فى شمال مصر تقبع تلك المدينة الصغيرة ذات البحر الفيروزي الذى يبهر الناظر إليه بدرجات من اللون الأزرق يندر وجودها إلا هنا، فى مرسى مطروح. مطروح حيث الذكريات الصيفية النائمة فى خزائن وجداني، خوض مغامرة السفر لساعات طويلة عبر طريق يفتقد الخدمات، فلا ترى على مدى البصر إلا البحر والرمال الجرداء في عصر ما قبل غزو الكتل الأسمنتية المسماة قري سياحية للساحل الشمالي، التلهف على لحظة الوصول، وضع الشنط والاسراع لإلقاء أنفسنا في حضن البحر، وكأننا محرومون منه رغم قدومنا من عروس البحر المتوسط!! وسيلة المواصلات البسيطة ممثلة فى (الكارتة) التي يجرها حمار أو حصان هزيل تشعر بالأسف لحاله، وكثيرا ما تركنا السيارات لنستمتع بركوبها، وذلك قبل اختفائها رويدا رويدا من شوارع المدينة لتفقد مطروح جزء من سحرها الخاص تحت مسمى التطوير!! سوق ليبيا القديم و(كلوب) الكيروسين برائحته المميزة الخافت يضفى علي السوق هالة من السحر. صخرة ليلى مراد بشاطئ الغرام، حمام كليوباترا، كهف روميل، ومنطقة عجيبة البكر بتكويناتها الصخرية والنزول للأسفل عبر مدرجاتها غير المنتظمة المنحوتة بيد الطبيعة، حينما كانت مزارا لالتقاط الصور، وكان نزول المياه محرما لخطورة السباحة فى تلك المنطقة. إنها مطروح، العشق الذى لا ينتهى، وملاذ الأسرة الدائم الذى لا ترضى عنه بديلا، وموعدنا السنوي المقدس الذى تغير للخريف بدلا من الصيف هربا مما جد عليها. لقد تغيرت المدينة بمرور السنين، فأصبحت صاخبة وكأنها تسعى لمنافسة الاسكندرية فى زحامها وضوضائها !! وللأسف تكررت الشكاوى على مدى السنوات السابقة بسبب المغالاة فى أسعار السلع والخدمات، وارتفاع قيمة الايجارات، ورسوم دخول الشواطئ واستئجار الشماسي والكراسي.. الخ ومع كل عيد تظهر مشكلة عدم توفر أماكن للاقامة، واستغاثات المصطافين بعد وصولهم واضطرارهم لقضاء الليل فى الشارع!! فى العيد قبل الماضي تعرضت أسرة صديقة للمشكلة نفسها ولم تستطع إيجاد مكان للمبيت، فمكثت فى السيارة حتى الصباح، ومع خيوط الفجر الأولى تحركت عائدة للاسكندرية، آخذة عهدا ألا تكرر ذلك الفعل المتهور مرة أخرى. وبالرغم من كل التنبيهات بعدم التوجه لمطروح – خلال فترة الأعياد - دون حجز مسبق، إلا أن الكثيرين يستهينون بالأمر، ويسافرون إليها دون اعتبار لصغر المدينة وعدم قدرتها على استيعاب هذه الأعداد من المصطافين فى الوقت ذاته، وتكون النتيجة هى تلك الأزمة التى (يولول) أصحابها عبر صفحات التواصل الاجتماعي بحثا عن مكان شاغر!! وما يصاحب ذلك من قلق وتوتر خيبة أمل كان يمكن تجنبها بقليل من التعقل، والتفكير المنطقي، والاستجابة للتحذيرات، والاهتمام بالحجز المسبق. يحدث كل هذا رغم اعتماد مطروح على السياحة الداخلية فقط، بالإضافة لما تعانيه من عشوائية التخطيط، وفقر الخدمات، فماذا لو تبوأت المكانة التي تستحقها بوضعها على خريطة السياحة العالمية ؟!!