لا شك أن الغالبية العظمي من المصريين قد استقبلت ما أفضي به الرئيس المنتخب محمد مرسي بحالة من الارتياح، لأن الرئيس الجديد لامس في خطاباته، سواء في ميدان التحرير، أو أمام المحكمة الدستورية العليا، أو في جامعة القاهرة، أو في حفل تسليم السلطة بالهايكستب، لامس القضايا الحياتية، والحيوية للمصريين، وانشغل بهمومهم، وآلامهم، وآمالهم، وهو ما ألقي بأثره الفاعل في أرجاء الوطن كافة، وسرت حالة من الانسجام مع ما قاله، خاصة حين أكد احترامه لمؤسسات الدولة كافة، وحرصه علي أداء اليمين الدستورية أمام المحكمة الدستورية العليا، وهو ما نزع أجواء التربص التي سبقت إعلانه موقفه في هذا الخصوص، كما أن تأكيده استقلال السلطة القضائية، ومبدأ الفصل بين السلطات، وإشادته بأداء القوات المسلحة ومجلسها الأعلي خلال فترة ما بعد الثورة، حتي تسليم السلطة، كل ذلك نزع فتيل القلق الذي شهدته البلاد خلال الفترة التي أعقبت فوز الدكتور محمد مرسي بالرئاسة. تلك الحالة من الانسجام والتوافق بين المصريين جميعهم، لم يتسن لها الاستمرار كثيرًا إذ في الوقت الذي كان الرئيس المنتخب لا يكف فيه عن ترديده سيمفونية احترام القضاء، والتقيد بأحكامه، جاءت جملة في خطابه الاحتفالي أمام الشخصيات العامة، والقوي السياسية والنواب السابقين بجامعة القاهرة، لتعكر صفو كل ما قاله، ففي لغة بالغة التحدي، قال الدكتور مرسي: 'ستعود المؤسسات المنتخبة لأداء دورها' وهنا علت صيحات التهليل والتأييد داخل قاعة الاحتفالات الكبري، والتي جاءت بشكل أكثر بروزًا من نواب الشعب السابقين، وكذلك نواب الشوري ورموز حزب الحرية والعدالة الحاضرون تلك الاحتفالية. وتبدو خطورة هذه الجملة التي تفوه بها الرئيس المنتخب في التداعيات المرتقبة لها، ومنها: أولا: سوف تثير هذه الكلمات إشكاليات واسعة، وحالة من الجدل الشديد، سوف يشهدها المجتمع المصري خلال الفترة المقبلة، حيث ستتراشق القوي المختلفة حول مدي مشروعية ما ذهب إليه الرئيس مرسي، ما بين مؤيد لحكم الدستورية العليا الصادر في الرابع عشر من يونيه الماضي والذي ذهب إلي حل مجلس الشعب بكامله، وبين معارض هذ الحكم، ولكل أسانيده وحججه، التي سيدفع بها في وجه معارضيه، وهو أمر سوف يغرق المجتمع في دوامة من الصراعات القانونية، والقضائية، والسياسية، التي ستبقي عجلة التخبط دائرة طيلة الفترة المقبلة، وهو ما يتعارض مع الآمال التي راودت الكثيرين بالخروج من تلك الدوامات. ثانيًا: أن كلام الرئيس مرسي عن عودة المؤسسات المنتخبة لأداء دورها يٌعَدُّ بمثابة انقلاب علي ما تعهد به أمام المحكمة الدستورية باحترام أحكامها، والالتزام بقواعدها والمثير في الأمر أن يحدث ذلك يعد أداء الرئيس اليمين الدستورية أمام الجمعية العامة للمحكمة الدستورية العليا، وبعد وقت وجيز من هذا الأمر، مما يثير شكوكًا حول جديته في تنفيذ ما تعهد به. ثالثًا: الأمر المؤكد علي ضوء ذلك أن صدامًا قادمًا في الأفق سوف يقع بلا جدال، بين مؤسسة الرئاسة والسلطة القضائية، خاصة لو حاول الرئيس المنتخب استخدام آليات غير قانونية لإعادة إحياء مجلس الشعب علي غير الأسس التي حسم بها القضاء الأمر في أحكامه القاطعة، وهنا يكون الرئيس الجديد قد انزلق إلي أزمة ليست بالهينة، سوف تكون لها تداعياتها الخطيرة ليس فقط علي عدم مشروعية مثل هذا التصرف بل علي مشروعية احترام أحكام القضاء، وتنفيذ التزاماتها. كنا نتمني أن يبدأ الرئيس الجديد عهده، بلا صدام مع المؤسسات الرسمية للدولة، فمصر هذه الأيام في مسيس الحاجة إلي الاستقرار والتوافق الوطني ومن شأن مثل هذا الاتجاه أن يبقي مصر رهينة حالة من الفراغ السياسي التي يدور المجتمع في أروقتها منذ عام ونصف العام. فبقدر الآمال الواسعة التي حملتها خطب وكلمات الدكتور مرسي، وبقدر الارتياح الذي راح يتمدد في أرجاء المجتمع، بقدر ما كان لهذه الجملة التي حشرت حشرًا في خطابه وقع 'الألم' علي كل من يأملون أن يتعافي الوطن سريعًا، ويقف مجددًا علي قدميه محفزًا أبناءه وشبابه علي حصد مكاسب الثورة التي خضبت بدماء شهدائها العظام الطريق الذي سار عليه د. محمد مرسي حتي تبوأ المقعد الرئاسي في البلاد.