سكك حديد مصر خراب وإهمال وموت للأبرياء وإهدار المال العام وعلامات استفهام حول سمعة اكبر الانجازات المصرية وارتباطها بحياة المصريين خلال عقود مضت . تعتبر السكك الحديدية بمصر الأولي في إفريقيا والشرق الأوسط والثانية في العالم ،حيث بدأ إنشاؤها في 1851 بعد تأسيس السكك الحديد البريطانية بفترة وجيزة ، وظل يضرب بها المثل في الأداء والانضباط ودقة المواعيد والاحتفاظ بعراقتها وجودتها وأهميتها في حياة الدولة المصرية ودب الحياة والعمل بها لعقود طويلة مضت ، وكانت الأكثر أمانًا بين وسائل النقل جميعًا ،وللأسف فقد أصبحت منذ تسعينات القرن الماضي وحتى اليوم تعاني من خلل في منظومة الصيانة و تداعيات إهمال أصابها على مدى عقود، ولم تلقي القرار السياسي الحاسم لمواجهة المشكلة من جذورها، حتى تلاشي انضباطها وثقة الركاب بها وتبدد جمالها وسلامة وروعة مزلاقاناتها ومحطاتها ويافطاتها وورشها، فالنظافة مفقودة والصيانة غائبة والزحام كثيف والأمان غائب والموت متوقع بعد أمانها وروعة وتخطيط مدها وإنشائها على غرار سكك حديد بريطانيا، مما أدي إلي ارتفاع معدل الحوادث الكارثية عليها لتصبح الأعلى نسبة بين دول العالم، بعد أن راح ضحية الإهمال بها الكثير من الأبرياء ناهيك عن الخسائر المالية والإساءة إلي تاريخها وسمعتها بين الدول،وبرغم ما توفره هيئة السكك الحديد من خدمات وامتيازات للعاملين بها علي كافة الأصعدة وبما يكلف الهيئة الكثير من الأعباء فان المردود هو ما وصل إليه حال السكة الحديد الآن . ومع أن الحديث لم يتوقف طوال السنوات السابقة من خلال تغيير المسئولين وخططهم ووعودهم بالإصلاح والتطوير بعد كل كارثة وما نسمعه ونمني النفس به من خطط التطوير للقطارات والمحطات والمزلقانات والإشارات الالكترونية وتأخر مواعيد قيام القطارات وقلة عددها وتجاوز كل السلوكيات السلبية التي نراها على طول السكة من نفايات ومخلفات لأطنان حديدية مهملة ،وما نراه داخل القطارات من باعة جائلين و نظافة مفقودة وروائح كريهة تطارد الجميع ، وأعمال البلطجة وغيرها من الظواهر السلبية التي حان الوقت لمنعها والوقوف في وجه مرتكبيها ، ليصبح الجميع مسئولون وركابا وعاملين وقيادات مسئولون أمام الله والوطن عن تلك الكارثة ، ولن تكون إقالة الوزير أو رئيس هيئة السكك الحديد وغيره هوا لحل لكل تلك الأزمات التي يعاني منها القطاع بعد سلسلة من الحوادث المتكررة واستمرار هذا المسلسل المأساوي دون رادع للمسئولين ؟ فقد تزايدت في الآونة الأخيرة حوادث القطارات في مصر وباتت تحصد أرواح المئات من المواطنين لخطأ ما في السكك، أو لجهل سائق أو لغيره من الحجج والأسباب، وأصبح الأمر معتادًا على أسماعنا ولم تعد تفزعنا تلك الأخبار، ومن أجل علاج تلك المشكلة واستعادة الأمجاد وعودة سكك حديد تليق بالمصريين فلا مناص أمامنا غير الصدق والمكاشفة والعزم علي علاج تلك الظاهرة من جذورها والابتعاد عن المسكنات والحلول الفردية المؤقتة التي يصدرها المسئولون عند كل حادثة من أجل السير في طريق الحل ليتعاون المواطن والمسئول معًا. فالسكك الحديدية تنقل نحو مليون وربع المليون راكب يوميًا معظمهم من فئات المجتمع المهمشة والمتوسطة بخلاف البضائع والمواد الخام والبريد والصحف وغيرها من المصالح والخدمات علي طول الشبكة وأهميتها في جذب المستثمرين ومجالات الاتصالات والتطور ،ولذلك فان أوضاعها وتأخر الحلول الجوهرية لها يثير عدداً من التساؤلات وعلامات الاستفهام لدي المواطنين أبرزها أين خطة تطوير مرفق السكة الحديد ؟ و لماذا لا يتم طرحها بشكل شفاف وواضح حتى يتم دعمها اقتصاديا ومجتمعيًا؟ فبرغم الوعود والعهود والأرقام المالية الكبيرة التي نسمع عنها من اجل التطوير فان كل ذلك ومذ سنوات لم ينعكس بعد إيجابيا على واقع شبكة السكك الحديد بل أهدر الكثير من الأرواح والأموال دون إصلاح جذري، فلماذا لم نلحظ مواقف حاسمة تجاه الإهمال بمرفق السكة الحديد ومترو الأنفاق رغم حيويتهما وعلاقتهما بالحياة اليومية للمواطنين، فالحوادث الأخيرة المتكررة تثير الكثير من التساؤلات حول متى ينتهي مسلسل الإهمال، ومتى سيكون هناك إجراءات رادعة وتفعيل القوانين والتشريعات حيال ما تشهده خطوط الهيئة من تجاوزات وتقصير من جانب العاملين والمسئولين ،ومن يتحمل مسؤولية تكرار حوادث القطارات الأمر الذي يطرح السؤال عن الجهة المسئولة عن عدم وضع حد لها أو الجهة المتسببة في تهميشها وخرابها، ولماذا لا تتدخل القيادة السياسية الواعية في حل ومواجهة تلك المشكلة القومية وإعطائها الأهمية والأولوية التي تستحقها على غرار المشاريع العملاقة التي تحققت ، فالذين حفروا قناة السويس الجديدة ومدو الأنفاق من تحتها والذين أنشئو الطرق المبهرة بمصر وأقاموا العاصمة الإدارية الجديدة وغيرها من المشاريع العملاقة قادرين بقرار رئاسي مشابه على إعادة وإحياء وتطوير السكة الحديد وجعلها مشروعا قوميا بما يتناسب مع سمعة وكرامة وإرادة المصريين ،وذلك من خلال خطة علمية شاملة وتخطيط استراتيجي ورؤية واضحة من جانب وزارة النقل والمواصلات والعمل على تحقيقها في فترة زمنية محددة،ولا ضير من اللجوء إلى الخبرات الأجنبية المتخصصة في هذا المجال، ولا ضير من إشراك القطاع الخاص بنسبة أرباح في إدارة وتشغيل القطاع وليس خصخصة الشركة القومية لتخفيف الأعباء علي الحكومة من جهة ومن جهة أخري زيادة جودة الخدمة وسرعة تطوير السكة الحديد . إن ما حدث للسكة حديد لا يليق بسمعة مصر والمصريين، وسوف يظل نقطة سوداء ودليل إدانة يلاحق المسئولين الذين تسببوا في تدمير وخراب هذا القطاع. فالسكة الحديد التي كانت ملء السمع والبصر تبدلت من حال إلى حال وأصبحت في حالة يرثي لها ولا تليق بدولة الأهرامات وقناة السويس ،الأمر الذي يستوجب من القيادة العليا إعطائها الأولوية وإصدار قرار فوري لجعلها مشروع مصر القومي الأول وتقديمه على كافة المشروعات .