لا هو قائمة, ولا هو فردي, وإنما هو خليط غريب بين القائمة والفردي( الثلثان والثلث), وهو يذكرني بقانون انتخابات القوائم المعيب الذي كان سائدا في الثمانينيات حتي تم إبطاله, وأسقطته المحكمة الدستورية لأنه يقوم علي عدم تكافؤ بين القائمة والفردي( قائمة كاملة+ مقعد فردي واحد بكل دائرة), وبعد أن أسقطته المحكمة الدستورية عاد النظام الفردي, الأكثر قبولا لدي الشارع المصري, ويتناسب مع طبيعة وخصائص المجتمع المصري. وظل هذا الأمر قائما حتي صدر هذا القانون الغريب بعد ثورة52 يناير بضغوط من بعض القوي الحزبية, كما اتضح فيما بعد, وقد حكمت المحكمة الدستورية بعدم دستوريته أيضا, نتيجة عدم التكافؤ في الفرص بين القوائم والفردي. النظم الانتخابية في العالم متعددة, وأغلبها هو النظام الفردي, حيث يتم تطبيقه في أعرق الديمقراطيات مثل انجلترا وأمريكا, لكنه وهذا الأهم الأكثر ملاءمة لطبيعة المجتمع المصري وظروفه الاجتماعية والثقافية والتعليمية, ومن غير الطبيعي أن نفرض نظاما انتخابيا لا يلائم طبيعة الشعب المصري. الغريب والعجيب هو الإصرار علي ذلك النظام الانتخابي المشوه, بل وتحصينه دستوريا, والنص في الدستور علي إجراء الانتخابات التشريعية التالية لتاريخ العمل بالدستور بواقع ثلثي المقاعد لنظام القائمة, والثلث للنظام الفردي, ويحق للأحزاب والمستقلين الترشح في كل منهما, بمعني أن الدستور أقر مزاحمة الأحزاب للمستقلين في الثلث الفردي مقابل أحقية المستقلين في الترشح علي القوائم, والأخير كلام نظري جميل, لكنه مستحيل التطبيق, فالمستقل يريد أن ينزل فرديا, ولو أراد القوائم لانضم إلي القوائم الحزبية, كما أن المستقل سوف يجد صعوبة شديدة في إعداد قائمة للمستقلين, وإذا استطاع, كيف له أن يتخطي حاجز النجاح علي مستوي الجمهورية المقرر للقوائم؟! هذه الصعوبات تجعل من المستحيل عمليا نجاح المستقلين في القوائم, وكذا صعوبة نجاحهم في الدوائر الفردية لاتساع تلك الدوائر, حيث تضم الدائرة الواحدة أكثر من3 دوائر فردية في النظام الفردي, فكيف لفرد أن يجوب تلك الدائرة الشاسعة الممتدة الأطراف؟.. ومن أين له بالصرف في تلك الدائرة علي الدعاية الانتخابية؟! لذلك فإن الثلث الفردي سوف يكون محجوزا للإخوان والسلفيين للانتشار التنظيمي لهما, وليس لقوتهما أو القبول الجماهيري لهما. لقد خرجت تصريحات من حزب الحرية والعدالة تؤكد انحياز الحزب للفردي قبيل إعداد الدستور, بل إن قيادات الحزب اتهمت حزب الوفد بأنه كان وراء فكرة( الثلثان والثلث), إلا أن الجميع فوجئ بالدفع بتلك المادة في المواد الانتقالية لتصبح محصنة دستوريا, ويتم فرض طريقة انتخاب معيبة دستوريا, ومرفوضة جماهيريا علي المواطنين. إذا كانت الأحزاب تفضل القوائم, فقد كان من الأفضل أن تكون الانتخابات كلها بالقوائم, مع تصغير دائرة القوائم بحيث لا تزيد القائمة الواحدة علي أربعة مرشحين, وهذه الطريقة تتضمن ميزتين في وقت واحد, وهي تقوية الأحزاب, لكنها في الوقت نفسه, تتضمن ارتباط الناخبين بالنواب المرشحين ومعرفتهم بهم, نتيجة ضيق مساحة الدائرة, حيث ستكون دائرة القائمة في تلك الحالة عبارة عن دائرتين فردي من الدوائر القديمة. النظام الحالي للانتخابات سوف يدفع بالكثير من الراغبين في الترشح إلي الإعراض والابتعاد, لأنهم لا يريدون الانضمام إلي أحزاب, وفي الوقت نفسه, لا يستطيعون خوض الانتخابات كمستقلين في دائرة شاسعة غير محددة الأبعاد تمتد عشرات الكيلومترات, وتحتاج إلي إنفاق مالي باهظ لا يقدر عليه إلا المليونيرات.. فمن أين للشرفاء بهذه المبالغ؟! قانون الانتخابات يحتاج إلي معالجة سريعة لإصلاح ما يمكن إصلاحه, والبداية تكمن في تصغير دوائر الفردي والقوائم, وتعديل تعريف العامل في القانون بما يتماشي مع التعديلات الدستورية, ليصبح كل من يتقاضي أجر عامل, وفي تلك الحالة يمكن تصغير دوائر القوائم لتتراوح من3:4 أشخاص, مع مرشح فردي أو اثنين, حسب ظروف الدوائر الجديدة.. المهم أن يتم تصغير الدوائر بحيث لا تزيد علي دائرتين من الدوائر القديمة, ومراعاة التوزيع في الأعداد بين القوائم والفردي, وبهذا نضمن نظاما انتخابيا أقل عوارا وأكثر قبولا بين الناخبين. المزيد من مقالات عبدالمحسن سلامة