبأ الفيلسوف العالمي الشهير ''أرنولد توينبي'' بانهيار الإمبراطورية الأمريكية، وأكد أن الأمم القوية تظل في حالة صعود مستمر إلي أن تتحول إلي أمم مستبدة طاغية، ثم تتوقف عن الصعود ويبدأ نجمها بالأفول وذلك بفعل ظهور قوي أخري تعمل علي إسقاطها عن عرش الزعامات، وهذا ما سيحصل للإمبراطورية الأمريكية مما سيجبرها علي الإسراع في التقوقع داخل حدودها ويسرع من انهيارها.
من هنا نري أن المستقبل ينبئ بأن أمريكا وإسرائيل القوتين المتغطرستين تواجهان مستقبلاً 'مشتركاً' واحداً، والظواهر المشهودة اليوم والمتغيرات المتسارعة علي الصعيد العالمي تؤكد هذه الحقيقة.
فقد أثبت التاريخ عبر عصوره المتواليات أن ما يخالف سنن الكون لا ديمومة له، وإسرائيل خالفت قوانين الأرض وشرائع السماء والسنن الكونية في كل ما أقدمت عليه. بل إن وجودها نفسه علي أرض اغتصبتها، وشعب شردته وقتلت ما لا يحصيه عدد من أبنائه، فضلاً عما أحاقت به من مآس وويلات لا حصر لها، سوف يفضي في نهاية المطاف إلي زوالها شأنها شأن غزوات كثيرة عرفها التاريخ علي هذه الديار المقدسة.
فالعد التنازلي لأمريكا وإسرائيل بدأ، وإن غداً لناظريه قريب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.