قد يكون من قبيل تحصيل الحاصل أن يتحدث المرء عن أهمية الصحة، فهى فى حياة الإنسان المبتدأ والمنتهى.. وهى كنز إذا ما حصل عليه الإنسان عاش حياة سعيدة مورقة الأغصان، ولو لم تكن كذلك لما كانت أول كلمة تبادر بها الآخر هى: كيف الصحة؟ ولهذا ومن أجل المحافظة على هذه الصحة يجب السيطرة قبل كل شيء وأكثر من كل شىء على أمرين اثنين: الطعام.. والأعصاب. وقد يستطيع المرء أن يسيطر على طعامه وشرابه، فيتجنب على مضض الموائد العامرة بالمشهيات والوجبات الفاخرة والدسمة. بل ويسارع فيعمل جاهدا لكى يبطل الشراب والتدخين ويمتنع عن أكل الدهون والمقليات نظرا لشدة أضرارها. لكن هناك شىء واحد قد لا يستطيع السيطرة عليه وترويضه ألا وهى أعصابه، فهى التى تروضه وتسوقه إلى عالمها رغم أن أكثر من طبيب يحذر منها ومن مغبة (النرفزة). بل ويسارع فى محاولة لإفهام مريضه بالقلم العريض بأن نهايته ستكون على يد أعصابه السريعة الغليان. الطب دوما يحذر من النرفزة بل يسارع لتوضيح السبب ألا وهو أن النرفزة تشكل خطرا على الإنسان ويكفى أن نعلم أنها قد تسبب تصلبا فى الشرايين كما أنها تعمل على رفع الضغط مما يقرب الإنسان من النهاية. ومع ذلك ومع ما وهبنا الله من نعم تظل النرفزة المرض العضال الذى لا يستطيع الانسان فى كثير من الأحيان وفى بعض المواقف التى قد يتعرض لها لا يستطيع تحاشيها لا سيما فى عالمنا اليوم بكل ما يزخر به من أحداث تشيب لها الولدان، ووقائع مأساوية نمر بها يوميا كالزحام الذى يولد الانفجار، وسلوك الشارع المنهار الذى ما أن يحتك به الانسان حتى تعتريه النرفزة ، وأسعار السلع التى ترتفع كل يوم وتصيب المرء بالإحباط، فكلها عوامل إثارة تدفع بالإنسان إلى أن يغرق فى بحر النرفزة غصبا عنه. من الغريب أن يكون للصحة هذه الأهمية ومع ذلك نرى الكثيرين لا يأبهون بها ولا يرعونها ولا يعتنون بها العناية اللازمة غير عابئين بما قد يسفر عن ذلك من نتائج وخيمة. كأن نرى الناس تفرط فى تناول الطعام، وتغرق فى بحر الهموم وتعايش النكد والهم والحزن، ويعتريها القلق والغضب. وكلها عوامل تضر بالصحة وتلحق المرض بالجسم السليم. الأغرب من ذلك أن بعض الناس يحافظون على صحتهم محافظة شديدة لكنهم فى المقابل يرهقون أنفسهم جسديا وفكريا، وفى أحيان كثيرة يضحون بقواعد الصحة فى سبيل سهرة ممتعة مع الأصدقاء والأحباب أو فى سبيل وليمة شهية أو سيجار فاخر. ولقد آليت على نفسى ألا أستدرج إلى بئر النرفزة لكونها مرض قاتل ومن ثم قررت الابتعاد عن كل ما يثير أعصابى ويصيبنى بالنرفزة بعدما تبين لى بطريقة لا تقبل الجدل أنها من أكثر أمراض العصر شرا وأكثرها استفحالا بين الناس. وقد أصبح تأثيرها على واضحا، إذ كلما حدث ما يثير أعصابى شعرت بالتوتر وبألم فى صدرى وخفقان فى قلبى وضيق فى التنفس. لذلك صرت كلما شعرت بمشروع نرفزة سارعت بالضحك ولو بدون سبب.. رغم أن الضحك من غير سبب قلة أدب كما كان أساتذتنا يقولون لنا فى المدارس. ووضعت نصب عينى الحكمة الذهبية التى تقول: صحتى هى الأهم. ولا أخفى عن القارئ سرا، فلقد قاسيت كثيرًا من هذا الكبت ومن التمادى فى ضبط النفس لأن الثورة فى وجه من يستثيرك تولد نوعا من الراحة خصوصا عند الأشخاص العصبيين، والانسان فى زمننا هذا يقاسى الكثير لأن الحياة ملأى بالأمور المزعجة، فأينما سرت تجد أمامك ما يثير أعصابك ويدخلك فى دائرة النرفزة والانزعاج وكل ما يثير النقمة ويستدعى الغضب..... وللحديث بقية.