فى معرض التغلب على النرفزة وعلى كل ما يثير الأعصاب حاولت مرارا أن أبادر فأمتنع عن تناول مشروب معين لا سيما بعد أن عانيت من ارتفاع الضغط وبات يتعين على علاج هذا الطارئ البغيض. ومن ثم قررت أن امتنع عن تناول القهوة وكل ما يرتبط بها من نسكافيه وكابتشينو رغم أننى لا أشعر بالسعادة إلا إذا تناولت كوبا منها. وفى مطلع عام جديد قررت ألا أشاهد بعض البرامج التلفزيونية التى تتلف الأعصاب وقد تتسبب فى مرض عضال. ومع بدايات عام ألفين أخذت عهدًا على نفسى بالامتناع كلية عن النرفزة لا سيما بعدما تبين لى بطريقة لا تقبل الجدل أنها من شر أمراض هذا العصر وأكثرها استفحالا بين عدد كبير من الناس. بعيدا عن القهوة وخلافه قررت أن أتحكم فى نفسى فأخذت عليها عهدا بألا أقع فى مصيدة النرفزة ومتاهتها مهما ساءت الأمور. وبالتالى صرت كلما أحسست بأن كريزة النرفزة قادمة لا محالة وستداهمنى أسارع بتناول حبة من «صبر أيوب» فتزول النرفزة أو هكذا يخيل إلى. ومع بداية العام الجارى قررت أن أبدأ رجيما خاصا، وبمقتضاه وضعت أعصابى فى ثلاجة وأقفلت فمى عن الكلام المباح وغير المباح وذلك إكراما لقاعدة صحتى هى الأهم. ولكن ولأن الإنسان لا يستطيع أن يعيش بعيدًا عن الواقع، ولا يستطيع أن يجرد نفسه من المحيط الذى يحاصره والحافل بالمزعجات التى لا يمكن لذوى الحس المرهف تحملها، فكان عليه أن يثابر ويبذل الجهد ويتعايش معها. ولقد ساهمت عدة أسباب فى استفحال النرفزة بين البشر إذ تشعبت مطالب الحياة فوقف الكثيرون أمام نيلها عاجزين واستفحل هذا المرض حتى صار من الصعب معه التعامل مع الآخرين، فسائق التاكسى متجهم الوجه لثقل الحياة، والعامل مكشر وغير راض بعد أن أصبحت الحياة عبئا ثقيلا وهما كبيرا لذا عمت النرفزة وانتشرت الهستيريا وازدهرت مهنة الطب النفسى فى مختلف بقاع الأرض، ولهذا ومع بداية العام الجارى قررت أن أبدأ رجيما خاصا لا صلة له بالأكل وإنما صلته ترتبط بالاستقرار المعنوى والبعد عن الاستغراق فى الترهات المؤرقة، وأن أستصغر الأمور مهما كانت كبيرة، فالدنيا متخمة بالمصائب والعواقب والمتاعب والمصاعب والشقاء. أضف إلى ذلك ما تشاهده يوميا من مناظر مؤذية ووجوه ثقيلة وأنت مجبر على عدم إظهار الامتعاض عملا بأصول اللياقة والأدب ومراعاة لظروف الآخر والتماس الأعذار للجميع. وهنا على أن أتناسى لبعض الوقت مبدأ صحتى هى الأهم. بدأت ريجيمى الخاص بعدم النرفزة وجاء ذلك متزامنا مع ثلاثة أعياد مباركة كانت على التوالى عيد رأس السنة الميلادية، وعيد الميلاد المجيد، وعيد الأضحى. والأعياد دوما حافلة بالمآدب والحفلات والزيارات المتبادلة وكان على القيام بزيارات كثيرة للأهل والأصدقاء مما أتعبنى وأساء إلى صحتى والمفروض أنها الأهم. تحملت على مضض كل ما صادفنى من مزعجات وانتهت الزيارات والواجبات ولله الحمد. ولكن حدث ذات ليلة وكانت الساعة تقارب العاشرة والنصف مساء. وبينما كنت فى سريرى أطالع مقالا على أمل أن يساعدنى على النوم. وفجأة وعلى حين غرة جاءنى صوت الهاتف الأرضى أمسكت بالسماعة... آلو نعم من معى؟ وجاءنى صوتها عبر الهاتف لم أتعرف عليه لأول وهلة ولكنى تذكرتها. وشرعت تتحدث معى بصوت جهورى يقظ قائلة:( حمدا لله أنك رددت الآن. ألا تتذكرينى؟ تلعثمت عندئذ وقلت لها صوتك مش غريب على. وهنا قالت أنا ابنة عم والدك سآتى إليك الآن لأننى سوف أتوجه غدًا إلى المطار لكى استقل الطائرة إلى السعودية. سأدعو لك بالقطع وأنا فى العمرة. نهضت من فراشى الدافئ لأرتدى ثيابى وأنا ألعن الهاتف والأقارب. اضطررت يومها إلى أن أضرب عرض الحائط بنظرية صحتى هى الأهم، فالواجب يملى على أن أستقبل ابنة عم والدى وأقوم بواجبات الضيافة لها، ومن ثم أسقطت من اعتبارى يومها قاعدة «صحتى هى الأهم».....