يبدأ كبار المحامين دفاعهم في القضايا الجنائية بمحاولة تغيير الصورة الذهنية التي ترسخت لدى القاضي حول المتهم من واقع محاضر الضبط والتحريات وتحقيقات النيابة العامة، وتسعى هيئات الدفاع إلى خلق حالة ذهنية وجدانية في عقل القاضي تقترب به من مرحلة التشكيك في الأدلة الجنائية المطروحة أمامه في أوراق الدعوى؛ فالمحامي يعلم أن القضاء الجنائي قضاء عقيدة ، " ويحكم القاضى فى الدعوى حسب العقيدة التى تكونت لديه بكامل حريته" ، وله أن يأخذ بالأدلة التى يراها مناسبة للكشف عن الحقيقة ويتحرى بنفسه صدق الأدلة، وله الحق فى أن يستمد اقتناعه وعقيدته من أي مصدر يطمئن إليه طبقًا لنظرية الإثبات الجنائي، ودون إهدار لأي دليل يتوافق مع العقل والمنطق. ويستعين بعض المحامين وكبار رجال الأعمال في قضايا الرأي العام بشبكات العلاقات العامة للقيام بعملية "غسيل سمعة" للمتهم ورسم صورة ذهنية مغايرة لما ورد في وقائع القضية من أدلة وقرائن، وذلك في محاولات فاشلة للتأثير على القضاء والسعي عبثًا لتغيير عقيدة هيئة المحكمة. وتبدأ الحملات الإعلامية بالحديث عن رجل الخير والبر والتقوى والشرف والوطنية والنزاهة، ثم تنتقل إلى التشكيك في وقائع الضبط والتحري، والطعن في نزاهة سلطات الادعاء والتحقيق، وتتصاعد الحملات وتستمر إلى أن يصبح القاضي العادل متهمًا أمام الرأي العام ، حال الحكم بمعاقبة الجاني الفاسد أو الإرهابي القاتل.. وهذا ما تفعله شبكات العلاقات العامة الغربية التي تعاقدت معها جماعة "الإخوان" الإرهابية. مساء الإثنين التاسع من يوليو 2018م ، أعلنت "الرقابة الإدارية" عن ضبط رئيس مصلحة الجمارك جمال عبد العظيم وآخرين، متهمين بالرشوة، وبعد دقائق انطلقت حملة إعلامية ممنهجة لتحسين صورة المتهم والتشكيك في مؤسسات الدولة وما تم من إجراءات وتحريات وتسجيلات ، وبدأ توزيع الأدوار سريعًا بين القائمين على إدارة الحملة فحققت خلال ستة أيام انتشارًا كبيرًا!! بعد دقائق من ضبط رئيس مصلحة الجمارك، كتبت السيدة (ع.ع.ع) الموظفة بالمصلحة في حسابها على "الفيس بوك" منشورًا مُطوَّلًا يتحدث عن نزاهة المتهم ونظافة يده، وتقمصت السيدة المقربة من رئيس المصلحة المتهم شخصية المحامية وحاولت تفنيد وقائع الإتهام الواردة في بيان الرقابة الإدارية، وزعمت – دون معرفة بما تحتويه ملفات القضية- أن الوقائع ملفقة ، ثم انتقلت إلى الأهداف الأهم وأطلقت سهامها المسمومة صوب مؤسسات الدولة - وفي مقدمتها الرقابة الإدارية- وزعمت أنها: أصبحت لا تثق في أحد "ولا فى المنظومة كلها" .. وقالت: "أنا آسفة على كل مرة كتبت فيها مصر بتنضف لأن من الآخر .. مصر عمرها ماهتنضف وفى ناس عاوزينها تفضل كده" .. وأضافت: ".. أحبطتونا وأحبطتوا كل شريف وضلمتوا الدنيا فى وش الشباب اللى اتوسم خير بتعيين دكتور جمال وكان عنده أمل ." وجاء دور اللجان الإلكترونية الإخوانية وغير الإخوانية في ترويج المنشور على نطاق واسع بإعلانات ممولة عبر صفحات وحسابات كبرى، وقام بعض المسئولين عن تلك الصفحات بالترويج مدفوع الأجر في مجموعات "واتساب" وقنوات "تليجرام"!! ومن موظفة إلى أخرى في الدائرة المقربة من رئيس مصلحة الجمارك المتهم، أطلقت السيدة (و.ص) المدير العام بالمصلحة، حملة إلكترونية تطالب السيد رئيس الجمهورية بالتدخل لصالح المتهمين .. يعني التدخل في عمل هيئة الرقابة الإدارية وتحقيقات نيابة أمن الدولة العليا!!!! في اليوم التالي العاشر من يوليو، انتقلت الحملة من مواقع التواصل الإجتماعي إلى برنامج تلفزيوني ثم موقع إلكتروني معروف.. البرنامج التلفزيوني الذي يقدمه إعلامي كبير في قناة لها اسمها ووزنها، خرج عن كل القواعد وفتح أبواب برنامجه أمام السيدة (ع.ع.ع) لتتحدث في مداخلة هاتفية تستهدف التشكيك في التحريات والتحقيقات وإجراءات ضبط المتهمين ، ونقل الإعلامي الكبير نصًا وبالحرف الواحد- بدعوى حق المعرفة- شائعات السيدة (ع.ع.ع) وسمح لها بإلقاء مرافعة تحمل كل معاني الطعن والتشكيك في جميع الإجراءات التي تمت لضبط المتهمين مع تغليف الإتهامات بكلمتين وبس عن احترامها واحترام الإعلامي المُخضرم لرجال الرقابة الإدارية ؟!! أما عن الموقع الإلكتروني المعروف فقد نشر تقريرًا إعلانيًا يتضمن رأي جيران رئيس مصلحة الجمارك في شخصيته (المتدينة) وتربيته (العالية) وأخلاقه (الراقية) وعائلته (العريقة) .. يعني يا حرام ضباط الرقابة الإدارية ظلموا الرجل الطيب المسكين .. وكان ينقص الموقع الإلكتروني أن يطالب بالإفراج الفوري عن المتهمين وإلغاء جميع الإجراءات التي تمت ضد رئيس مصلحة الجمارك والإعتذار له .. وكمان محاكمة ضباط الرقابة الإدارية!! نفذت اللجان الإلكترونية وشبكة العلاقات العامة،خلال 72 ساعة، أضخم حملة ترويج لمنشور السيدة (ع.ع.ع) ومعه تقرير الموقع الإلكتروني وفيديو البرنامج التلفزيوني ، وزاد عدد الصفحات والحسابات التي أعادت توزيع منشور التشكيك في "الرقابة الإدارية" عن ثمانية وعشرين ألفًا على "الفيس بوك"، ومن كل مشاركة تفرعت مئات المشاركات، المذيلة بعشرات الآلاف من التعليقات والآلاف من رسائل التشكيك في الأجهزة الأمنية التي قامت بالتحري عن رئيس مصلحة الجمارك قبل تعيينه!!! وفي صباح السبت الرابع عشر من يوليو، تم إغراق مئات الصفحات والحسابات بمنشور موحد يعلن أصحابه فيه أن النيابة العامة انتهت إلى براءة رئيس مصلحة الجمارك من الاتهامات المنسوبة إليه وأنه خرج من سراي النيابة بلا أي ضمانات إلى منزله مباشرة بعد الإعتذار له!!! يا ترى .. يا هل ترى من الذي اعتذر للمتهم؟!!..هل النيابة العامة أم ضباط الرقابة الإدارية؟!!.. أم الإثنين معًا؟!! … وزاد بعضهم في الشائعات، وأعلن أن المتهم خرج من سراي النيابة ليتسلم عمله فورًا!!!! وبعيدًا عن ثُلة الكاذبين وسلة الشائعات ، أصدر الدكتور محمد معيط ، وزير المالية القرار رقم 285 لسنة 2018، بتاريخ الأربعاء 11 يوليو 2018 بتكليف السيد عمرو صلاح الدين السيد الخولي، مساعد وزير المالية لشئون الإيرادات بتسيير أعمال مصلحة الجمارك بجانب عمله لحين شغل وظيفة رئيس المصلحة، وقرر قاضي المعارضات بمحكمة القاهرة الجديدة، تجديد حبس رئيس مصلحة الجمارك السابق، جمال عبدالعظيم ومتهمين آخرين 15 يومًا على ذمة التحقيقات التي تجريها نيابة أمن الدولة العليا في الاتهامات المنسوبة له بتلقي رشوة. وكشفت تحقيقات النيابة برئاسة المستشار خالد ضياء المحامي العام الأول ، أنه تم ضبط رئيس مصلحة الجمارك، متلبسًا في استراحة الجمارك، حال تقاضيه مبلغ 3 آلاف دولار، و50 ألف جنيه كجزء من مبلغ الرشوة، وذلك بناء على الإذن الصادر من المستشار محمد وجيه المحامى العام الأول بالنيابة، بضبط الواقعة، والتسجيلات المأذون بها. واعترف الراشي، والوسيط، بالوقائع تفصيلًا، وقال الراشي، إن رئيس مصلحة الجمارك، كان يحصل منه على راتب شهري بقيمة إجمالية 500 ألف جنيه؛ مقابل إنهاء أعماله ومصالحه الخاصة بجمارك بورسعيد، كما حصل منه على عطايا عينية في صورة ملابس؛ تم ضبطها في الاستراحة ، كما قام رئيس مصلحة الجمارك، باستخدام الساعي الخاص به، وسيطا لتسليم مبالغ وعطايا الرشوة؛ حيث اعترف الساعي بقيامه باستلام مبالغ الرشوة من الراشي عدة مرات، وتسليمها إلى رئيس المصلحة. وتضمنت التحقيقات مواجهة المتهمين بالتهم المنسوبة إليهم بمحضر التحريات الأمنية والأحراز المضبوطة، والتسجيلات المحرزة بالقضية، واعترافات المتهمين، وعرضت النيابة التسجيلات على خبراء الصوت باتحاد الإذاعة والتلفزيون، للتحقق من صحة الفيديوهات والمكالمات الصوتية، لإعداد تقريرها حول محتواها، ولازالت التحقيقات مستمرة. ونحن لا نستبق نتائج التحقيقات، ولا نملك أن نُقرر براءة متهم أو إدانته .. ولكن نرفض حملات التشكيك في العدالة.