بعد صدور حكم المحكمة الدستورية العليا في مايو الماضي بشأن عدم دستورية قانون الانتخابات بدأ جدل عميق حول ماهية القانون الأمثل الذي يجب أن يحقق الحد الأدني من العدالة والديمقراطية التي تنشدها القوي السياسية بعد ثورة عظيمة في حجم وقامة ثورة 25 يناير. وبعد الانتهاء من التصويت علي الدستور الجديد بدأت تلوح في الأفق معالم قانون الانتخابات الجديد الذي أثار جدلا كبيرًا بين أوساط المهتمين بالعمل السياسي في البلاد نظرًا لعدم تحقيقه القدر المطلوب من العدالة السياسية في البلاد خاصة أنه يقع في الأخطاء ذاتها التي وقع فيها قانون الانتخابات الذي تم الحكم بعدم دستوريته من قبل، وكأننا نصر علي السير في الطريق العقيمة نفسها التي لم تسفر إلا عن مزيد من الانقسامات التي تركت أثارًا ما زلنا نعانيها حتي اليوم. فقهاء دستوريون وقانونيون يؤكدون أنه لا يجب إصدار تشريع قانوني أو حتي دستوري بالمخالفة لمبدأ قضائي تم صدوره قبل صدور التشريع، وهنا يجب أن يكون قانون الانتخابات الجديد متسقا مع الحكم الذي أصدرته المحكمة الدستورية العليا في مايو الماضي بشأن قانون الانتخابات الذي تم الحكم بعدم دستوريته. وفور انعقاد مجلس الشوري بدأت تظهر ملامح القوانين التي ستتم مناقشتها علي عجل في المجلس وهو قانون الانتخابات الجديد تمهيدًا لانتخابات مجلس النواب المقبل. وأشار وزير العدل الذي قدم مشروع القانون إلي أن القانون الجديد سيجمع بين نظامي القائمة والفردي. المستشار حسني الأنصاري الرئيس بمحكمة الاستئناف يصف الحالة التشريعية الحالية فيشير إلي أن انتخابات مجلس الشعب السابقة تمت وفق الإعلان الدستوري الذي نص علي أن 'تجري الانتخابات بأي من الطرق التي يحددها القانون'.. ثم صدر قانون الانتخابات بالقائمة والفردي بنسبة الثلثين للقائمة والثلث للفردي. ويضيف: المحكمة الدستورية قضت - بالرغم من التفويض الصادر بالإعلان الدستوري - بالتفويض للمشرع في طريقة الانتخابات وقضت بعدم الدستورية لمخالفة ذلك مبدأ المساواة بين المرشحين وهو أعلي المبادئ الدستورية. وصدر الدستور الجديد ولم يأت بجديد سوي انه عدِّد طرق الانتخابات وأباح إجراء الانتخابات بأي من القوائم المطلقة أو المختلطة أو بالنظام الفردي. فلو صدر قانون الانتخابات بأي من هذه الطرق وخالف مبدأ المساواة الدستوري فإن هذا القانون يكون مشوبا بعدم الدستورية. وتابع الأنصاري: من الواضح من المناقشات التي تمت بشأن قانون الانتخابات الجديد انه سوف يجري بطريقة القائمة والفردي وقد نص القانون علي جواز ان يتضمن القائمة من هو خارج عن الحزب وتبقي مع ذلك مغلقة وهذا النص مشوب بعدم الدستورية لإخلاله بمبدأ المساواة بين المرشح علي القائمة والمرشح المستقل للعيب ذاته الذي صدر به الحكم بعدم دستورية انتخابات مجلس الشعب السابق. وأوضح: أنه فضلا عن ذلك فإن القانون الجديد أضاف أمرًا آخر وهو المساس بالحقوق الشخصية التي صانتها كل الدساتير السابقة.. إذ إنه يجعل قضية المرشح في الانتخابات للترشيح لمجلس النواب قضية مشوبة بعيب المساس بعدم المساواة مما يترتب عليه إجباره علي الدخول في قائمة حزبية حتي وإن كانت مختلفة معه فكريًا وأيديولوجيًا لينال حقه في المساواة مع غيره. وفي ذلك الإجبار مساس بحرية المرشح الشخصية مما يعد مساسًا بمبدأ دستوري آخر، مما يجعل قانون الانتخابات مشوبًا بعيب عدم الدستورية، وسوف يكون ذلك الأمر محل نظر المحكمة الدستورية عند قيامها بعملها في الرقابة السابقة علي دستورية قانون الانتخابات. أما أستاذ القانون الدستوري بجامعة عين شمس الدكتور عاطف سالم فيشير إلي أن فكرة القوائم التي تم اعتمادها في القانون المطروح حاليًا أمام مجلس الشوري هي فكرة ثبت فشلها في مصر خاصة انه تمت تجربتها في مصر بكل أشكالها وبكل الطرق. وأضاف: القوائم بحاجة إلي مرحلة معينة من النضج السياسي والممارسات الديمقراطية والوعي الانتخابي عند الناخب والمرشح، لأنه في القوائم أحيانا تحصل قائمة بعينها علي أغلبية كبيرة بسبب شخص معين ومع ذلك يتم استبعاد هذا الشخص حال تطبيق قواعد الفرز المنصوص عليها. ويكشف سالم عن أن غالبية القضاة والمرشحين والناخبين لم ولن يفهموا قواعد الفرز بسهولة لأنها من التعقيد بحيث يصبح استيعابها، لأن المفروض أن يتم الفرز علي 6 مراحل وهذه المراحل يمكننا ان نختصرها كالتالي: أولا يجب ان نحصر عدد الأصوات التي حصلت عليها كل قائمة في كل دائرة وبعد ذلك يتم تجميع أصوات القائمة علي مستوي الجمهورية وبعد ذلك يتم حساب المعامل الانتخابي لكل دائرة، وبعد ذلك تأتي خطوة استبعاد الأحزاب التي لم تحصل علي الحد الأدني من الأصوات المطلوبة لدخول الانتخابات، وبعد ذلك يتم إعطاء كل حزب حصل علي المعامل الانتخابي المقاعد التي حصل عليها وبعد هذه الخطوة تأتي مشكلة الفئات والعمال والفلاحين - وهي موجودة في نص انتقالي لمجلس النواب الحالي فقط - وهنا سيتم استبعاد مرشحين للفئات لصالح مرشحين من العمال والفلاحين، والمشكلة الأخري التي ستواجه القائمين علي العملية الانتخابية هي مشكلة المرأة التي يجب ان تكون في مقدمة القائمة. ويشدد علي أن مصر ليست لديها 'ثقافة' القوائم، فالناس تذهب لانتخاب فلان من أجل هذا الفلان باسمه شخصيًا ونظام القوائم سيتسبب في تنحية الكفاءات وكل هذا سينعكس علي المجلس الذي سيفقد الكفاءات المهنية والسياسية والعلمية. ويلمح سالم إلي أن نظام القائمة سيكرس ما يمكن وصفه بالفساد السياسي داخل الأحزاب لأن المرشد مثلا هو الذي سيقوم باختيار قائمة الحرية والعدالة وكذلك رؤساء الأحزاب الأخري فهم من سيقومون باختيار مرشحي قوائمهم وهو ما سيؤدي إلي زيادة الرشاوي الانتخابية. وأشار إلي أن فكرة القائمة تم الأخذ بها في ألمانيا بعد اتحاد الألمانتين كحل لضغط العدد وهو نظام أثبت فشله فيما بعد وتم إلغاؤه، وأما موضوع الموقع المميز للمرأة علي القائمة فهو فكرة أمريكية وهي ما يطلق عليه في أمريكا 'التمييز التفضيلي' وهي فكرة تم اعتمادها لدعم السود في وقت من الأوقات وهو ما يعد غير ملائم للمرأة وهو أمر يضر بها لأن تمييز النساء هنا سيؤدي إلي كره المجتمع للنساء. كما ان هناك فئات بعينها لن تنتخب القائمة بسبب المرأة التي سيتم فرضها علي الناخبين وتلك الفئات ستتركز أكثر في مناطق الصعيد وفي الريف المصري. وأوضح سالم ان السبب الرئيس لعدم دستورية قانون الانتخابات السابق هو ان دائرة القائمة الحزبية كبيرة وهي قادرة علي الصرف ودائرة الفردي كبيرة إلا أنه هنا غير قادر علي الصرف فضلا عن ان متطلبات الدائرة التي تتضمن مناطقها ريفا وحضرا خاصة إذا كانت مساحتها الجغرافية كبيرة فيما يطلق عليه 'التقسيم التفضيلي المغرض للدوائر الانتخابية' وهو يعني تفتيت دوائر بعينها كما حدث في دائرة حلوان ويتم تطبيقها الآن في بعض الدوائر التي تتسم بأغلبية من الأقباط. كما ان القانون الحالي يعاني مشكلة أخري مهمة وهي مشكلة 'الوزن النسبي' وهو الأمر الذي يعني عدم تقسيم الدوائر بحسب عددها الحقيقي فتجد هناك دوائر معينة لا تملك كثافة سكانية كبيرة مثل دوائر محافظتي سيناء، عدد المقاعد المخصصة لها أكبر من دوائر أخري تعاني عدد أصوات ضخما مثل دوائر في المنصورة والوجه البحري وهو ما يعد إخلالا بمبدأ المساواة بين الناخبين والمرشحين في تلك الدوائر.