قال الرئيس التونسي محمد منصف المرزوقي إنه توقع مبكرا الثورات العربية لقناعته التامة بأن تحدي المستحيل يقود للثورات، لافتا أن شرعية الشعب حلت بديلا حتميا لشرعية القوة، كون الشعوب العربية أرادت نوعية أخري من الحكام. وأضاف المرزوقي -في مقابلة خاصة مع قناة "سي بي سي" الفضائية بثت مساء السبت- أن الأداء الغير مقنع للإسلاميين في مصر وتونس كان مؤثرا علي اختيار الليبيين في أول انتخابات تشريعية ديمقراطية في بلادهم، موضحا أن التيارات الإسلامية ليست فصيلا واحدا، إلا أن الحركات السلفية ظاهرة تحتاج إلي معالجة ثقافية، مؤكدا أنه لن يقصي أحدا إلا من أراد إقصاء نفسه. وقال المرزوقي إنه ليس من باب المصادفة أن يتولي أساتذة الجامعات منصب رئيس الجمهورية في مصر وتونس علي حد سواء، وأن موقعه كرئيس للجمهورية يضع مسئوليات كبيرة علي عاتقه لم يكن يتحملها في السابق وقت أن كان مسجونا. وأشار إلي ضرورة تعلم عدم الخلط بين القوة والعنف والثبات علي المبدأ والصبر علي المكاره، لافتا إلي أن الحوار مع الإسلاميين هو الحل، محذرا في الوقت ذاته التيارات العلمانية من اتباع فرض الوصاية وممارسة الإقصاء. وقال إنه فتح الحوار مع التيارات السلفية في تونس وقادتهم وطالبهم بممارسة الديمقراطية ونبذ العنف وفرض الرأي بالقوة، مؤكدا أنه يتعامل مع السلفيين بصحيح القانون دون تعذيب أو محاكمات ظالمة كما كان يحدث في السابق. وأشار إلي أن الإسلاميين كانوا جزءا من الثورة التونسية والمصرية، لكن ما حدث في ليبيا بشأن تقدم التيار الليبرالي في انتخابات المؤتمر الوطني العام الليبي، يرجع إلي عدم الأداء المقنع للإسلاميين في مصر وتونس، فأراد الليبيون اختيار فصيل آخر. وقال الرئيس التونسي إنه من الضروري علي التيارات الإسلامية أن يتعلموا أنهم فصيل من عدة فصائل، مطالبا إياهم بضرورة التعايش مع الآخرين، محذرا من الديكتاتورية العلمانية أو الإسلامية علي حد سواء - علي حد قوله. وقال الرئيس التونسي ان المشاكل الاقتصادية في بلاده أقل حدة من تفاقمها في مصر وإنه مشفق علي تحمل الرئيس المصري مشكلات تعادل أضعاف المشكلات في تونس، موضحا أن مفهوم الليبرالية الاقتصادي يعد خطرا كبيرا لكونها تسببت في المشكلات الاقتصادية في أوربا. وأضاف المرزوقي أنه مع الاشتراكية اليمقراطية التي تدافع عن الفقراء، لافتا إلي أنه ضد خصخصة التعليم والصحة، رافضا الليبرالية المطلقة التي تزيد الفقراء فقرا وتغني الأغنياء، موضحا أنه أصبح مسئولا عن ملفات كثيرة، إلا أن الموارد محدودة والمطالب تفوق قدرات البشر. واتفق الرئيس التونسي خلال مباحثاته مع الدكتور محمد مرسي علي رفض التدخل الأجنبي في سوريا وممارسة الضغط علي أصدقاء سوريا من أجل تنحي الرئيس السوري بشار الأسد عن الحكم، مؤكدا في الوقت ذاته علي أحقية الشعب السوري في اختيار نظامه وفق إرادته، مشيرا إلي أن سوريا باتت بؤرة للصراع بين القوي الدولية. ولفت المرزوقي إلي أن الشهداء دفعوا أرواحهم فداءا للثورة التونسية ولكن هناك من المشاكل الروتينية والقانونية ما يحول دون حصولهم علي علي حقوقهم كاملة وهذه المشكلات تتطلب مزيدا من الوقت لحلها، مؤكدا حزمه في تنفيذ الحل. وأضاف أن المتاجرين بالدم والثورة قد زاد الأمر صعوبة للتحري الدقيق عن الشهداء الحقيقيين، مشيرا إلي أن ما يحدث في سوريا يدفع للشعور بالشفقة علي من سيتولي ملف الشهداء والجرحي السوريين لاحقا. وأوضح المرزوقي إلي أنه طرح فعليا آلية حل الملف اليمني كحل مماثل للملف السوري حقنا للدماء، مشيرا إلي أن رحيل الرئيس السوري بشار الأسد يعد خيارا بين الحياة والعدل. واختتم الرئيس التونسي محمد منصف المرزوقي المقابلة، قائلا:"ان الأناقة تكمن في أناقة الروح والفكر وأنه يفضل أن يبقي علي فطرته وطبيعته، لأن السلطة لا تغوي إلا النفوس الضعيفة"، موضحا أنه لا يمارس السلطة من موقع "الغواية" وإنما من موقعها الأصلي الذي يفرض المسئولية علي عاتق أصاحبها.