- اللهم لا شماتة ، بل عبرة و تذكيرا . اللهم لا انتقاما بل قصاصا و تطهيرا . هناك من يفهم من خلال التجرية و الألم و هناك من يفهم من خلال التفكير و التأمل. و هناك من لا يدرك ما يحدث له بعد رغم التجربة و الألم . فلا التفكير يجعله يتعظ و لا التأمل فى التجربة يثنيه عن الهوي. و هذى هى نهاية الاثرة الجشعة و التغول . و تذكروا -فان الذكرى تنفع المؤمنين- ان فى مصر قضاء و علماء فى القانون يعرفون ما تجهلون و ما تعرب عنه تصريحآتكم من أخطاء دستورية فادحة لو قرأتها فى ورقة إجابة طالب حقوق فى امتحان السنة الاولى لما استحق حتى الدرجة الدنيا للنجاح فى القانون الدستورى. هذى هى الدروس التى يمكن ان نستخلصها من حكم المحكمة الدستورية الصادر 14 يونيو الجارى بحل مجلس الشعب.
1. ليس صحيحا ان نخلط بجهل بين االاختصاص بصحة عضوية نواب مجلس الشعب و هو منوط بمحكمة النقض وفقا للإعلان الدستورى الصادر فى مارس 2011 ، و بين القضاء بعدم دستورية قانون الانتخاب فيما ينطوى عليه من طرائق توزيع المقاعد بين النظام الفردى و نظام القائمة. فالاختصاص الاول يتعلق بشروط صحة العضوية الخاصة بكل نائب و مدى تواجد موانع قانونية خاصة به تحول سلفا او تبطل لاحقا عضوية النائب بالنظر لمركزه القانوني الشخصى او لما ارتكبه. و هذا الاختصاص مسند لمحكمة النقض. اما دستورية النظام الانتخابى ذاته و تنظيمه بالقائمة المغلقة او بالنظام الفردى وفقا للمبادئ الدستورية العامة لاسيما المساواة فى الحقوق و تكافؤ الفرص بين المرشحين فهو اختصاص خالص للقضاء الدستورى . و الخلط بين الاختصاصيين يرجع الى عدم تخصص و علو النائب الذى أبدى هذه التصريحات و هو ما ناسف له اشد الأسف . 2. ان الإصرار الأعمى على الإبقاء على مجلس مدان دستوريا و تكوينه معيب قانونا فى تصريحات المرشح محمد مرسي هو امر يتعارض مع حكم المحكمة الدستورية روحا و نصا ، ذلك ان المحكمة فسرت نص المادة 38 من الإعلان الدستور الصادر فى 30 مارس المعدل بإعلان دستورى آخر فى 25 سبتمبر والذى ينص على أن ينظم القانون حق الترشح لمجلسى الشعب والشورى وفقا لنظام انتخابى يجمع بين القوائم الحزبية والنظام الفردى بنسبة الثلثين للأول والثلث الباقى للفردى على ان يكون ذلك فى ضوء المبادئء الدستورية العامة المقررة وهى المساواة وتكافؤ الفرص . وتبعا فمن المنطقى ان يعتبر ألقاضى الدستورى ان حصر التقدم للترشح بنسبة الثلثين المخصصة لانتخابات نظام القوائم الحزبية المنتمين للأحزاب ينبغى ان يقابله قصر الحق بالتقدم للترشح بنسبة الثلث الباقى المحدد لنظام الفردى على المستقلين غير المنتمين للأحزاب. و لعل هكذا أدانت المحكمة ليس فقط نصا قانونيا معيبا و انما موقفا سياسيا كريها يتمثل فى الاستحواذ و الأثرة الجشعة و التغول على حقوق الاخرين بلا ارتواء و لا قناعة و لا كفاية. 3. أن العوار الدستورى الذى أصاب النصوص المطعون لا يقتصر كما قرر بعض ممثلى الاغلبية على ثلث اعضاء المجلس فقط فهذا خطا حسيم و فاحش فى فهم الحكم و من المؤسف ان فقهاءهم تغافلوه. ان العوار الدستورى يمتد للنظام الانتخابى الذى سنه المشرع بأكمله سواء فى نسبة الثلثين المخصصة لنظام القوائم الحزبية المغلقة أو نسبة الثلث المخصص للنظام الفردى، حيث أوضح الحكم فى أسبابه أن تقرير مزاحمة المرشحين عن الأحزاب من المستقلين فى النظام الفردى كان له أثره وانعكاسه الأكيد والمتبادل مع نسبة الثلثين المخصصة للقوائم إذ لولا مزاحمة المرشحين عن الأحزاب للمستقلين فى الثلث الباقى لحدث إعادة ترتيب داخل القوائم بمراعاة الأولويات المقررة داخل كل حزب. 4. و لقد بلغت الحكمة و الوضوح بالمحكمة الدستورية الى درجة ان تدرأ الزرائع. و ترد على مقولة رئيس مجلس الشعب فى مؤتمره الصحفى و مفادها انها لا تستطيع حل المجلس. وهو جهل بمبدا حجية الاحكام القضائية و اثرها التنفيذى و هو ما سبق ان اكدنا ه مرارا فى مقالا ت سابقة لتصحيح مفاهيم خاطئة تكررها بعض النخبة السياسية ومعها بعض القانونيين عن جهل او غرض. فقد أجريت الانتخابات البرلمانية بناء على نصوص ثبت عدم دستوريتها ومؤدى ذلك ولزومه على ما جرى به قضاء المحكمة الدستورية أن تكوين المجلس يكون باطلا منذ قيامه بما يترتب عليه زوال وجوده بقوة القانون اعتبارا من التاريخ الذى صدر به الحكم دون حاجة إلى اتخاذ أى إجراء آخر كأثر للحكم بعدم دستورية النصوص المذكورة فى المنطوق ونفاذا لمقتضى الإلزام والحجية المطلقة للأحكام الصادرة فى الدعاوى الدستورية لمواجهة الكافة وبالنسبة إلى الدولة بسلطتها المختلفة طبقا لصريح المادة 49 من قانون المحكمة الدستورية، إلا أن ذلك لا يؤدى البتة إلى إسقاط ما أقره المجلس من قوانين، وما اتخذه من إجراءات خلال الفترة السابقة بل تظل القوانين والإجراءات قائمة على أصلها من الصحة، ومن ثم تبقى صحيحة ونافذة. 5. انه درس ضد الإصرار على الخطا و الكبر . انه درس للتعنت و الصلف . انها صفعة للإثرة الجشعة و الاستحواذ لفريق واحد و عدم قبول مبدا المشاركة و المساواة . صفعة للجشع و التحزب الذى لا يرضى فيرضى . و كان حماة الدستور يقولوا لنواب التشريع الفاسد : و لا تعلوا على و أتوني مسلمين. وحقا صدقت الحكمة الآلهية فى حق من نسوها و هم فى نشوى السلطان - سلطان الظلام : " واذا اردنا ان نهلك قرية فأمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمر ناها تدميرا" لقد دفع الشعب المصرى ثمن هذا الجشع و الجهل . و دفعت مصر من وقتها و دمها و لم تتلق المقابل. لقد حان الوقت ان تأخذ مصر الطريق الصحيح و تنحى جانبا الباحث عن السلطة و من يحضون على البر و التقوى و ينسون انفسهم. ------ د. وجدى ثابت غبريال استاذ القانون الدستورى و الحريات العامة كلية الحقوق- جامعة لاروشل الفرنسية